حرب السكك الحديدية في أفريقيا.. أمريكا تدخل المعركة بسلاح جديد
في الوقت الذي تسهم به التوترات الجيوسياسية بشأن إثارة التدافع العالمي على المعادن الحيوية.
تلك المواد الخام التي تدعم أنظمة الدفاع المتقدمة وتقنيات الطاقة النظيفة، فإن الولايات المتحدة والصين تتسابقان لتوسيع نفوذهما على سوق المعادن في أفريقيا في الوقت نفسه.
وتقول "فورين بوليسي" في تقرير جديد، إن الطائرات المقاتلة من طراز F-35 وبطاريات السيارات الكهربائية وتوربينات الرياح في العالم تعتمد على معادن مهمة، بما في ذلك العناصر الأرضية النادرة والكوبالت والليثيوم، هذه المعادن تتاح بوفرة في أفريقيا.
والمشكلة التي يواجهها صناع السياسات في الولايات المتحدة هي أن الصين تهيمن بشكل كبير على تكرير ومعالجة هذه المواد على مستوى العالم.
بالإضافة لكون بكين قضت أكثر من عقد من الزمن في تعميق العلاقات وإبرام اتفاقيات البنية التحتية مع الشركاء الأفارقة، مما منحها دفعة كبيرة في السباق العالمي للحصول على هذه الموارد متفوقة بخطوات على حساب الولايات المتحدة.
تكثيف الجهود للحاق بالصين
وبسبب قلقها بشأن نقاط الضعف الاستراتيجية، تعمل واشنطن الآن على تكثيف الجهود للحصول على حصة من قطاع المعادن الحيوي للحاق بالصين.
وتقول "فورين بوليسي" إنه في واحدة من أكثر منح البنية التحتية الأمريكية طموحًا في أفريقيا حتى الآن، تعهدت إدارة بايدن بإقراض مئات الملايين من الدولارات من أجل إحياء ممر لوبيتو، وهو خط سكة حديد يبلغ طوله 1200 ميل من شأنه أن ينقل المعادن الحيوية من جمهورية الكونغو الديمقراطية وأفريقيا، مرورا بزامبيا ووصلا إلى الساحل الأنجولي.
وتعد جمهورية الكونغو الديمقراطية موطنا لأكبر احتياطيات الكوبالت في العالم، في حين أن زامبيا غنية بالنحاس.
وفي تقريرها نقلت "فورين بوليسي" تصريحات لكاميرون هدسون، المحلل في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، قال بها إن "ممر لوبيتو هو في الحقيقة مبادرة تضاهي قواعد اللعبة التي تمارسها بكين الآن بالفعل". وأضاف "إنه فصل في مبادرة الحزام والطريق التي أعتقد أن واشنطن قد تعلمت منها أخيرًا بذكاء."
وبالبناء على الاستثمارات السابقة في مبادرة الحزام والطريق، المعروفة بكونها مبادرة الرئيس الصيني شي جين بينغ الرائدة في السياسة الخارجية، أنفقت الصين خلال العقدين الماضيين ما لا يقل عن 170 مليار دولار في بناء الموانئ والسكك الحديدية وغير ذلك من مشاريع البنية التحتية الضخمة في جميع أنحاء أفريقيا.
وحتى عندما خضعت هذه الاستثمارات للتدقيق، فقد سمحت أيضًا لبكين والشركات الصينية بتطوير شراكات طويلة الأمد بشأن المعادن المهمة، وهي نفس الموارد التي ظهرت، في السنوات التي تلت ذلك، كنقطة دافعة للاشتعالات الجيوسياسية المركزية.
حرص أمريكي على المنافسة
وأوضحت "فورين بوليسي"، أن إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن ربما تكون حريصة على المنافسة مما تقدمه من منح، لكن خبراء يقولون إنها لاتزال في بداية طريق سيكون على الأرجح طويلا أمامها.
وبعيدًا عن مسألة ما إذا كانت واشنطن قادرة فعليًا على الوفاء بتعهداتها، فإنها تواجه أيضًا التحديات التي تلوح في الأفق المتمثلة في جذب الاستثمارات الخاصة ومراعاة المخاوف المتعلقة بالمخاطر السياسية.
وتابع كاميرون هدسون تصريحاته فيما يخص هذه النقطة بقوله "لقد ركزت واشنطن بالفعل على هذا المشروع الاستثماري، لكنها لم تنشئ بعد بوصة واحدة من السكك الحديدية"، وأضاف "يجب علينا جميعا أن نتوقع أن يكون هناك منحنى تعليمي جدي."
وذكرت "فورين بوليسي"، أن ممر "لوبيتو" يعد رمزًا لطموحات واشنطن الأوسع نطاقًا لإزالة المخاطر في العلاقات مع الصين وسط مخاوف متزايدة بشأن هيمنتها على سلسلة توريد المعادن.
وتأتي هذه الدفعة في أعقاب سلسلة طويلة من التشريعات التي تهدف إلى تعزيز الصناعة المحلية في الولايات المتحدة، ولعل أبرزها قانون خفض التضخم الشامل الذي أصدرته إدارة بايدن، والذي يهدف إلى تسريع تطوير صناعة السيارات الكهربائية الأمريكية.
وخارج نطاق قانون الحد من التضخم، حاولت واشنطن تعزيز أمن سلسلة التوريد من خلال تعزيز العلاقات مع شركائها وأصدقائها من الدول، بما في ذلك أستراليا وكندا واليابان وكوريا الجنوبية والمملكة المتحدة، من خلال شراكة أمن المعادن.
حيث إنه في الشهر الماضي، قدم مجموعة من المشرعين من الحزبين الجمهوري والديمقراطي في مجلس الشيوخ الأمريكي قانون أمن المعادن الحرجة، وهو التشريع الذي تمت صياغته لمساعدة واشنطن على تقليل اعتمادها على بكين.
وقال السيناتور أنجوس كينج، الذي قدم مشروع القانون، إن القانون "من شأنه أن يساعدنا على فهم سلاسل التوريد المعقدة هذه بشكل أفضل حتى نتمكن من تأمين وصول الولايات المتحدة إلى المعادن الحيوية ومواجهة الهيمنة الصينية".
وتابع السيناتور بقوله "إن أي اعتماد مستمر على الصين، وغيرها من القوى الفاعلة السيئة، للحصول على هذه الموارد أمر خطير للغاية."
وقال سي. جيرود نيما بيامونغو، الخبير في العلاقات الصينية الإفريقية في مشروع الجنوب العالمي الصيني في تصريحات لفورين بوليسي، "إن كل هذه المبادرات جزء من استراتيجية الولايات المتحدة لبناء سلسلة توريد المعادن الحيوية الخاصة بها بعيدا عن الصين".
ويُعد ممر لوبيتو الذي يبلغ عمره 122 عامًا إحدى أحدث الركائز في تلك الاستراتيجية.
وفي حين قامت بلجيكا والبرتغال ببناء أساسات خط السكة الحديد بهذا الممر قبل أكثر من قرن من الزمان، فقد دمرت البنية التحتية خلال الحرب الأهلية الأنجولية، وفي عام 2004، ضخت الشركات الصينية ما لا يقل عن ملياري دولار لتجديد الممر.
ولكن في عام 2022، فاز تجمع شركات مدعوم من الولايات المتحدة بحقوق تطوير خط السكة الحديد، متغلبًا على عرض بكين.
تكثيف السياسات لضمان النجاح
وحرصا على ضمان نجاح المشروع، كثف كبار المسؤولين الأمريكيين دبلوماسيتهم في المنطقة وفق "فورين بوليسي"، بما في ذلك من خلال التوقيع على مذكرة تفاهم مع أنغولا، وجمهورية الكونغو الديمقراطية، وزامبيا، والاتحاد الأوروبي.
وكان استضاف بايدن الرئيس الأنغولي جواو لورينسو في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، في حين جعل وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن من أنغولا محطة رئيسية في جولته الأفريقية في يناير/كانون الثاني.
وفي وقت سابق من هذا الشهر، التقى أيضًا عاموس هوشستين، المنسق الرئاسي الخاص لبايدن للبنية التحتية العالمية وأمن الطاقة، مع الرئيس الزامبي هاكايندي هيشيليما وسامايالا زوبيرو، الرئيس والمدير التنفيذي لمؤسسة التمويل الأفريقية، لمناقشة ممر لوبيتو.
وقال بلينكن في يناير/كانون الثاني، "لقد أتيحت لي الفرصة اليوم لرؤية بعض التقدم الكبير الذي تم إحرازه بالفعل في بناء هذا الممر"، وأضاف "إنها تتحرك بشكل أسرع وأبعد من ذلك، أعتقد أننا ربما كنا نتخيل ذلك."
ومن الممكن أن توفر المنافسة المتزايدة ودخول أطراف جدد لهذه المنافسة نفوذا أكبر للحكومات الأفريقية، في إبرام الصفقات والشراكات المستقبلية.
وقال بيامونغو من مشروع جنوب الصين العالمي إن أنغولا، على سبيل المثال، كانت "أكثر ترحيبا بالمستثمرين الأمريكيين والأوروبيين في هذا المجال، حيث أرادت موازنة المخاطر تجاه التعامل المفرط للصين".
ولكن مع ارتفاع الطلب على هذه المعادن، فإن العديد من الدول الأفريقية حريصة أيضًا على بناء صناعاتها الخاصة والمطالبة بحصة أكبر في السوق العالمية.