أخطر من سرقة الموناليزا.. تحقيقات مكثفة بعد سرقة مجوهرات التاج من متحف اللوفر
اعتبر المؤرخ الفرنسي البارز إيريك أنسو أن حادثة السرقة التي هزّت متحف اللوفر، ودوّت كالصاعقة داخل فرنسا وخارجها، أخطر من سرقة لوحة "الموناليزا" الشهيرة عام 1911.
في واحدة من أكثر الجرائم الثقافية جرأة في التاريخ الفرنسي الحديث، شهد متحف اللوفر في باريس، الأحد الماضي، عملية سرقة مذهلة، تم خلالها الاستيلاء على ثماني قطع من مجوهرات التاج الفرنسي، من بينها بروش مرصّع بالأحجار الكريمة كانت ترتديه الإمبراطورة أوجيني، زوجة نابوليون الثالث، بين عامي 1853 و1870.
خسارة لا تُقدّر بثمن
قال إيريك أنسو، أستاذ التاريخ المعاصر في جامعة لورين والمتخصص في تاريخ فرنسا وأوروبا خلال القرن التاسع عشر: "هذه السرقة تمثل صدمة عميقة، ليس فقط لفرنسا، بل للعالم بأسره، تمامًا كما حدث بعد حريق كاتدرائية نوتردام عام 2019. إلا أن الفرق هنا أن تلك الكارثة أدت إلى تعبئة وطنية لإعادة البناء، أما ما سُرق الآن فقد يكون ضاع إلى الأبد".
وأضاف أنسو، خلال مقابلة مع صحيفة "لوموند" الفرنسية، أن متحف اللوفر شهد خلال تاريخه الطويل عددًا من حوادث السرقة، إلا أن ما جرى هذه المرة «يجمع بين الجسارة والدقة والخطورة الرمزية».
وأوضح قائلًا: "حتى سرقة الموناليزا عام 1911 لا تضاهي هذا الحدث من حيث الأثر التاريخي والمعنوي، لأن اللوحة الشهيرة لم تكن آنذاك تملك الشهرة العالمية التي نعرفها اليوم، كما أنها استُعيدت بعد عامين فقط، في حين القطع المسروقة الآن تمثل رمزًا مباشرًا للهوية الوطنية والتراث الملكي الفرنسي".

مجوهرات التاج.. ذاكرة فرنسا المفقودة
القطع الثماني التي تم الاستيلاء عليها تمثل جزءًا من مجوهرات التاج الفرنسي التي تعود إلى القرن التاسع عشر، وتُعد من أبرز مقتنيات اللوفر التاريخية. وتشمل المجموعة خواتم وتيجان ودبابيس كانت تزيّن شخصيات ملكية وإمبراطورية، من بينها الإمبراطورة أوجيني، آخر إمبراطورة في فرنسا.
ويُعتقد أن اللصوص تمكنوا من تجاوز أنظمة المراقبة المتطورة في المتحف، وهو ما يثير تساؤلات عديدة حول الثغرات الأمنية في المؤسسة الثقافية الأشهر في العالم.
اعتداء على الذاكرة الوطنية
ويرى أنسو أن هذه الجريمة «ليست مجرد فقدان لمقتنيات فنية»، بل «ضربة قاسية لذاكرة فرنسا وتاريخها الإمبراطوري»، مضيفًا: "هذه الجواهر لم تكن مجرد أحجار ثمينة، بل شواهد حية على عصور من التاريخ الفرنسي. سرقتها تعني تمزيق صفحات من الذاكرة الوطنية يصعب تعويضها".
كما أشار إلى أن الخسارة لا تُقاس فقط من الناحية المادية، بل الرمزية أيضًا، إذ تُعد هذه القطع صلة وصل بين الماضي الإمبراطوري وفرنسا الحديثة، وتجسد مكانة باريس كمركز للثقافة والفن العالمي.

تحقيقات مكثفة وغموض يلف الحادثة
أعلنت السلطات الفرنسية عن فتح تحقيق واسع النطاق، بمشاركة وحدات متخصصة في مكافحة الجرائم الفنية، بالتعاون مع الإنتربول. وتشير المعلومات الأولية إلى أن العملية تمت في وقت مبكر من صباح الأحد، وأن اللصوص تمكنوا من مغادرة المكان قبل اكتشاف السرقة بساعات.
واكتفت إدارة متحف اللوفر، في بيان مقتضب، بالتأكيد على «العمل الوثيق مع الشرطة لاستعادة القطع المسروقة»، دون الكشف عن تفاصيل إضافية، فيما عبّر الرئيس الفرنسي عن «حزنه العميق»، واصفًا السرقة بأنها «اعتداء على روح الأمة».
بين الموناليزا ومجوهرات التاج.. وجهان لفقدان الهوية
تُعيد هذه السرقة إلى الأذهان حادثة سرقة لوحة الموناليزا عام 1911، التي تحولت فيما بعد إلى أسطورة ثقافية ساهمت في تعزيز شهرة اللوحة حول العالم.
إلا أن الخبراء يشكّون في أن يتكرر السيناريو هذه المرة، إذ من المرجّح أن تكون الجواهر قد بيعت أو هُرّبت إلى خارج البلاد في غضون ساعات.

فرنسا في حدث ثقافي يهزّ الوجدان
في ختام تصريحه، قال المؤرخ أنسو بأسف بالغ: "لقد فقدنا جزءًا من ذاكرتنا الجماعية. ما سُرق ليس مجرد جواهر، بل رموز لهوية فرنسا وتاريخها، وربما لن نراها ثانية أبدًا".
وبينما تتواصل التحقيقات، يقف العالم مشدوهًا أمام سرقة القرن الثقافية التي طالت قلب الحضارة الفرنسية، في وقتٍ يبدو فيه أن بريق المجوهرات المسروقة قد أضاء من جديد على هشاشة تراثٍ إنساني لا يُقدّر بثمن.
aXA6IDIxNi43My4yMTYuODYg جزيرة ام اند امز