هل أصبح نجاح برشلونة مشروطا بوجود ميسي؟
الغالبية العظمى تؤمن بأن نجاح فريق برشلونة الإسباني مقترن بوجود الأرجنتيني ليونيل ميسي بين صفوفه.. ولكن ما حقيقة الأمر؟
تنتاب جماهير نادي برشلونة الإسباني حالة كبيرة من الفرحة بعد استئناف النشاط، ومشاهدة فريقها مرة أخرى بقيادة الدولي الأرجنتيني ليونيل ميسي، الذي صال وجال وقاد البارسا لفوز كبير 4-0 على ريال مايوركا يوم السبت.
الفريقان التقيا في الجولة الـ28 للدوري الإسباني، وأمن برشلونة صدارته ورفع الفارق مع ريال مدريد الذي سيلعب مع إيبار (الأحد) إلى 5 نقاط، بفضل تسجيل ليو لهدف وصناعته 2، ليتقمص مجددا دور البطولة لناديه.
ميسي الذي كان معرضا للغياب عن تلك المباراة بسبب الإصابة، غاب عن صفوف البارسا مطلع الموسم الحالي ضد أتلتيك بلباو في مباراة أقيمت بملعب سان ماميز، انتهت بخسارة حامل اللقب بهدف دون رد.
برشلونة أهدر في الموسم الحالي 5 نقاط في المباريات التي غاب عنها ليو، بينما ساهم الأخير على مدار الموسم الحالي لليجا بالتسجيل 20 مرة وصناعة الأهداف في 14 مناسبة أخرى.
ومنذ انطلاق عام 2020، لم يفتقد الفريق الكتالوني لمساهامات ليو التهديفية إلا في 4 مباريات، بواقع 2 ضد ريال مدريد ولقاء أمام إسبانيول وآخر مع فالنسيا، والمحصلة فيهم كانت الخسارة مرتين والتعادل في مثلهما.
خطة ميسي
"تألق ميسي يمنح برشلونة ميزة إضافية عن أي منافس".. هذه هي وجهة نظر بيب جوارديولا المدرب الحالي لمانشستر سيتي الإنجليزي، والذي قاد ليو فنيا في "كامب نو" خلال الفترة من 2008 وحتى 2012.
جوارديولا تحدث في عام 2017 عن تدريب ليو ممتدحا بقوله: "الخطة كانت بسيطة للغاية (امنح الكرة لميسي)، أعظم ميزة هي أن يكون لديك ليو في فريقك، الـ10 لاعبين الآخرين يعرفون أنه موجود وأنه أجلاً أو عاجلاً سينهي كل شيء".
وأسهب: "لقد كنت مدربه، والخطة كانت أن نمنح الكرة له ووقتها سنسجل لا محالة.. هذا أفضل شيء ممكن، كنت عاشقاً للعبة كرة السلة ولا أفوت تدريباً لمايكل جوردان، نفس الأمر مع ليو.. لا يمكنني أن أهدر فرصة مشاهدة مبارياته، لأنه لاعب ممتاز ونحن سعداء الحظ لمشاهدته".
أما تيتو فيلانوفا خليفة جوارديولا، فشرح نظريته عن ميسي في عبارة بسيطة، وقال: "هو مثل طالب يأتي للفصل والمعلم يقوم بشرح الدرس، ولكنه يشعر بالملل لأنه يعرف كل شيء بالفعل".
يمكن الحديث كثيرأً عما قاله المدربون في "كامب نو" عن ميسي، ولكن الحقيقة تقول إن برشلونة سيعاني كثيرأً لو بقي معتمداً بشكل أساسي على ليو وحده، أو حتى بعد اعتزاله.
بين 2009 و2020
الفارق بين فريق برشلونة الذي لا يقهر في عهد جوارديولا ونظيره الحالي الذي يعاني من تذبذب المستوى والخروج الأوروبي بسيناريوهات مهينة أحياناً، هو أن البارسا كان متكاملاً وليس صحيح ما قاله بيب بأن "الخطة كلها كانت تتمثل في تمرير الكرة لليو".
فلسفة جوارديولا ربما وجدت أن ميسي هو الأقدر بين أقرانه على حسم الفرص وهي أمر منطقي، لكن هذه التشكيلة كانت تضم كارليس بويول وجيرارد بيكيه، وداني ألفيش وسيدو كيتا ويايا توريه، والثنائي التاريخي لإسبانيا؛ أندريس إنييستا وتشافي هيرنانديز، بجانب الكاميروني صامويل إيتو أحد أفضل المهاجمين في تاريخ أفريقيا والليجا، وكذلك الأسطورة الفرنسية تييري هنري.
نجاح إسبانيا الدولي من جانب، وفشل الأرجنتين مع ليو على الجانب الآخر، يؤكد أن فلسفة الاعتماد على ميسي وحده لا يمكن أن تكون ناجحة.
دوري أبطال أوروبا
برشلونة فشل بعد رحيل جوارديولا منذ 9 سنوات في حصد لقب دوري أبطال أوروبا، إلا مرة واحدة كانت في نسخة 2015 بالفوز 3-1 على يوفنتوس الإيطالي في المباراة النهائية.
كتيبة المدرب لويس إنريكي في تلك النسخة كانت لا تقهر، لكن بالطبع السبب لم يكن ليو وحده.
البرازيلي نيمار دا سيلفا ظهر في أفضل نسخة له، وسجل للمرة الوحيدة في تاريخه أكثر من 50 هدفاً في موسم واحد، كذلك فإن الأوروجواياني لويس سواريز القادم لتوه من ليفربول، كان اللاعب الوحيد الذي فاز بلقب هداف الليجا في العقد الأخير، بعيداً عن كريستيانو رونالدو وميسي.
كتيبة الكتلان كانت تضم أيضا إنييستا والكرواتي القادم من إشبيلية إيفان راكيتيتش، مع تشافي في عام الوداع، والحارس المتألق مارك أندريه تير شتيجن في موسم إثبات الذات.
محاولات فاشلة
ما يجعل برشلونة غير قادر على تكرار نجاحات الجيل الذهبي في عهد جوارديولا، أسباب عديدة أدت لقيادة الفريق من فشل إلى أخر على صعيد المدربين.
وبعد رحيل بيب، فضلت الإدارة سيناريو جلب المدرب المساعد تيتو فيلانوفا، والنتيجة كانت الخسارة التاريخية 7-0 ضد بايرن ميونيخ الألماني في نصف النهائي.
وفي 2014، مع مدرب أرجنتيني هو تاتا مارتينو، لم يحقق البارسا أي بطولة من البطولات الـ3 الكبرى، إذ خسر نهائي الكأس من ريال مدريد بهدف جاريث بيل الشهير بعد المرور من مارك بارترا، وفقد الليجا لأتلتيكو مدريد في الجولة الأخيرة بعدما أقصاه الفريق نفسه من ربع نهائي أبطال أوروبا.
ثم جاء عهد إنريكي، الذي كان ناجحاً في موسمه الأول بلا شك بثلاثية الدوري والكأس ودوري الأبطال، ثم لقب ثنائية الدوري والكأس في 2016، قبل الرحيل في 2017 رغم حصد لقب الكأس بعد الخروج من يوفنتوس في دوري أبطال أوروبا.
رغم أن فترة إنريكي كانت الأنجح للبارسا منذ رحيل جوارديولا، إلا أنه فشل في خلق التوليفة الفنية التي تجعل الفريق يمثل مصدراً للرعب في القارة العجوز، وثبت ذلك في خسائر ثقيلة بحجم 4-0 من باريس سان جيرمان و3-0 من اليوفي، بجانب الخروج من أتلتيكو مدريد في 2016.
رهانات مخزية
أحد أهم الأسباب التي أدت لفشل برشلونة في محاكاة إنجازات الجيل الذهبي والاكتفاء بإبداعات ليو كعامل أساسي للاعتماد عليها، هو فشل عدد من الصفقات التي أبرمتها الإدارة في تحقيق المطلوب منها.
مع رحيل نيمار في 2017، فشل فيليبي كوتينيو وعثمان ديمبلي في سد فراغه، ونفس الأمر بالنسبة لأنطوان جريزمان الذي يحاول الخروج عن تلك القاعدة في موسمه الأول بعد قدومه من أتلتيكو مدريد.
وفي الوقت الذي يحاول جريزمان تثبيت أقدامه في "كامب نو"، يبدو البارسا مطالباً بالبحث عن بديل لسواريز الذي اقترب من عامه الـ33.
وبعيداً عن الثلاثي الهجومي، فإن دفاعات ووسط البارسا في الوقت الحالي تعاني كثيراً مما أدى لتجربة عدد هائل من اللاعبين في وسط الملعب، مثل البرازيلي آرثر ميلو والتشيلي أرتورو فيدال والهولندي فرينكي دي يونج ومن قبلهم سيرخيو بوسكيتس.
في الدفاع يستقبل برشلونة في أوقات عديدة أهدافاً من أخطاء دفاعية واضحة، لنجوم كبار على رأسهم بيكيه، أحد النجوم المتبقية من الجيل الذهبي.
في النهاية لا يبدو الاعتماد على إبداعات ليو وحده قادراً أن يجعل برشلونة يتوج من جديد بطلاً لدوري أبطال أوروبا، التي كان الفريق في وقت ما هو المرشح الأول دوماً للفوز بها.