ملك البحرين.. مسيرة قائد تتوج إنجازات وطن
يحتفل الشعب البحريني الخميس، بالذكرى 22 لتولي ملك البلاد حمد بن عيسى آل خليفة مقاليد الحكم وقلوبهم تفيض بمشاعر الحب والامتنان والتقدير.
وتحل الذكرى في وقت يجني فيها الشعب البحريني ثمار الإنجازات التنموية والإصلاحات التاريخية التي تشهدها بلادهم على مختلف الأصعدة.
وتحل الاحتفالات بعد نحو شهر من إطلاق الحكومة البحرينية خطة التعافي الاقتصادي، والتي تتضمن حزمة مشاريع تنموية و مشاريع استراتيجية تفوق قيمتها 30 مليار دولار أمريكي.
وقد حققت إنجازات متميزة في مجال التصدي لجائحة كورونا، وشهدت البلاد عودة ميسرة للحياة العامة وفق الإجراءات الاحترازية.
وتأتي الاحتفالات أيضاً بعد عام ترأست فيه البحرين الدورة الحادية والأربعين لمجلس التعاون الخليجي، وحققت خلالها بذلك الكثير من الخطوات الهامة التي تصب في مصلحة عمل المجلس لما يسهم في الارتقاء بمسيرته ورخاء وازدهار شعوبه.
وتحتفل البحرين بأعيادها الوطنية، ومبادراتها لتعزيز السلام ونشر التسامح تؤتي ثمارها حتى أضحت نموذجا يحتذى به في مجالات السلام والتعايش بين مختلف الأديان والمذاهب، وذلك بفضل سياسات عاهل البلاد الملك حمد بن عيسى آل خليفة، التي جعلت البحرين مملكة للسلام وواحة للتسامح.
وافتتحت البحرين قبل أسبوع أكبر كاتدرائية كاثوليكية في منطقة الخليج، تحقيقا لرؤية عاهل البحرين تحقيق رؤية المستنيرة في التقارب بين الأديان والثقافات، وتجسيدا لالتزام مملكة البحرين ومبدئها في إرساء وتعزيز الحوار بين الأديان والتفاهم بين مختلف الثقافات والحضارات، ونشر قيم الأخوة الإنسانية والتعايش بين الجميع.
وتحتفل البحرين بأعيادها الوطنية يومي 16 و17 ديسمبر، إحياء لذكرى قيام الدولة البحرينية الحديثة في عهد المؤسس أحمد الفاتح؛ دولة عربية مسلمة عام 1783، والذكرى الـ50 لانضمامها إلى الأمم المتحدة كدولة كاملة العضوية، والذكرى الـ22 لتسلم عاهل البحرين الملك حمد بن عيسى آل خليفة مقاليد الحكم.
ومنذ توليه الحكم شهدت البحرين في عهد الملك حمد بن عيسى آل خليفة نقلة نوعية ومنعطفا تاريخيا مهما، بإعلانه الإصلاحات الدستورية والميثاق الوطني عام 2001، الذي عادت من خلاله الحياة البرلمانية والديمقراطية إلى المملكة.
كما استطاعت البلاد أن تؤسس بنية اقتصادية حديثة ومتنوعة عززت مكانتها مركزا تجاريا وماليا وسياحيا رئيسيا في المنطقة.
دروس في الوفاء
ورغم توليه مقاليد الحكم يوم وفاة والده الشيخ عيسى بن سلمان آل خليفة، في 6 مارس/آذار 1999، إلا أن ملك البحرين آثر استمرار احتفال البلاد بعيدها الوطني يوم 16 ديسمبر/كانون الأول الذي يصادف تولي والده السلطة عام 1961، ليؤرخ بالتاريخ نفسه ذكرى عيد الجلوس.
وكانت البحرين شهدت في عهد حاكمها السابق الاستقلال عن بريطانيا في 14 أغسطس/آب عام 1971.
وعقب هذا التاريخ تم تأخير الاحتفال بالعيد الوطني ودمجه مع ذكرى تولي الشيخ عيسى بن سلمان آل خليفة مقاليد الحكم، وهو ما حافظت عليه المملكة حتى اليوم.
وتعد ذكرى عيد الجلوس واليوم الوطني إلى جانب كونها مناسبة وطنية مهمة، فرصة يعبر فيها أهل البحرين عن مشاعر الفخر والامتنان والتقدير لقائد نهضة بلادهم على مدار 22 عاما.
مولده ونشأته
والملك حمد بن عيسى آل خليفة هو الابن الأكبر بين إخوته؛ حيث ولد في مدينة الرفاع يوم 28 يناير/كانون الثاني 1950، والتحق بالمدرسة الابتدائية في السادسة من عمره، وحرص والده على تعليمه اللغة العربية.
كما اقتنع بأن أفضل طريقة لتقويم لسان الطفل هي تعليمه تلاوة القرآن الكريم ومبادئ الدين، فاستعان بكبار المحفظين وشب يعشق الشعر العربي والنبطي، وهو ما كان له عظيم الأثر في تقدم لغته وأسلوبه وشخصيته.
ومنذ صغره، كان الملك حمد حريصاً على حضور مجالس والده ليستمع إلى تاريخ الأمم والوقائع بشكل عمق من خبرته وحنكته السياسية.
واهتم أيضا في فترة صباه بتعلم السباحة والرماية والفروسية على أيدي مدربين ماهرين، فأصبح يهتدي بآراء الرجال الأكفاء، كلٌ حسب اختصاصه، ولذلك فقد كانت هذه البذور الأولى لاهتمامه بالرياضة ورعايته للرياضيين بعد توليه الحكم.
ولاية العهد
ومع انتهاء دراسته المتوسطة سنة 1964 بتفوق، أعلن رسميا توليه ولاية العهد، يوم 27 يونيو/حزيران من العام نفسه، وهو في الرابعة عشرة من عمره، وذلك بعد 3 سنوات من تولي والده مقاليد الحكم في 16 ديسمبر/كانون الأول 1961.
ثم التحق بالدراسة الثانوية في مدرسة ليز بمدينة كمبردج بإنجلترا، وبعدها التحق في 14 سبتمبر/أيلول 1967 بدوره في كلية مونز الحربية للضباط في مدينة درشوت همبشارير وتخرج فيها يوم 14 فبراير/ شباط 1968.
وبعد عودته إلى البحرين، قام بوضع خطة لإنشاء قوة دفاع البحرين التي تم تعزيزها ببراءة أميرية في مستهل شهر أغسطس/آب سنة 1968، وظل الملك متبوئا منصب القائد العام لقوة دفاع البحرين منذ بداية تأسيسها وحتى توليه مقاليد الحكم عام 1999.
كذلك شغل منصب رئيس مديرية الدفاع وأصبح عضوا في مجلس الدولة الذي تم تأسيسه في 19 يناير/كانون الثاني 1970، وعقب استقلال البحرين في 14 أغسطس/آب 1971، وتشكيل مجلس الوزراء أصبح وزيراً للدفاع.
وفي 21 يونيو/حزيران 1972، التحق الملك حمد بمقره العسكري التدريبي بكلية القيادة ورئاسة الأركان في فورت ليفنويرث (كنساس) بالولايات المتحدة الأمريكية، ومنح وسام الحرية لمدينة كنساس من قبل عمدة وشعب مدينة كنساس.
خلال أوقات فراغه في ليفنويرث كان يتلقى مقرراً في المراسلات الخارجية للكلية الصناعية للقوات المسلحة في واشنطن، حيث نال شهادة الدبلوم الوطنية في الإدارة العسكرية، وذلك في 31 مايو/أيار 1972.
ويوم 26 يونيو/حزيران 1972 حصل على شهادة الشرف العسكرية من الولايات المتحدة الأمريكية وذلك تقديراً لما أنجزه في الشؤون العسكرية منذ عام 1968، ونتيجة ذلك تم وضع اسمه ضمن الأسماء المدرجة في لوحة الشرف للضباط في الجامعة.
بعد عودته من الولايات المتحدة الأمريكية انهمك بشكل جاد في العمل على دفع عجلة التطور والتوسع في بلاده بصورة عامة وفي قوة دفاع البحرين بصورة خاصة.
وجرى تعيينه في 26 يونيو/حزيران 1974، نائبا لرئيس مجلس عائلة آل خليفة بعد مرسوم أميري صدر في هذا السياق، كما تم تعيينه رئيسا للمجلس الأعلى للشباب والرياضة في عام 1975.
وفي أكتوبر/تشرين الأول 1977، بدأ تدريبه على طائرات الهليكوبتر، وقد تخرج طيارا يتمتع بكفاءة تامة في قيادتها، وذلك في 14 يناير/كانون الثاني 1978.
ومنذ ذلك الحين، سار قدماً في إنشاء جناح الدفاع الجوي لقوة دفاع البحرين.
تولي مقاليد الحكم
بعد أن قضى 35 عاما وليا لعهد البلاد تقلد فيها كثيرا من المناصب واكتسب كثيرا من الخبرات، تولى الملك حمد بن عيسى بن سلمان آل خليفة الحكم أميراً للبحرين (حيث كانت البلاد ما زالت إمارة) يوم السبت 6 مارس/آذار 1999م، في نفس يوم وفاة والده.
وفي 9 مارس/آذار 1999م، أصدر مرسوماً أميرياً يقضي بتعيين ابنه الأكبر الشيخ سلمان بن حمد بن عيسى آل خليفة ولياً للعهد.
وبعد نحو عام من توليه الحكم، أصدر الملك حمد قرارا في 22 نوفمبر/تشرين الثاني 2000 بتشكيل لجنة وطنية لإعداد ميثاق العمل الوطني، وقد تسلم مشروع الميثاق في الشهر التالي، وتم طرحه على الاستفتاء في 14 و15 فبراير/شباط 2001، ووافق عليه 98.4% من المواطنين.
ومشروع ميثاق العمل الوطني في البحرين يُعد وثيقة تاريخية، احتوت على مبادئ عامة وأفكار رئيسية، الهدف منها إحداث تغييرات جذرية في منهج العمل والأداء.
المشروع الإصلاحي
ومثّل هذا الميثاق قاعدة انطلق منها المشروع الإصلاحي الذي أطلقه ملك البحرين، وشمل إحداث تغييرات جذرية في الجوانب السياسية والاقتصادية والاجتماعية، حيث تم بموجبه إعادة إحياء الحياة السياسية والديمقراطية في البحرين بعد أن توقفت عام 1975.
وقد غدا الميثاق الوطني القاعدة الأساسية لجميع التغييرات السياسية التي شهدتها المملكة في عصرها الإصلاحي الشامل.
ففي الذكرى الأولى لتدشين ميثاق العمل الوطني، عُدل دستور البلاد في 14 فبراير/شباط 2002، وأعلن ملك البحرين في خطاب له تحول البلاد من إمارة إلى مملكة دستورية.
كما مهد الميثاق إلى إجراء انتخابات المجالس البلدية في أبريل/نيسان من العام نفسه، ثم انتخاب أعضاء مجلس النواب في أكتوبر/تشرين الأول وانعقاد أولى جلساته في 2002 لتبدأ المسيرة الديمقراطية في مملكة البحرين عهدا جديدا.
ولم تقتصر التغيرات الإيجابية التي شهدتها البحرين على تلك النواحي، بل اشتملت على تعزيز دور المرأة في الحياة السياسية، الأمر الذي أهَّلها إلى دخول البرلمان.
وتتويجا لتلك المسيرة الديمقراطية، شهدت البحرين خلال الفترة من 24 نوفمبر/تشرين الثاني حتى 1 ديسمبر/كانون الأول 2018 انتخابات برلمانية وبلدية، وتوجت بانتخاب برلمان ومجلس بلدي جديدين.
مستقبل واعد
على الصعيد الاقتصادي، تمتاز البحرين ببيئة اتصالات حديثة وبنية تحتية للنقل والمواصلات، كما أن المملكة لديها تشريعات عديدة محفزة للاستثمار، منها قوانين الشفافية ومكافحة الفساد وتسهيل منح التراخيص وغيرها.
وأضحت مركزا تجاريا وماليا متخصصا للبنوك والمؤسسات المالية الإسلامية لتنجح إلى حد كبير في جذب مئات من البنوك والشركات الاستثمارية في مختلف القطاعات.
وتركز الرؤية الاقتصادية 2030، التي أطلقها الملك حمد بن عيسى آل خليفة في أكتوبر/تشرين الأول 2008، على بلورة رؤية حكومية متكاملة للمجتمع والاقتصاد، والتي تتمحور حول 3 مبادئ أساسية؛ هي التنافسية، والعدالة، والاستدامة.
ومنذ إطلاق الرؤية الاقتصادية 2030 والاستراتيجية الاقتصادية الوطنية، تمكنت المملكة من إحراز تقدم ملحوظ في عملية الإصلاح الاقتصادي وزيادة كفاءة أداء الجهات الحكومية.
نشر السلام والتسامح
وعلى صعيد السياسة الخارجية، واصلت مملكة البحرين في عهد الملك حمد جهودها ومساعيها من أجل تعزيز علاقاتها بدول العالم كافة والدفاع عن القضايا العربية والإسلامية في كل المحافل والمنابر الدولية.
كما التزمت المملكة بسياسة واضحة المبادئ والثوابت في علاقتها مع دول الجوار الخليجي ودول مجلس التعاون الشقيقة.
وشارك الملك حمد بصورة شخصية ناشطة في معظم المؤتمرات والمحافل الدولية المعنية بإنشاء السلام العالمي والتخفيف من معاناة الشعوب، وكان دائما على الخط الخليجي مبادرا لتعزيز الصف وتوكيد أواصر علاقات التعاون والتنسيق بين الأشقاء.
وتوجت تلك السياسة بالتوقيع على بيان تاريخي مشترك بين مملكة البحرين وإسرائيل يوم 18 أكتوبر/تشرين الأول 2020 بشأن "إقامة علاقات دبلوماسية إيذاناً ببداية عهد جديد وواعد في العلاقات بين البلدين".
وضمن أحدث محطات التعاون تحت مظلة السلام، ، قام وزير الخارجية الإسرائيلي يائير لابيد، 30 سبتمبر/ أيلول الماضي بزيارة تاريخية هي الأولى له إلى البحرين، تم خلالها افتتاح سفارة بلاده في العاصمة المنامة.
كما شهدت الزيارة توقيع مذكرات تفاهم للتعاون بين البلدين في مجالات عدة، بما يسهم في تحقيق الازدهار والرخاء لشعبي البلدين، وتعزيز الأمن والاستقرار في المنطقة.
وفي خطوة ترسخ مكانة مملكة البحرين كبلد حضاري رائد للتسامح بين الشعوب والأديان ، افتتحت المملكة 9 ديسمبر الجاري "أكبر كنيسة كاثوليكية" في شبه الجزيرة العربية بمنطقة العوالي جنوب العاصمة المنامة.
وتحتفل مملكة البحرين بأعيادها الوطنية وهي تتطلع للغد بمزيد من التفاؤل والأمل، في ظل ما تشهده البلاد من إنجازات في مختلف المجالات.