مقترح فرنسي لهدنة بين إسرائيل ولبنان.. هل يتكرر سيناريو 96؟
في أول اقتراح مكتوب تتسلمه بيروت خلال أسابيع من الوساطة الغربية، قدمت فرنسا خطة تهدف إلى إنهاء القتال مع إسرائيل، والتوصل لتسوية بشأن الحدود المتنازع عليها بين بيروت وتل أبيب.
ودعت الوثيقة -التي قالت وكالة «رويترز»، إنها اطلعت عليها- المقاتلين، بما في ذلك وحدة النخبة التابعة لحزب الله، إلى الانسحاب مسافة 10 كيلومترات من الحدود.
وتهدف الخطة، إلى إنهاء القتال بين جماعة حزب الله، المتحالفة مع إيران، وبين إسرائيل عبر الحدود.
ويجري القصف المتبادل بالتوازي مع الحرب في غزة وأثار مخاوف من حدوث مواجهة مدمرة وشاملة.
وقال أربعة مسؤولين لبنانيين كبار وثلاثة مسؤولين فرنسيين إن وزير الخارجية الفرنسي ستيفان سيجورنيه سلم الوثيقة الأسبوع الماضي، لكبار المسؤولين في الدولة اللبنانية بمن فيهم رئيس الوزراء في حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي.
ويقول الاقتراح إن الهدف هو منع نشوب صراع «يهدد بالخروج عن نطاق السيطرة» وفرض «وقف محتمل لإطلاق النار، عندما تكون الظروف ملائمة»، ويتصور في نهاية المطاف إجراء مفاوضات حول ترسيم الحدود البرية المتنازع عليها بين لبنان وإسرائيل.
وتسعى الخطة المكونة من ثلاث خطوات إلى عملية تهدئة مدتها 10 أيام تنتهي بمفاوضات بشأن الحدود. وقال مصدر دبلوماسي فرنسي إن الاقتراح طرح على حكومتي إسرائيل ولبنان وعلى حزب الله.
ثلاث خطوات
ويعيد الاقتراح إلى الأذهان وقف إطلاق النار الذي أنهى حربا بين حزب الله وإسرائيل في عام 1996، وكذلك قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1701 الذي أنهى حرب عام 2006.
ويُفصل ثلاث خطوات تُتخذ على مدار 10 أيام. إذ يوقف الجانبان العمليات العسكرية في الخطوة الأولى. وفي غضون ثلاثة أيام، تقضي الخطوة الثانية بأن تسحب الجماعات المسلحة اللبنانية مقاتليها على الأقل 10 كيلومترات شمالي الحدود، ويبدأ لبنان في نشر جنود في الجنوب. وتوقف إسرائيل التحليق فوق الأراضي اللبنانية.
أما الخطوة الثالثة، خلال عشرة أيام، فهي أن يستأنف لبنان وإسرائيل المفاوضات حول ترسيم الحدود البرية "بطريقة تدريجية" وبدعم من قوة حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة (اليونيفيل).
كما سيخوضان مفاوضات حول خارطة طريق لضمان إنشاء منطقة خالية من أي جماعات مسلحة غير تابعة للدولة بين الحدود ونهر الليطاني.وترتبط فرنسا بعلاقات تاريخية مع لبنان، ولديها 20 ألف مواطن في البلاد ونحو 800 جندي ضمن قوة حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة.
وقال سيجورنيه في مؤتمر صحفي أمس الإثنين: «قدمنا مقترحات. إننا على اتصال بالأمريكيين ومن المهم أن نجمع كل المبادرات ونبني السلام».
وتقترح الخطة أن توقف الجماعات المسلحة اللبنانية وإسرائيل العمليات العسكرية ضد بعضهم البعض، بما يشمل الغارات الجوية الإسرائيلية في لبنان.
وشنت عدة جماعات غير تابعة للدولة، منها فصائل فلسطينية، هجمات على إسرائيل من جنوب لبنان خلال أحدث تبادل لإطلاق النار، لكن حزب الله هو القوة المهيمنة في المنطقة ولديه قوة قتالية يُنظر إليها على نطاق واسع على أنها تفوق ما لدى الجيش اللبناني.
وتقترح الوثيقة أن تهدم الجماعات المسلحة اللبنانية جميع المباني والمنشآت القريبة من الحدود وتسحب القوات المقاتلة بما يشمل مقاتلي قوة الرضوان، وهي قوة النخبة التابعة لحزب الله، وكذلك القدرات العسكرية مثل الأنظمة المضادة للدبابات إلى مسافة 10 كيلومترات على الأقل شمالي الحدود.
وأي انسحاب من هذا القبيل لا يزال يجعل مقاتلي حزب الله أقرب بكثير إلى الحدود مقارنة مع الانسحاب لمسافة 30 كيلومترا إلى نهر الليطاني في لبنان وهو ما نص عليه قرار الأمم المتحدة الذي أنهى الحرب مع إسرائيل في عام 2006.
وقال دبلوماسي غربي مطلع على الاقتراح المكتوب في صفحتين إن من شأن الانسحاب للمسافة الأقصر أن يساعد في ضمان عدم وصول الصواريخ إلى قرى شمال إسرائيل التي تم استهدافها بصواريخ مضادة للدبابات، وإنه بمثابة حل وسط يعد مستساغا أكثر لحزب الله من التراجع إلى نهر الليطاني.
ويقضي المقترح أيضا بأن يتم نشر ما يصل إلى 15 ألف جندي من الجيش اللبناني في المنطقة الحدودية بجنوب لبنان، وهي معقل سياسي لحزب الله حيث يندمج مقاتلو الجماعة منذ فترة طويلة في المجتمع في أوقات الهدوء.
ويدعو الاقتراح إلى بذل جهد دولي لدعم انتشار الجيش اللبناني بـ«التمويل والعتاد والتدريب». كما يدعو إلى «التنمية الاجتماعية الاقتصادية لجنوب لبنان».
ردود أفعال
وردا على سؤال حول الاقتراح، قال السياسي البارز في حزب الله النائب حسن فضل الله لـ«رويترز» إن الجماعة لن تناقش «أي أمر له علاقة بالوضع في الجنوب قبل وقف العدوان على غزة».
وأضاف فضل الله أن «العدو ليس في وضع يسمح له بفرض شروط»، وأحجم عن التعليق على تفاصيل الاقتراح أو ما إذا كان حزب الله قد تسلمه.
وقال أحد المسؤولين اللبنانيين إن الوثيقة تجمع أفكارا نوقشت في اتصالات مع مبعوثين غربيين وتم نقلها إلى حزب الله. وأضاف أن المسؤولين الفرنسيين أبلغوا اللبنانيين بأنها ليست ورقة نهائية، بعد اعتراض بيروت على أجزاء منها.
وقال مسؤول إسرائيلي إن الحكومة تلقت الاقتراح وتناقشه.
وردا على طلب للتعليق من أجل هذه القصة، قال متحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية إن الولايات المتحدة «تواصل بحث جميع الخيارات الدبلوماسية مع نظرائنا الإسرائيليين واللبنانيين لاستعادة الهدوء وتجنب التصعيد». ولم يرد البيت الأبيض على الفور على طلب للتعليق.
عناصر غير واضحة
قال المسؤول اللبناني إن عدة عناصر أثارت قلقا في بيروت، مثل مطالبة الجماعات المسلحة بهدم المباني والمنشآت القريبة من الحدود، والتي أشار المسؤول إلى أنها صيغت بشكل غير واضح وقد تستخدم للمطالبة باتخاذ خطوات ضد المؤسسات المدنية التابعة لحزب الله.
وفر عشرات الآلاف من منازلهم على جانبي الحدود منذ بدء تبادل إطلاق النار في الثامن من أكتوبر تشرين الأول.
وأدت الضربات الإسرائيلية إلى مقتل ما يقرب من 200 شخص في لبنان، 170 منهم من مقاتلي حزب الله. وأسفرت الهجمات من لبنان عن مقتل 10 جنود وخمسة مدنيين في إسرائيل.
لكن إطلاق النار اقتصر في الغالب على مناطق قريبة من الحدود وقال الجانبان إنهما يريدان تجنب حرب شاملة.
وزار عدد كبير من المبعوثين الغربيين بيروت لبحث سبل التهدئة، واجتمع معظمهم مع مسؤولي الدولة وليس مع حزب الله، الذي تصنفه الولايات المتحدة منظمة إرهابية.
وقال أحد المسؤولين اللبنانيين إن وفدا فنيا فرنسيا عاد إلى بيروت بعد يومين من زيارة سيجورنيه لبحث التفاصيل، وذلك عقب الاعتراضات اللبنانية.
وذكر مسؤول لبناني آخر أن بيروت لم ترد على الاقتراح، مضيفا أنه لم يكن موقعا أو مؤرخا، وبالتالي لا يعتبر رسميا بما يكفي لتبرير الرد.
وكان حزب الله قد أشار في وقت سابق إلى أنه قد يدعم الدولة في التفاوض على اتفاق مع إسرائيل لتسوية وضع المناطق المتنازع عليها على الحدود لصالح لبنان.
ومن القضايا التي تحتاج لمعالجة هي تمويل الجيش اللبناني، الذي أضعفته بشدة الأزمة المالية الحادة في البلاد.
وكان مسؤولون لبنانيون ودبلوماسيون غربيون قالوا إن حزب الله أبدى انفتاحه على الجهود الدبلوماسية الأمريكية الرامية لإحلال الهدوء على الحدود مع إسرائيل بمجرد سريان وقف لإطلاق النار في غزة.
تصعيد
الاقتراح يأتي بعد ساعات من إصابة مسؤول محلي من حزب الله بجروح بالغة الإثنين جراء ضربة إسرائيلية استهدفت سيارته في مدينة بنت جبيل في جنوب لبنان.
وقال مصدر أمني لبناني لوكالة «فرانس برس»، إن «غارة اسرائيلية استهدفت رابط حزب الله في بلدة مارون الراس»، وهي تسمية يطلقها الحزب على مسؤوليه المحليّين في البلدات الواقعة في نطاق نفوذه.
وأدّت الضربة إلى إصابة المسؤول المحلي «إصابة بالغة وحرجة، نقل على إثرها إلى المستشفى للعلاج»، وفق المصدر.
ويتبادل حزب الله وإسرائيل إطلاق النار بشكل شبه يومي منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، عندما شنت حماس هجوما على جنوب إسرائيل التي قالت إنه أودى بحياة 1200 شخص وأدى لاقتياد أكثر من 200 رهينة إلى قطاع غزة.
ثم شن الجيش الإسرائيلي هجوما بريا وجويا وبريا مدمرا على غزة أدى إلى مقتل أكثر من 28 ألف فلسطيني حتى الآن.
وأعلن حزب الله يوم السبت أنه سيطر على طائرة مسيرة إسرائيلية من طراز سكاي لارك «في حالة جيدة» كانت تحلق في المجال الجوي اللبناني.
وسكاي لارك طائرة مسيرة صغيرة تُستخدم عادة للمراقبة وتنتجها شركة تصنيع الأسلحة أنظمة إلبيط ومقرها إسرائيل.
واقترحت حماس الأسبوع الماضي وقفا لإطلاق النار لمدة أربعة أشهر ونصف الشهر يتم خلالها إطلاق سراح الرهائن المتبقين وتسحب إسرائيل قواتها ويتم التوصل إلى اتفاق لإنهاء الحرب.
وقال رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو إن شروط حماس، التي جاءت ردا على اقتراح وضعه رئيسا المخابرات الأمريكية والإسرائيلية وسلمه وسطاء قطريون ومصريون إلى الحركة الأسبوع الماضي، «مضلَّلة»، وتعهد بمواصلة القتال.
aXA6IDE4LjIxNy4yMzcuMTY5IA== جزيرة ام اند امز