دلالات إعلان البيان تحدد معالم الرؤية الأمريكية بعد نضوج موقفها، وانقشاع الضبابية في رؤية المشهد الليبي.
في قراءة أولى لبيان البيت الأبيض حول المكالمة الهاتفية التي أجراها رئيس الولايات المتحدة دونالد ترامب مع القائد العام للجيش الليبي المشير خليفة حفتر، فإن بيان البيت الأبيض جاء بعد حدوث المكالمة بأيام قليلة، وكان إعلانه عن تفاصيل المكالمة عشية التوافق الأمريكي-الروسي على رفض قرار تقدمت به ألمانيا وبريطانيا لإيقاف وعرقلة الجيش الليبي عن تقدمه لتحرير العاصمة من مليشيات تنظيم «الإخوان»، والعصابات الإجرامية المتحالفة معه.
بيان البيت الأبيض حول مكالمة الرئيس ترامب للمشير حفتر، ودعمه للجيش والمشير في الحرب على الإرهاب، عقب موقف التوافق مع الموقف الروسي في مجلس الأمن، يؤكدان تبلور رؤية واضحة للإدارة الأمريكية حول ليبيا
دلالات التوقيت في إعلان البيان، والألفاظ والصفات للمتحدثين، تحددان معالم الرؤية الأمريكية، ووصف المشير حفتر بقائد الجيش، والثناء على دوره في مكافحة الإرهاب، جميعها نقاط لا يمكن إغفالها، بعد نضوج الموقف الأمريكي، وانقشاع الضبابية في رؤية المشهد الليبي.
البيان الذي جاء فيه أن «السيدين ترامب وحفتر ناقشا، يوم الإثنين الماضي، الجهود المستمرة لمكافحة الإرهاب، والحاجة إلى تحقيق السلام والاستقرار في ليبيا، والسيد ترامب اعترف بجهود السيد حفتر في مكافحة الإرهاب وتأمين موارد ليبيا النفطية، وناقش الاثنان رؤية مشتركة لانتقال ليبيا إلى نظام سياسي مستقر وديمقراطي».
الموقف الأمريكي جاء في بيان صادر عن البيت الأبيض، وليس في تغريدة للرئيس ترامب، كالعادة، مما يؤكد أنه موقف متناغم مع جميع أركان الإدارة الأمريكية، وهو اعتراف صريح وقراءة عميقة نتج عنها تبلور لموقف أمريكي واضح من المشير حفتر والجيش الليبي. الموقف الأمريكي السابق أغرقته أكاذيب تنظيم «الإخوان» والنظام القطري في مستنقع ضحل، في محاولات بائسة لتضليل الموقف الأمريكي والموقف الدولي.
ولعلّ ما نشرته صحيفة «وول ستريت جورنال» عن موقف وزير الدفاع الأمريكي أكد هو الآخر، الموقف من تأييد المشير حفتر، وفي تعليق آخر على المكالمة الهاتفية بين الرئيس ترامب والمشير حفتر، قال فريدريك وهري الخبير في مؤسسة كارنيجي للسلام: «إن هذا الاتصال امتياز كبير لحفتر؛ فهو وللمرة الأولى لديه هذا التأييد الشخصي الذي يرفع من مكانته، ليضعه في اتصال مباشر مع أقوى زعيم في العالم».
الموقف الروسي كان واضحاً منذ البداية، ولكن المفاجأة كانت في الموقف الأمريكي، الذي انضم إلى الموقف الروسي في أول توافق لهما في مجلس الأمن، منذ تاريخ طويل، الأمر الذي لا يمكن القفز عليه دون قراءة جيدة متأنية.
الموقف البريطاني ليس بمستغرَب، فبريطانيا تُؤوي عناصر وقادة تنظيم «الإخوان» الفارين والمطارَدين بقضايا في بلدانهم، عبر سنين، ولا تزال الحكومة البريطانية لم تبيِّن موقفها في مسألة تصنيف التنظيم «جماعة إرهابية»، وهي تحت مبررات وقف العمل العسكري، وضرورة إعطاء فرصة للحل السياسي، دخلت من تلك النافذة إلى ألمانيا.
لم تفلح بريطانيا في تمرير ورقتها على الرغم من تعديل ثالث في مجلس الأمن، حيث اعترضت روسيا والولايات المتحدة على مشروع البيان البريطاني حول ليبيا في الجلسة المغلقة التي دعت لها ألمانيا بصفتها الرئيس الدوري لمجلس الأمن هذا الشهر، وهو توافق يحدث لأول مرة بين روسيا والولايات المتحدة.
بيان البيت الأبيض حول مكالمة الرئيس ترامب للمشير حفتر، ودعمه للجيش والمشير في الحرب على الإرهاب، عقب موقف التوافق مع الموقف الروسي في مجلس الأمن، يؤكدان تبلور رؤية واضحة للإدارة الأمريكية حول ليبيا، ستشهد منعطفاً كبيراً، سيدفع كثيرين إلى القفز من مركب حكومة السراج الغارق في مستنقع المليشيات والتنظيمات الإرهابية، التي حولته لمجرد «كومبارس» وواجهة سياسية لها، خصوصاً بعد مجاهرة مطلوبين دوليين في قضايا إرهاب وجريمة منظّمة، وأسماؤهم معروفة، وظهور مَن ينتمي للتنظيمات الإرهابية كـ«أنصار الشريعة»، التي لا تخفي ولاءها لـ«داعش».
مكالمة ترامب للمشير، التي دعم فيها مكافحة الجيش الليبي للإرهاب، ودور المشير في حماية حقول النفط، بحثت أيضاً الرؤية المشتركة لانتقال ليبيا إلى نظام سياسي ديمقراطي.
نقلاً عن "الشرق الأوسط"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة