لوكا مودريتش.. حين تصنع الحرب نجما

دُمرت قريته فنفض الركام حتى وصل الأمجاد، ولسان حاله يُذكرنا بقول الشاعر السوري نزار قباني حين كتب لبيروت "قومي من تحتِ الرَدمِ، كزهرةِ لوزٍ في نيسانْ".
هو الكرواتي لوكا مودريتش لاعب الوسط الدولي والركيزة الأساسية لمنتخب بلاده، الذي أينع في ربيعه وما زال يأبى إسدال الستار على اللوحة الخضراء رغم بلوغه سن الـ37، وكأنه يقول لا تحسبوا سنوات الحرب من عمري.
فرحلة اللاعب الدولي من طفل الحرب الكرواتي إلى أفضل لاعب كرة قدم في العالم، تشق طريقها هذه الأيام عبر شباك كأس العالم 2022 المقام حاليا في قطر .
طفل الحرب
في الطريق الجبلي إلى قرية مودريتشي تستوقفك بوابة مقيدة بالسلاسل، وفي تلك البوابة علم كرواتي يُخبر أن هذا المكان المهجور كان يحتضن نجما يتكون في رحم منزله.
كان ذلك الشخص هو لوكا مودريتش، أو بشكل أكثر دقة، لوكا مودريتش جونيور، حيث يحمل جده الاسم نفسه.
عندما كان نجم كرواتيا وريال مدريد يبلغ من العمر ست سنوات فقط، اهتزت شباك سنواته بإطلاق النار على جده المحبوب، على يد القوات الصربية، التي اقتحمت قرية "مودريتشي" عام 1991.
بعد فقدان جده أُجبر لوكا مع العائلة على العيش كلاجئ في وطنه الذي مزقته الحرب، فانتقلوا من مودريتشي إلى بلدة زادار.
هناك بدأ مودريتش المولود عام 1985 ، ملحمته الكروية ، حيث لفت الانتباه لأول مرة إلى قدراته الناشئة.
فالمعاناة لم تمنع هذا الصبي من ركل كرة قدم صغيرة مثقوبة حول موقف سيارات فندق اللاجئين الذي كانوا يقيمون فيه، وهو يحلم أنه يوما ما سيكون قادرا على هزيمة زمن الحرب.
جوزيب باجلو ، الذي كان وقتها مدرب نادي الدرجة الأولى إن كيه زادار، قال في تصريحات سابقة لوكالة فرانس برس: "سمعت عن صبي صغير مفرط النشاط يلعب باستمرار بكرة القدم في ممر فندق للاجئين ، حتى أنه كان ينام معها".
بمجرد أن رأى باجلو مودريتش يداعب الكرة، سجله في مدرسة كرة القدم بالنادي ، حيث تفتقت موهبته على الفور.
صديقة الطفولة ماريجان بولجات، التي تدربت ولعبت مع مودريتش أثناء نشأتها، تقول "حدث مليون مرة أننا كنا ذاهبون للتدريب بينما كانت القذائف تتساقط ، وكنا نركض إلى الملاجئ".
في عام 2000، ترك مودريتش زادار ، حيث لا يزال أسطورة، إلى دينامو زغرب ثم انضم إلى الدوري الإنجليزي الممتاز مع توتنهام هوتسبير في 2008.
وبعد حرب مزايدة ، اختطفه ريال مدريد في عام 2012.
ووفق ما اقتفته "العين الإخبارية" وراء سيرة هذا النجم العالمي، فنادرا ما يتحدث مودريتش عن معاناته ، ولكن عندما وقْع مع توتنهام مرة أخرى في عام 2008 ، تطرق لتلك الحقبة التي أفسدت طفولته.
وقال حينها: "عندما بدأت الحرب أصبحنا لاجئين وكان وقتا عصيبا حقا.. كنت في السادسة من عمري. . أتذكرهم بوضوح. ،وهذا ليس شيئا تريد أن تتذكره أو تفكر فيه".
الشهادة المظلمة
لكن شعبيته في كرواتيا وصورته كرجل عائلة متواضع تأثرت بعض الوقت بشهادته خلال محاكمة فساد بملايين اليورو لرئيس دينامو زغرب السابق زدرافكو ماميتش.
فشهادة مودريتش أيدت قضية ماميتش ضد مزاعم الفساد ، مما أغضب العديد من المشجعين الذين رأوا في المحاكمة فرصة لتنظيف هذه الرياضة المليئة بالفساد.
في نهاية المطاف ، اتهم المدعون مودريتش، بتقديم أدلة كاذبة ، لكنهم أسقطوا القضية لاحقا بسبب نقص الأدلة.
ومع ذلك ، فقد تبخر أي غضب مستمر ضد مودريتش منذ فترة طويلة ، بعد أن ألهم ببراعة كرواتيا في أول نهائي لها في كأس العالم عام 2018.
وعلى الرغم من الخسارة 4-2 أمام فرنسا ، استقبل أكثر من 500 ألف شخص قائد فريق مودريتش وفريقه ترحيبا بطوليا عند عودتهم إلى زغرب.
صعوبات ومآس لم تمنع الطفل الطموح من أن يصبح أحد أفضل اللاعبين على هذا الكوكب ، وهو الآن يبلغ من العمر 37 عاما ، نجما عالميا.
ففي عام 2018 ، تم اختياره كأفضل لاعب في العالم، منهيا عقد من هيمنة كريستيانو رونالدو وليونيل ميسي على الجائزة.