تلك هي الإمارات؛ أرض العطاء والسخاء تجود بأبنائها في سبيل غرس قيم إنسانية لا تحيد عنها أبداً
ودعوا أبناءهم وطبعوا قبلات حانية على جباههم الشامخة لتجنح بهم الطائرة، وتحملهم نحو مصيرهم المحتوم الذي لا مفر منه.. ولكن ما لم يكن في الحسبان أنهم فازوا بشرف التضحية بأعز ما يملكون في سبيل خدمة الإنسانية وسعادة أخيهم الإنسان، ليطبع القدر على أجسادهم الذكية قُبلة الشهادة، وتعانق أرواحهم السماء تزفهم بأعمالهم الصالحة، والمرء يُبعث على ما مات عليه، وهم ذهبوا عن دنيانا وهم يمسحون رؤوس اليتامى، ويطعمون الجائع المسكين.. فطوبى لمن رحل عنا، ولم ترحل ذكراه العاطرة.. تاركاً خلفه فخر أمة وتنهيدة وطن ودع فلذات أكباده. ولا نملك سوى أن نترحم عليهم، ونسأل المولى عز وجل أن يدخلهم فسيح جناته.. كما ندين ونستنكر ذلك الهجوم الإرهابي الجبان الذي وقع في مقر محافظ إقليم قندهار، وأدى إلى استشهاد خمسة من أبناء دولة الإمارات العربية المتحدة، المكلفين بتنفيذ مشاريع إنسانية وتعليمية وتنموية في جمهورية أفغانستان.
تلك هي الإمارات؛ أرض العطاء والسخاء تجود بأبنائها في سبيل غرس قيم إنسانية لا تحيد عنها أبداً، ولا يردعها عن الاستمرار في عمل الخير وما فيه من التخفيف عن آلام المحرومين في شتى أصقاع الأرض، تفجير أو أي جريمة إرهابية تستهدف من يعملون ليل نهار لمسح دمعة عن خد أرملة ثكلى وأبنائها أو عن مد يد العون بالأدوية للتخفيف مما يعانيه طفل رضيع أو شيخ مسن أو عجوز طاعنة في السن.
فتلك هي شيم وعادات توارثها الإماراتيون أباً عن جد ولا غرابة في ذلك، وهم أبناء الوالد المؤسس الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، فقد ربى زايد الخير الأجيال تلو الأجيال على قيم ستبقى ما بقي علم دولة الإمارات خفاقاً في الأفق وهي قيم أصيلة لا تكلف فيها وتكتسب لدينا منذ نعومة أظافرنا ونفتخر بالتمسك بها لنجدة كل ملهوف ورفع المعاناة عن كل محتاج.
نحن مع الإخوة في أفغانستان، ولن نتوارى أو نتأخر عن مساعدة كل إنسان بغض النظر عن دينه أو جنسه أو مذهبه في سبيل نصرة الحق وتعزيز المبادئ الإنسانية الخالصة التي لا تكيل بمكيالين، وتقف مع الإنسان أينما كان، وفق نهج واضح للقيادة الرشيدة، التي ستظل على الوعد والعهد كما خطط المؤسسون الأوائل لحكومة دولة الإمارات العربية المتحدة، حيث وضعوا استراتيجية واضحة في العمل الإنساني وكل ما يخصه من جهود.
ومن بين الدروس المستفادة من الجريمة الإرهابية في أفغانستان أن العمل الإنساني في الوقت الحاضر في مناطق الصراع والحروب والمناطق الساخنة والمنكوبة في العالم لم يعد بمأمن من أيادي الغدر، وأصبح هدفاً مستباحاً لمن لا ذمة لهم، ولمن لا يخجلون من أن يقابلوا ربهم وأيديهم ملطخة بدماء الأبرياء، وعليه يجب أن تكون إجراءات وأدوات وإمكانات وطرق توزيع ومركبات ومقر أعمال تلك الجهات بمأمن من الإرهابيين ومعاملة ذلك الملف بحذر شديد.
والدرس الآخر مما حدث هو تدريب الكوادر المحلية في تلك الدول لتعمل كذراع تنفيذية لمؤسساتنا الخيرية والإنسانية، و«تعهيد» المهام قدر المستطاع عندما تكون هناك تحذيرات ذات مستوى عالٍ، وصراعات محلية بين القبائل والمناطق والمذاهب والأشخاص المؤثرين، ويأخذ العمل الخيري أو يتبنى بعض التكتيكيات الخاصة التي تعنى بإدارة النزاعات وأزمات المساعدات الإنسانية والعمل الإنساني بغض النظر عن خبرات الأشخاص العاملين وتمكنهم من تلك الأعمال.
في النهاية لا يسعنا إلا أن نواسي أنفسنا في دولة الإمارات شعباً وحكومة، وأن نواسي أسر الشهداء فرداً فرداً على ما بذله شهداؤنا الأبطال في خدمة الوطن والإنسانية.. ونقول لأرواحهم الطاهرة: لن تبخل دولتكم في تقدير تضحياتكم، وإن استشهادكم لن يثني أبناء الإمارات عن التسابق للعمل في هذا المجال الحيوي والمشرف، والذي به يلقى الإنسان ربه، وهو في خدمة البشرية وخدمة دينه بعد أن تفضل الله عليه بتسخيره لخدمة الناس وتسهيل أمور دنياهم.
* نقلا عن الاتحاد
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة