سر تجنب إيران وإسرائيل الحرب.. دبلوماسية محمومة أم اعتراف بالخطر؟
بعد مرور حوالي شهر على استهداف إسرائيل للقواعد العسكرية الإيرانية، ما زال العالم ينتظر كيف سترد طهران.
كان الهجوم المضاد الإسرائيلي قد وقع بعد أكثر من 3 أسابيع من إطلاق إيران لأكثر من 180 صاروخا باليستيا مطلع أكتوبر/تشرين الأول الماضي للانتقام لمقتل اثنين من كبار قادة حزب الله وحماس.
لكن الموجة الأولى من الضربات وقعت في أبريل/نيسان الماضي، عندما قررت إيران الانتقام من استهداف قنصليتها في سوريا بقصف إسرائيل مباشرة بما لا يقل عن 300 صاروخ وطائرة مسيرة.
وقبل فترة ليست بالطويلة، توقع بعض المحللين أن تؤدي أي ضربة مباشرة من أي من البلدين للآخر إلى اندلاع حريق فوري، لكن الأمر لم يحدث بهذه الطريقة، وفقا لما ذكرته صحيفة "نيويورك تايمز".
وأرجعت الصحيفة الأمر جزئيا إلى الدبلوماسية المحمومة وراء الكواليس من قبل الحلفاء، ورغم ذلك، إلا أن الضربات المحسوبة المحدودة تعكس أيضًا حقيقة مفادها أن البديل هو اندلاع حرب بين إسرائيل وإيران، مما قد يؤدي إلى عواقب وخيمة ليس فقط على المنطقة، لكن أيضًا على جزء كبير من العالم.
وقال جوليان بارنز ديسي، مدير الشرق الأوسط في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية "يبدو أن طبيعة الهجمات تشير إلى اعتراف مشترك بالخطر الحاد المتمثل في اندلاع حرب إقليمية أعمق، والتي ربما لا يزال كلا الجانبين يرغبان في تجنبها".
وأوضح ديسي أن هذا لا يعني عدم وجود مخاطر للنهج الحالي، مضيفًا: "إنه مسار محفوف بالمخاطر وغير مستدام على الأرجح وقد يخرج عن نطاق السيطرة بسرعة".
وتابع "هناك أيضًا احتمال أن تعمل إسرائيل بشكل أكثر عمدًا على التصعيد للقيام بشيء أوسع وأكثر حسمًا في نهاية المطاف".
هل ترتقي إلى القوة النارية؟
حتى الآن، لا تشبه الضربات المتبادلة بين إيران وإسرائيل كثيراً الحرب المعروفة باسم الصدمة والرعب والقائمة على استخدام القوة النارية الساحقة والتكنولوجيا المتفوقة والسرعة لتدمير القدرات البدنية للعدو وإرادته في المقاومة وهي الحرب التي تم تقديمها لأول مرة كمفهوم في عام 1996 من قبل اثنين من الخبراء العسكريين الأمريكيين.
وهناك نقاش مستمر في الدوائر العسكرية حول ما إذا كان هجوم الصدمة والرعب لا يزال قابلاً للتطبيق؛ ففي تحليل، نُشر في أغسطس/آب الماضي في مجلة "فورين أفيرز" الأمريكية اعتبر رئيس هيئة الأركان المشتركة المتقاعد، الجنرال مارك أ. ميلي، وإريك شميدت، الرئيس التنفيذي السابق لشرك جوجل أن الأسلحة المستقلة والذكاء الاصطناعي يعملان على تغيير الحرب.
في المقابل، اعتبر محللان في مركز الدراسات الاستراتيجية للبحرية الملكية البريطانية الشهر الماضي أن حرب الصدمة والرعب تتطور، ولم تنته، وأنها لا تزال في مرحلة النشوء والارتقاء.
ولعقود من الزمان، انخرطت إيران وإسرائيل في حرب خفية، حيث نفذت تل أبيب هجمات سرية واعتمدت طهران على المليشيات الموالية لها في العراق ولبنان وسوريا واليمن كقوات خط المواجهة.
لكن ذلك كله تغير في أبريل/نيسان الماضي، فرغم اعتراض "جميع" الصواريخ والمسيرات التي أطلقتها إيران باتجاه إسرائيل إلا أنها كانت المرة الأولى التي تهاجم فيها إيران إسرائيل مباشرة، ما وضع المسؤولين في جميع أنحاء العالم في حالة تأهب لحرب إقليمية أوسع.
لكن حتى الآن، لم يتم تنفيذ إلا ضربات صاروخية دقيقة للغاية، تستهدف بشكل أساسي القواعد العسكرية في كلا البلدين.
وقال فرزان ثابت، المحلل في شؤون إيران والسياسة في الشرق الأوسط في معهد جنيف للدراسات العليا في سويسرا، إن وابل الهجمات الصاروخية المقيد بدا وكأنه يشير إلى نوع جديد من الحرب، مضيفًا: "الضربات الدقيقة ليست جديدة، لكن استخدامها على هذا النطاق أمر جديد".
وتابع: "ربما لم نر أسوأ ما في الأمر"، مشيرًا إلى أن طهران أوضحت مؤخرًا أنها مستعدة لضرب مصادر الطاقة الرئيسية في إسرائيل - بما في ذلك حقول الغاز ومحطات الطاقة ومحطات استيراد النفط إذا تم ضرب البنية التحتية المدنية الإيرانية.
واعتبر ثابت وغيره من المحللين أن الضربات الجوية والتحذيرات العامة التي سبقتها، كانت جزءًا من حملة ردع من قبل الدولتين لمحاولة منع الصراع من الخروج عن نطاق السيطرة.
وقال أساف أوريون، العميد الإسرائيلي المتقاعد واستراتيجي الدفاع في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى: "الحقيقة هي أن كلا الطرفين يأخذان وقتهما في الحساب والتعاون وتشكيل عملياتهما الخاصة".
وفي حين لم تستخدم إسرائيل الصدمة والرعب التقليديين ضد إيران، إلا أنها كانت أقل تحفظًا في هجماتها على وكلاء طهران، حزب الله وحماس وهو ما يعد ضربة لإيران كما أن عودة دونالد ترامب للبيت الأبيض قد تغير المعادلة مرة أخرى.
والأسبوع الماضي، التقى أحد أبرز حلفاء ترامب وهو الملياردير إيلون ماسك مع سفير إيران لدى الأمم المتحدة وهو ما اعتُبر محاولة لنزع فتيل التوترات بين طهران والرئيس الأمريكي المنتخب.
ومع ذلك فمن المتوقع أن تكون السياسة الخارجية لترامب أكثر ملاءمة لإسرائيل حيث يحشد صقور إيران في حكومته وهو ما قد يؤدي إلى ساحة جديدة للمعركة بين إيران وإسرائيل.