ليفربول ومانشستر يونايتد.. رحلة استعادة الكبرياء من كلوب إلى تين هاج
يقود الهولندي إيريك تين هاج مدرب مانشستر يونايتد حملة إعادة هيبة الشياطين الحمر في الموسم الحالي 2022-2023 إلى منصات التتويج من جديد.
وتتشابه عملية استعادة الذات التي يقوم بها المدرب تين هاج في مانشستر يونايتد هذا الموسم مع ما سبق للألماني يورجن كلوب، مدرب ليفربول، القيام به عند بداية توليه المسؤولية الفنية للريدز في 2015.
ونجح كلوب في رحلة تصل إلى عامها الثامن في أنفيلد رود في إعادة ليفربول إلى مصاف فرق المستوى الأول في أوروبا وإنجلتراـ فتوج في 2020 بالدوري الإنجليزي الممتاز (بريميرليج) لأول مرة منذ 30 عاما، وقبلها في 2019 بدوري أبطال أوروبا للمرة الأولى منذ 2005، بجانب 5 ألقاب أخرى خلال الفترة ذاتها.
لكن إذا كان كلوب احتاج 4 سنوات لتحقيق لقبه الأول مع الريدز (من 2015 إلى 2019)، فإن تين هاج حقق أولى بطولاته في مانشستر يونايتد بعد 9 أشهر فقط من تعيينه، وذلك يوم الأحد على حساب نيوكاسل يونايتد.
"العين الرياضية" تلقي الضوء على رحلة تحول ليفربول ومانشستر يونايتد في عهدي المدربين الألماني والهولندي.
التعاقدات
لم يحتج تين هاج إلى إبرام كمية كبيرة من التعاقدات على مدار سنوات كالتي تعاقد معها كلوب في ليفربول واختارها بهوادة وعناية، لكن هذا لا يمنع تعاقد يونايتد مع مجموعة لاعبين مهمين في صيف 2022 لتدعيم الخطوط ودعم فكر المدرب.
إلا أنه كان طبيعياً آلا ينفق مانشستر يونايتد مثلما أنفق ليفربول على مدار سنوات، لأن إدارة الشياطين الحمر تنفق بشكل دائم طوال الوقت.
وتعاقد مانشستر يونايتد في موسم تين هاج الأول مع البرازيلي كاسيميرو نجم وسط ريال مدريد، ومواطنه أنتوني موهوب أياكس أمستردام الهولندي الذي كان بطل التأهل لثمن نهائي الدوري الأوروبي بهدف في شباك برشلونة الإسباني، وضم النادي كذلك كريستين إريكسين وأليساندرو مارتينيز وتيريل مالاسيا.
ضم تين هاج لصفوف مانشستر يونايتد لاعبين يناسبون طريقة تفكيره واستبعد غير المناسبين أو مسببي المشاكل وعلى رأسهم الأسطورة البرتغالي كريستيانو رونالدو، الذي لم يتحمل الجلوس بديلاً لأول مرة في مشواره الكروي.
يشتبه الأمر في قصة رونالدو وتين هاج مع وضعية أخرى في ليفربول وقت قدوم كلوب وكانت لستيفن جيرارد، لكن ما جعل الأمور تمر بسلام أن لاعب إنجلترا السابق ترك أنفيلد رود في صيف 2015 قبل قدوم كلوب من الأساس.
يورجن كلوب أعاد بناء ليفربول من الصفر، فضم المهاجمين ساديو ماني في 2016 من ساوثهامبتون، ومحمد صلاح في 2017 من روما.
بالإضافة لذلك قام المدرب بعدة تدعيمات للدفاع والوسط وحراسة المرمى على مدار سنوات، بضم فيرجيل فان دايك والحارس أليسون بيكر ونابي كيتا وتياجو ألكانتارا، وتصعيد نجوم شباب من أمثال ترينت ألكسندر أرنولد، وضم لاعبين آخرين مثل أندي روبرتسون.
الشخصية القوية والصدوقة
لا يمكن التغافل عن شخصية تين هاج القوية التي كان لها الدور الأكبر في إعادة الالتزام والانضباط إلى غرفة خلع ملابس أولد ترافورد، وهو وجه من أوجه الاختلاف بينه وبين يورجن كلوب.
ويمتلك يورجن كلوب لاعبيه بعلاقة صداقة ودودة، وهي علاقة لا تعني على الإطلاق ضعفا في الشخصية أو غيابا للالتزام، لكنها في النهاية مدرسة مختلفة في التعامل.
فعلى سبيل المثال، سمح يورجن كلوب للاعب مثل ساديو ماني بالانفعال أثناء خروجه من إحدى المباريات ضد زميله، وتحمل نقاشات تجديد التعاقد بين صلاح وإدارة النادي وما كان لها من دور في التأثير على الفريق وفي شعور الفرعون بالغضب.
ولا يتحدث المدرب الألماني بشكل سلبي لوسائل الإعلام عن لاعبيه، أما تين هاج فهو يقر النظام ويطبقه على الجميع ويعاقب لاعبيه بشكل قاس، مثلما حدث بعد الخسارة 0-4 أمام برينتفورد في الجولة الثانية من الدوري.
واجبر الهولندي لاعباً مثل كريستيانو رونالدو على التدريب في درجة حرارة تتجاوز الـ32 درجة مئوية في الثالثة عصراً، في ثاني يوم للهزيمة المذلة، وخضع الجميع للتعليمات.
على الجانب الآخر، استرضى كلوب بكل الطرق البرازيلي فيليبي كوتينيو كي يبقى في النادي، لكن اللاعب لم يرضخ وقرر الرحيل، فأكد المدرب أنه ليس بوسعه شيء ولن يستطيع إجبار أحد على البقاء.
اختلاف الطموحات والضغط
هناك عنصر مختلف بين ليفربول ومانشستر يونايتد، فبالنسبة للأول فإن النادي لم يكن مطالباً بالتتويج بالبطولات منذ اللحظة الأولى، لأن نوعية اللاعبين التي كانت موجودة تختلف عن نظيرتها في أولد ترافورد مع تين هاج.
لكن بالنظر إلى مردود كلوب في موسمه الأول مع ليفربول سنجد أنه تأهل لنهائي الدوري الأوروبي "يوربا ليج" وكان قريباً للغاية من التتويج باللقب.
وقبلها خسر كلوب نهائي كأس رابطة المحترفين بركلات الترجيح 1-3 أمام مانشستر سيتي في نهاية فبراير/ شباط 2016، لكن الفريق احتل المركز الثامن في الدوري الإنجليزي.
كلوب كان قادماً من فلسفة مشابهة للريدز في بروسيا دورتموند الألأماني، وهو فريق لم يكن قادرا على مناطحة الكبار بالصفقات محلياً وأوروبياً، لكن كان يمكنه مضايقتهم بشكل مستمر في بطولات الكأس، وقد عانى من هذه المضايقات في عصر كلوب بألمانيا بايرن ميونخ وريال مدريد وآخرون.
أما تين هاج فكان قادما من فلسفة أخرى وهي قيادة الفريق الأول في بلده أياكس أمستردام والهيمنة على البطولات المحلية بشكل تام، ومن ثم فهو متمرس على التتويج بالألقاب حتى لو على مستوى أقل.
تين هاج قاد فريقا مثل أياكس إلى نصف نهائي دوري أبطال أوروبا مقصياً ريال مدريد ويوفنتوس، ومن ثم فيحق له الحلم بالمزيد حين يقود مجموعة مانشستر يونايتد الحالية.
استكشاف المواهب
يتشارك كلوب مع تين هاج في ميزة مهمة وضرورية تمنحهما استثناء في قائمة أفضل المدربين في العالم وهي القدرة على استكشاف المواهب.
قبل يورجن كلوب وتين هاج لم يكن لاعبون من أمثال محمد صلاح وساديو ماني وفيرجيل فان دايك وأنتوني وفرينكي دي يونج وماتياس دي ليخت نجوماً.
لكن عبر الالتزام بأساليب تكتيكية معينة وطريقة عمل منضبطة وعبر منح فرص للظهور الفني والتألق تحولت هذه الأسماء إلى مجموعة من أنجح وأفضل اللاعبين في العالم.
فلسفة كلوب وتين هاج
يمتلك يورجن كلوب مدرب الريدز فلسفة استثنائية وخاصة في النجاح تجعله دوماً لديه القدرة على تحقيق المزيد دون أن يتأثر بالسابق.
من أهم أقوال كلوب في هذا الصدد: "الأغبياء فقط هم من يتغيرون بالنجاح"، ويضيف: "لو أردت النجاح في المستقبل فعليك أن تبدأ العمل من الآن".
أما أهم ما ميز شخصية كلوب فهو حين قال: "أحب معرفة البشر، والتحدث معهم"، وهي الطريقة التي يكسب بها لاعبيه.
يقول ساديو ماني عن كلوب: "هو مثل أب في غرفة خلع الملابس"، بينما يؤكد فان دايك أن التواصل مع الألماني كان له دور كبير في تطوره.
على الجانب الآخر، يشدد ماركوس راشفورد على طبيعة خاصة في مدربه الهولندي أنه لا يسمح بأي نوع من التراخي في أي وقت من المباراة مهما كانت النتيجة.
يرفض المدرب الهولندي استقبال الأهداف حتى لو كان الفارق 4 أو 5 لفريقه، وقد ظهر ذلك جيداً خلال مباريات الفريق التحضيرية قبل انطلاق الموسم وردود أفعاله العصبية في مباريات ودية.
وكي تين هاج يؤكد على ضرورة التزام لاعبيه بالتعليمات والواجبات، ويشرح لهم ما يريده مرتين واحدة خلال الاجتماع الجماعي وأخرى بشكل فردي، وهو ما كشفه ستيفن بورجيس الذي عمل معه في أياكس.
دوسان تاديتش لاعب أياكس الذي انضم إلى أمستردام في عهد تين هاج يصف المدرب الحالي ليونايتد بأحد أفضل المدربين في العالم بلا شك، مضيفا: "لديه هوس دائم بكرة القدم ويفكر بها طوال الوقت، وبهذا الأسلوب صنع أياكس، لديه دوماً الحل لأي مشكلة يسببها الخصم".
لكن أكثر ما يميز المدرب الهولندي هو قدرته على التحدث مع لاعبيه تكتيكياً وفنياً ثم خلق روح واحدة منسجمة على أرض الملعب تخلق عبر التعليمات والأمور الفنية أكثر مما تخلق عبر العلاقة الإنسانية التي تميز كلوب في ليفربول وقبلها دورتموند.
ويتسبب هذا الأمر، المرتكز كثيراً على الأمور الفنية أكثر من الشخصية، في استمرارية النجاح لوقت أطول وهو ما يتفوق فيه الهولندي.
aXA6IDE4LjE4OC4yMjcuNjQg جزيرة ام اند امز