عام على انفجار مرفأ بيروت.. أسئلة بلا إجابات
كثيرة هي الأسئلة التي لا تزال تلف انفجار مرفأ بيروت، وسط تحقيقات مستمرة بلا نتائج حول واحدة من أقوى الانفجارات بالعالم.
وفور وقوع الانفجار انطلقت مسيرة تحقيقات لمحاولة كشف ملابسات الجريمة، حيث عقدت الحكومة اللبنانية، حينها اجتماعا طارئا وعدت إثره اللبنانيين بتحقيق شفاف وسريع يكشف حقيقة ما حصل.
وصرح الرئيس ميشال عون قائلا إن التفجير ناتج عن انفجار 2700 طن من نيترات الأمونيوم وأنه سيعلن للرأي العام النتائج الأولية للتحقيق خلال خمسة أيام.
ولكن بعد مرور سنة كاملة، لم تصدر نتيجة واحدة عن التحقيق، أو أي توضيح يمكن أن يكشف ماذا جرى في ذلك اليوم المرعب، فيما تستمر التحقيقات بلا نتائج حتى الآن.
تحقيقات بلا نتائج
في 5 أغسطس/آب 2020، كلّف مجلس الوزراء اللبناني "لجنة تحقيق إدارية" برئاسة رئيس حكومة تصريف الأعمال حينها حسان دياب تضمّ وزراء الدفاع والعدل والداخلية، إلى جانب قائد الجيش ومديري ثلاثة أجهزة أمنية، على أن ترفع نتائج التحقيق إلى مجلس الوزراء خلال خمسة أيّام.
لكن لم تُدلِ هذه اللجنة بأية تصريحات علنية، ويبدو أنّها توقّفت عن العمل بعد استقالة حكومة دياب في 11 أغسطس/آب من العام نفسه.
وفي حدث منفصل، طلب النائب العام التمييزي القاضي غسان عويدات، في 5 أغسطس/آب الماضي، تحقيقا من قوى الأمن الداخلي حول نترات الأمونيوم، وتزويده بأسماء المسؤولين المشرفين على تخزين المادة وأمنها.
وفي العاشر من الشهر نفسه، أعلن عويدات أنّه، وبعد تحقيق تحت إشرافه ومفوّض الحكومة لدى المحكمة العسكرية بالإنابة القاضي فادي عقيقي، اعتُقل 19 مشتبها بهم دون الإفصاح عن أسمائهم أو التهم الموجّهة إليهم، كما لم يتّضح ما إذا تيسّرت لهم الإجراءات القانونية الواجبة.
وباليوم نفسه، أوصى عويدات مجلس الوزراء بإحالة القضية إلى المجلس العدلي (محكمة خاصة ذات قرارات غير قابلة للاستئناف)، ونفّذ مجلس الوزراء ذلك في ذات اليوم، فيما عيّنت وزيرة العدل ماري كلود نجم القاضي فادي صوّان محقّقا عدليا.
وشارك محقّقون أجانب، بينهم نحو 50 من الشرطة الجنائية والدرك الفرنسيَّين و"مكتب التحقيقات الفيدرالي" الأمريكي، في التحقيقات المحلية الجارية بدعوة من السلطات اللبنانية.
وأرسل المحقق العدلي إنابات قضائية إلى أكثر من عشر دول، طلب من بعضها التعاون في التحقيق حول شحنة نيترات الأمونيوم، ومن أخرى، بينها فرنسا والولايات المتحدة والهند وتركيا وإسبانيا وايطاليا، تزويده بصور أقمار اصطناعية للمرفأ.
حتى 13 أكتوبر/تشرين الأوّل، تم اعتقال 25 شخصا على صلة بالقضية، ووُجّهت التهم إلى 30 شخصا، واستمع القاضي صوّان إلى 47 شاهدا. لم يُعلن عن الأدلة والتهم الموجهة إلى المعتقلين، عرف من هؤلاء الاشخاص مدير عام الجمارك الحالي والسابق، ورؤساء مرفأ بيروت الحالي والسابق، وعدد من الضباط والموظفين في المرفأ.
إلا أنه، وبعد أكثر من شهرين من التحقيق، لم يُستجوب أي وزير، سابق أو حاليّ، كمشتبه به، واستمع المحقق العدلي إلى إفادات وزراء حاليين وسابقين بصفتهم "شهود" في قضايا ضدّ موظفي المرفأ وغيرهم من الموظفين الإداريين.
ادعاء
في 10 ديسمبر/كانون الأول 2020، ادعى المحقق العدلي القاضي فادي صوان بجرم الإهمال والتقصير والتسبب بوفاة وإيذاء مئات الأشخاص، ضد رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب وهو لا يزال يمارس مهامه في السراي، وضد ثلاثة وزراء سابقين.
اثنان من الوزراء الثلاثة من "حركة أمل" ومن المقربين من رئيس مجلس النواب نبيه بري؛ وهما وزير المال السابق علي حسن خليل ووزير الأشغال السابق غازي زعيتر، وتم الادعاء أيضاً على وزير الأشغال السابق يوسف فنيانوس المقرب من رئيس تيار "المردة" سليمان فرنجية وصلة الوصل بينه وبين حزب الله، وحدد سريعاً مواعيد جلسات استجوابهم كمدعى عليهم.
الاّ أن ادعاء صوان لم يمر، حيث واجه حملة سياسية كبيرة، برفض رؤساء الحكومة السابقين الادعاء على دياب، وأدرجوا الأمر في إطار الاتهام السياسي.
فيما رد مجلس النواب اللبناني طلب صوان باعتباره مخالفا للقانون، ومن بعدها علّق المحقق العدلي تحقيقاته لمدة شهرين بعد أن تقدّم كل من زعيتر وخليل بمذكرة أمام النيابة العامة التمييزية طلبا فيها نقل الدعوى إلى قاض آخر، بعدما اتهما صوان بخرق الدستور.
وفي 18 فبراير/شباط الماضي، كفّت محكمة التمييز الجزائية في لبنان يد المحقق العدلي القاضي فادي صوان عن التحقيقات في قضية انفجار المرفأ.
وبعد يومين، عين مجلس القضاء الأعلى اللبناني القاضي طارق البيطار محققا عدليا في قضية انفجار "مرفأ بيروت" خلفا لفادي صوان.
ومنذ استلامه الملف، أكد البيطار أنه سيعمل بهدوء على إنهائه، ووعد أهالي الضحايا بالوصول إلى الحقيقة كاملة في اقصر فترة ممكنة.
رفع الحصانات
في 2 يوليو/تموز الماضي، وجه بيطار كتاباً إلى مجلس النواب بواسطة النيابة العامة التمييزية، طلب فيه رفع الحصانة النيابية عن كل من وزير المال السابق علي حسن خليل، ووزير الأشغال السابق غازي زعيتر، ووزير الداخلية السابق نهاد المشنوق، تمهيداً للادعاء عليهم وملاحقتهم.
كما وجه كتابين: الأول إلى نقابة المحامين في بيروت لإعطاء الإذن بملاحقة خليل وزعيتر كونهما محاميين، والثاني إلى نقابة المحامين في طرابلس (شمال)، لإعطاء الاذن بملاحقة وزير الأشغال السابق المحامي يوسف فنيانوس، وذلك للشروع باستجواب هؤلاء جميعاً بجناية القصد الاحتمالي لجريمة القتل وجنحة الإهمال والتقصير.
وفي السياق نفسه، طلب المحقق العدلي من رئاسة الحكومة إعطاء الإذن لاستجواب قائد جهاز أمن الدولة اللواء طوني صليبا كمدعى عليه، كما طلب الإذن من وزير الداخلية في حكومة تصريف الأعمال العميد محمد فهمي، للادعاء على المدير العام لجهاز الأمن العام اللواء عباس إبراهيم وملاحقته.
كما وجه القاضي بيطار كتاباً إلى النيابة العامة التمييزية بحسب الصلاحية، طلب فيه إجراء المقتضى القانوني في حق قضاة لم يعلن عن أسمائهم وكان لهم الدور في إصدار قرارات قضائية بالحجز على الباخرة التي نقلت نيترات الأمونيوم إلى مرفأ بيروت، وبالحجز على الكمية التي كانت تنقلها وتفريغها ونقلها إلى العنبر رقم 12 من دون التجاوب مع طلبات إعادة إخراجها من المرفأ رغم التقارير التي حذرت من خطورتها.
وشملت قائمة الملاحقات قادة عسكريين وأمنيين سابقين، إذ ادّعى بيطار أيضاً على قائد الجيش السابق العماد جان قهوجي، ومدير المخابرات السابق في الجيش العميد كميل ضاهر، والعميد السابق في مخابرات الجيش غسان غرز الدين، إضافة إلى العميد السابق في المخابرات جودت عويدات. وحدّد المحقق العدلي مواعيد لاستجواب هؤلاء بشكل دوري.
عراقيل وحزب الله
ما إن سلكت كتب بيطار طريقها حتى رفعت العراقيل في وجهه، فقد رفض وزير الداخلية محمد فهمي إعطاء الإذن لملاحقة اللواء ابراهيم، فيما تخلى رئيس الحكومة عن وصايته عن مدير عام أمن الدولة ووضعها بتصرف المجلس الأعلى للدفاع في ظل توفر حماية سياسية من الرئيس اللبناني للضابط.
أما مجلس النواب اللبناني، فاعتمد طريق المماطلة وطلب من بيطار أدلة إضافية لرفع الحصانة عن النواب، ليعود بعدها ويطلق عريضة نيابية تطالب بسحب القضية من القضاء العادي وحصرها بالمجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء.
هذا بالإضافة إلى حملة سياسية شنها حزب الله على المحقق العدلي، حيث زعم الأمين العام للحزب حسن نصر الله أن القاضي مسيس ولا يسعى للوصول إلى الحقيقة التي لا تزال بعيدة.
عوائق لم تثن بيطار عن إكمال مهمته الذي رفض تزويد البرلمان بمستندات وأدلة إضافية قبل اتّخاذ المجلس قرارا برفع الحصانة، إضافة إلى تكرار طلبه باستدعاء مدراء الأجهزة الأمنية، ولكن حتى اللحظة لم يتحقق أي تقدم بظل التمسك بالحصانات.
والأسبوع الماضي، برز تطور يكمن في كشف مكتب التحقيقات الفيدرالي الأمريكي "إف.بي.آي"، أن كمية نيترات الأمونيوم التي انفجرت في مرفأ بيروت العام الماضي، لم تكن أكثر من 20% من إجمالي الشحنة التي تم تفريغها عام 2013.
ويقدر التقرير أن "نحو 552 طنا فقط من نيترات الأمونيوم انفجرت في ذلك اليوم وهي كمية أقل بكثير من الشحنة الأصلية التي تزن 2754 طنا، ووصلت إلى المرفأ عام 2013".
تقدم وانتظار
في هذا السياق، يقول المحلل السياسي والصحفي المتخصص بالشأن القضائي يوسف دياب، إن التحقيقات أصبحت في مرحلة متقدمة جداً.
ونقل عن مصادر مقربة من القاضي بيطار قولها إن الأخير "اجتاز نحو 70 بالمئة من مرحلة التحقيق ولو سهلت له عمليات استجواب النواب والقادة الأمنيين المدعى عليهم لكان شارف على الانتهاء من التحقيق أقله بشقه الداخلي".
وأضاف دياب، في حديث لـ"العين الإخبارية": "ما حسمه حتى الآن المحقق العدلي هو موضوع التقصير والإهمال من الجانب اللبناني، والأشخاص الذين كانوا على علم بموضوع النيترات وكيف نزلت في مرفأ بيروت ومن تقاعس عن إزالتها ولماذا".
وتابع: "يبقى هناك الشق الخارجي المتعلق بالتحقيقات، والقاضي ينتظر الإجابة على إنابات قضائية أرسلها إلى الخارج تتعلق بأشخاص يقال إنهم يديرون الشركات التي اشترت النيترات، والشركات الوهمية التي دخلت على الخط في هذه الصفقة، ودور رجال الأعمال الذين يملكون شركات وهمية مسجلة في المملكة المتحدة".
واستدرك دياب بالقول إن للقاضي أجوبة مهمة جداً بخصوص هذا الموضوع، لكنه لا يزال ينتظر إجابات من الخارج.
ووفق الخبير، فإن العديد من الدول لم تزود التحقيق بعد بصور للأقمار الاصطناعية من أجل استبعاد أو حسم مسألة استهداف المرفأ بصاروخ أو من طائرة حربية"، كاشفاً عن تقرير فرنسي سيتسلمه القاضي في سبتمبر/ أيلول المقبل ممكن أن يجيب عن هذا الشق".
وحول تعرض القاضي بيطار إلى ضغوط سياسية، قال دياب إنه بمجرد رفض رفع الحصانات وعدم إعطاء الأذونات هي بحد ذاتها تدخل سياسي ويعيق التحقيق.
أما عن دور "حزب الله" في قضية النيترات، اعتبر أن "بقاء مواد لمدة 7 سنوات في المرفأ رغم معرفة جميع السياسيين والإداريين والأجهزة الأمنية والقضاة بخطورة هذه المواد ولم يحرك أحد ساكناً، يعني أن هناك قوة أكبر من الدولة منعت إزالتها".
ولفت إلى وجود حديث عن نقل تلك الشحنات إلى سوريا، متسائلا عن الجهة التي بإمكانها القيام بهذا العمل وتملك القدرة على الدخول والخروج براحة، متمنياً أن يكون لدى المحقق العدلي إجابات واضحة عن هذا الموضوع.
aXA6IDMuMjIuNzAuMTY5IA== جزيرة ام اند امز