الأردني عمر ياغي.. العالم الذي جعل الصحراء تُنبت ماءً يفوز بنوبل

في إنجاز علمي لافت، أعلنت الأكاديمية الملكية السويدية للعلوم في الثامن من أكتوبر 2025 فوز العلماء سوسومو كيتاغاوا، وريتشارد روبسون، والعالم الأردني الأميركي عمر ياغي بجائزة نوبل في الكيمياء.
يأتي ذلك تقديرًا لإسهامهم في تطوير نوع جديد من البنى الجزيئية أُطلق عليها اسم “الأطر الفلزية العضوية”، وهي ابتكار فتح آفاقًا جديدة أمام الكيمياء الحديثة وتطبيقاتها في معالجة أزمات المياه والطاقة.
يُعدّ عمر مؤنس ياغي أحد أبرز رواد الكيمياء المعاصرة، وهو أول عربي ينجح في تحويل الهواء الجاف إلى مصدر للمياه العذبة، من خلال أبحاثه في جامعة كاليفورنيا – بيركلي. وسبق أن حاز جائزة “نوابغ العرب” عن فئة العلوم الطبيعية عام 2024، تقديرًا لإبداعه في علم الكيمياء الشبكية، الذي أسّس من خلاله مدرسة بحثية باتت مرجعًا في تصميم المواد الجديدة. وقد مُنح البروفيسور عمر ياغي الجنسية السعودية في عام 2021.
وُلد ياغي في الأردن عام 1965 لعائلة فلسطينية لاجئة عانت شظف العيش وندرة المياه. عاش طفولته في بيت متواضع بلا كهرباء، وكان على أسرته انتظار تدفق المياه لساعات محدودة أسبوعيًا. تلك التجربة تركت في ذهنه سؤالًا دائمًا: “لماذا لا يمكننا حصد الماء من الهواء؟”؛ وهو السؤال الذي قاده لاحقًا إلى ابتكار مواد تستطيع القيام بذلك فعلًا.
من الفقر إلى المختبر
كان والد ياغي يعمل جزارًا بسيطًا، لكنه أصرّ على تعليم أبنائه. التحق عمر بمدرسة خاصة بفضل تضحية والده، وهناك بدأ اهتمامه بالكيمياء بعد أن عثر صدفة على كتب تحوي نماذج لجزيئات مترابطة. كان يرى فيها سرّ تنظيم الكون على المستوى الذري، وشعر حينها أن العلم هو طريقه لفهم الحياة.
في الخامسة عشرة، أرسله والده إلى الولايات المتحدة ليتابع دراسته. ورغم ضعف لغته الإنجليزية وصعوبة التأقلم، تميز بسرعة، فحصل على درجة الدكتوراه ثم التحق بجامعة ولاية أريزونا أستاذًا للكيمياء. هناك بدأ في البحث عن طرق جديدة لبناء مواد ذات بنية بلورية منتظمة يمكن التحكم في خصائصها، إلى أن توصّل إلى مفهوم “الأطر الفلزية العضوية” (MOFs)، التي تجمع بين المعادن والروابط العضوية لتكوين هياكل ذات مسامات دقيقة هائلة القدرة على امتصاص الغازات والسوائل.
ثورة في علم المواد
عام 1999، أعلن ياغي عن إنتاج مادة “MOF-5” المعتمدة على الزنك، والتي امتازت بثبات حراري عالٍ ومساحة سطح داخلية تصل إلى نحو ثلاثة آلاف متر مربع لكل غرام، أي ما يقارب نصف مساحة ملعب كرة قدم. هذه الخصائص جعلت المادة مثالية لتخزين الغازات وتنقية الهواء واحتجاز ثاني أكسيد الكربون. ومن هنا بدأت الشركات العالمية تتسابق للاستفادة من اختراعه في صناعات الطاقة والبيئة.
لكن طموح ياغي تجاوز المختبرات المغلقة، فوجه أبحاثه إلى معالجة أزمة نقص المياه العالمية. فالأمم المتحدة تحذر من أن أكثر من مليار ونصف المليار إنسان سيعانون شحّ المياه بحلول عام 2025. ومن هنا انطلقت فكرته لاستخلاص الماء من الهواء الجاف باستخدام الأطر الفلزية العضوية.
الماء من الصحراء
في إحدى تجاربه داخل جامعة بيركلي، وضع ياغي مع فريقه صندوقًا بلاستيكيًا شفافًا يحوي مادة “MOF-801” المكونة من الزركونيوم. ومع مرور الوقت، تكاثفت قطرات الماء على الجدران الداخلية للصندوق حتى تجمعت في القاع. كانت تلك اللحظة، كما يصفها، “إحدى أكثر التجارب إلهامًا في حياتي”. فهذه البلورات قادرة على امتصاص بخار الماء حتى في رطوبة لا تتجاوز 20%، أي في بيئة صحراوية تمامًا.
وبالتعاون مع مهندسة من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، طوّر جهازًا صغيرًا بحجم الكف يمكنه جمع الماء ليلًا وتكثيفه نهارًا باستخدام حرارة الشمس. هذا الجهاز ينتج نحو 140 ملليلترًا من الماء لكل كيلوغرام من المادة يوميًا، وقد جرى تطويره لاحقًا لإنتاج كميات أكبر باستخدام الألمنيوم بدلًا من الزركونيوم لتقليل التكلفة، ليصل الإنتاج إلى أكثر من لترين يوميًا عند ربطه بالطاقة الشمسية.
نحو مستقبل بلا عطش
يرى خبراء الكيمياء أن اختراعات ياغي تمثل نقطة تحول في مكافحة الجفاف، إذ يمكن لهذه التقنية أن توفر مياهًا نقية في المناطق النائية دون الحاجة إلى شبكات توزيع. ورغم التحديات التقنية والاقتصادية المتعلقة بعمر الأجهزة وتكلفتها، فإن العلماء متفائلون بإمكانية تعميمها مستقبلًا. ويقول أستاذ الكيمياء بجامعة نورث وسترن الأميركية عمر فرحة: “إن جمع الماء من الهواء في أكثر البيئات قحطًا لم يعد حلمًا نظريًا، بل تجربة قابلة للتوسيع لتخدم ملايين البشر”.
aXA6IDIxNi43My4yMTYuNSA= جزيرة ام اند امز