انشقاق غير مسبوق في إسرائيل.. تبادل كرة "الانقلاب"
تدخل الساحة السياسية الإسرائيلية إلى "مرحلة التعقيد"، وسط اتهامات متبادلة بين النظام والحكومة بتنفيذ "انقلاب".
وتقول المعارضة الإسرائيلية، إن الحكومة تنفذ انقلابا على النظام عبر إصلاحات النظام القضائي، وترد الحكومة بأن ما يقوم به المعارضون هو "الانقلاب".
ومع دخول الاحتجاجات الإسرائيلية أسبوعها الـ29، فإن الانشقاق داخل المجتمع الإسرائيلي وصل حدا لم يسبق أن وصل إليه على مدى 75 عاما.
فيما أحدث تصاعد أعداد الرافضين للخدمة بجيش الاحتياط الإسرائيلي، هزة عارمة تصاعدت التحذيرات من مخاطرها.
وبحلول مساء السبت، وصل عدد عناصر سلاح الجو الإسرائيلي من ضباط وجنود وطياري الاحتياط الرافضين للخدمة إلى 1192 شخصا.
وكان عدد رافضي الخدمة، أمس الجمعة، 1142 شخصا، لكن انضم إليهم السبت، 21 طيارا و50 ضابطا.
ماذا حدث؟
الرسالة التي وقعها هؤلاء والموجهة إلى أعضاء الكنيست (البرلمان)، ورئيس هيئة الأركان العامة للجيش وقائد القوات الجوية، واطلعت عليها "العين الإخبارية"، جاء فيها "يقع على عاتقنا جميعاً مسؤولية وقف الانقسام والاستقطاب والصدع العميق الذي وقعت فيه الأمة".
وأضافت "أن الطابع اليهودي والديمقراطي لبلدنا عزيز على كل شعب إسرائيل.. هذا هو العقد الموقع من قبل جميع فئات الشعب في إعلان الاستقلال".
وتابعت: "يشكل هذا الأساس جوهر اتفاق المجتمع الإسرائيلي، الذي على أساسه نخدم دولة إسرائيل بتفانٍ وتضحية في ظل حكومات من جميع أطياف الطيف السياسي".
وبينما طالب الموقعون، أعضاء الكنيست بـ"إظهار القيادة"، أوضحوا مخاطبين هؤلاء الأعضاء: "توصلوا إلى اتفاقيات واسعة، وعززوا ثقة جميع فئات الشعب في النظام القضائي وحافظوا على استقلاليته".
وأضاف الموقعون على الرسالة: "يجب إعداد التشريع الذي يؤثر على الطابع اليهودي أو الديمقراطي لدولة إسرائيل، من خلال المفاوضات والموافقة العامة الواسعة".
وحذر الموقعون من "أن التشريع الذي يسمح للحكومة بالتصرف بطريقة غير معقولة للغاية سيضر بأمن دولة إسرائيل، وسيؤدي إلى فقدان الثقة وانتهاك موافقتي على الاستمرار في المخاطرة بحياتي، وسيؤدي بحزن عميق ولا خيار لتوقفي عن التطوع في الاحتياط".
وانضم إلى هؤلاء، السبت، 904 من جنود الاحتياط في المخابرات العسكرية، الذين أصدروا خطابًا أعلنوا فيه أنهم علقوا الخدمة الاحتياطية التطوعية، احتجاجًا على خطط الحكومة لإصلاح النظام القضائي.
ودعا هؤلاء الجنود إلى "الوقف الفوري للتحركات الديكتاتورية التي تنتهك العقد المبرم بين حكومة إسرائيل ومواطنيها" بحسب رسالتهم.
ووجهوا الاتهام للحكومة بالمضي قدما في "الانقلاب".
وجاء في الرسالة: "على الرغم من أننا دعونا مرات عديدة لإجراء مفاوضات واتفاقيات واسعة حول القضايا المطروحة، فإنه للأسف، لم تسر المفاوضات في مقر الرئيس بشكل جيد فحسب بل تواصل الحكومة دفع الانقلاب بقوة أكبر".
وأضاف الجنود: "أبلغنا قادتنا بحزن شديد، بأننا نعلق عملنا التطوعي في خدمة الاحتياط حتى إشعار آخر".
ووقع الرسالة 904 من جنود الاحتياط، بينهم 487 يحضرون بشكل متكرر إلى الخدمة.
"مسؤولون متقاعدون"
ومع تصاعد إعلانات رفض الخدمة، بعث رؤساء جهاز "الموساد" والأمن العام "الشاباك" وهيئة الأركان المتقاعدون، السبت، بمذكرة إلى رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، أعلنوا فيها أنهم "يدعمون الجنود والضباط الذين قرروا وقف عملهم التطوعي في صفوف الأجهزة الأمنية".
ووقع على هذه المذكرة عشرات المسؤولين الأمنيين السابقين الذين يعتبرون رئيس الوزراء الإسرائيلي "مسؤولاً عن الأضرار التي تلحق بالأمن".
وقالت الهيئة العامة للبث الإسرائيلي: "من بين الأسماء الموقعة على المذكرة كل من الرؤساء السابقين لجهاز الموساد: ناحوم أدموني، وإفرايم هاليفي، وشبتاي شافيط، وداني ياتوم، وتمير فاردو".
وأضافت "أما الرؤساء السابقون لجهاز الأمن العام (الشاباك) الذين وقعوا على المذكرة، منهم: كارمي غيلون، ويوفال ديسكيمن، ونداف أرغمان".
وتابعت الهيئة "من بين الأسماء الموقعة على المذكرة عدد من الرؤساء السابقين لهيئة الأركان العامة مثل: إيهود براك، وموشيه ياعلون، وداني حالوتس، وغيرهم من الضباط من ذوي الرتب العسكرية الرفيعة".
وجاء في نص المذكرة الموجهة لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو: "نحن نرى فيك المسؤول المباشر عن الضرر الجسيم الذي يلحق بالجيش الإسرائيلي وبأمن إسرائيل".
وأضافت أن "الحكومة الإسرائيلية تحت قيادتك تدفع بالتشريعات، في حين تتجاهل تماما الضرر اللاحق بالديمقراطية الإسرائيلية.. إن الإجراءات التشريعية تسحق القاسم المشترك للمجتمع الإسرائيلي، وتمزق الشعب، وتفكك الجيش الإسرائيلي وتلحق ضررا فادحا بأمن إسرائيل".
وتابعت المذكرة: "نحن نحملك المسؤولية الكاملة عن الأضرار التي تلحق بجيش الدفاع الإسرائيلي وبأمن إسرائيل، ونتوقع منك أن تتحمل المسؤولية، وأن توقف التشريعات، وتبدأ عملية التحاور من أجل تغييرات تتم فقط عبر التوافق الواسع بين الشعب وكنيست إسرائيل".
ومضت المذكرة قائلة "نحن المقاتلين في حروب إسرائيل، نشعر وكأننا عشية حرب يوم الغفران، ونرفع أمامك أنت وحكومتك الشارة الحمراء الساطعة: قف".
دور غالانت
إلى ذلك، كشفت تقارير النقاب عن أن وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت يعمل من أجل تدارك تداعيات وقف الخدمة ومن أجل وقف التشريعات.
وقالت محطات التلفزة الإسرائيلية: "يعمل وزير الدفاع يوآف غالانت على محاولة تأجيل تصويت الكنيست المقرر إجراؤه الأسبوع المقبل على الإصلاح القضائي، وسط معارضة غير مسبوقة من داخل الجيش واحتجاجات متزايدة".
وقال غالانت، في بيان، إنه "يتخذ إجراءات من أجل الوصول إلى إجماع واسع، ومن أجل ضمان أمن دولة إسرائيل، مع ترك الجيش الإسرائيلي منفصلاً عن الخطاب السياسي".
وزير: هذا انقلاب
ولكن الوزير من حزب "الليكود"، أوفير أوكينيس، قال للهيئة العامة للبث الإسرائيلي، مساء السبت: "نحن موجودون في محاولة انقلاب".
وأضاف: "أقول للطيارين: إن صوتكم في صندوق الاقتراع يساوي صوت أي ناخب آخر، وإن بيني غانتس ويائير لابيد منافقون".
ورفض طيارون الاحتياط محاولة المسؤولين السياسيين الإسرائيليين التقليل من شأنهم.
وقال اللواء احتياط تال روسو، للهيئة العامة للبث الإسرائيلي، عن الطيارين الرافضين للخدمة: "لا يمكن أن يكونوا أبطالا لمدة 75 عاما والآن أصبحوا طحالب. من يعطيهم صك الأخلاق؟ الناس الذين لم يخدموا في الجيش؟"
وتابع "أن الطيارين يشعرون أن كل شيء ينهار، وهم محقون في ذلك. على الحكومة أن تتحمل المسؤولية، نتنياهو جبان".
مسيرة ضخمة
واليوم السبت، خرج عشرات الألوف من المحتجين على التعديلات القضائية التي يسعى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لإجرائها في مسيرة إلى القدس، مع تصاعد الضغوط على الحكومة اليمينية لإلغاء مشروع قانون من شأنه تقليص سلطات المحكمة العليا.
وسار المحتجون في طابور امتد كيلومترات على الطريق الرئيسي المؤدي إلى القدس تحت شمس صيفية حارقة حاملين الأعلام الإسرائيلية ذات اللونين الأزرق والأبيض وسط أصوات قرع الطبول وهتافات وشعارات مناهضة للحكومة.
وأدى مسعى الحكومة لإجراء التعديلات إلى الزج بإسرائيل في واحدة من أسوأ أزماتها السياسية، إذ خرجت احتجاجات بأنحاء البلاد، ما أضر باقتصادها وأثار قلق حلفائها في الغرب.