جرعات اللقاحات المختلطة.. مناعة إضافية وعلاج لنقص الإمدادات
بينما يجري على قدم وساق إطلاق حملات التلقيح ضد (كوفيد -19) حول العالم، بدأت بعض البلدان بالتفكير في خلط اللقاحات، حيث يتم إعطاء لقاح واحد كحقنة أولى، ولقاح ثان من نوع مختلف.
ولجأت دول للتفكير في هذا الاتجاه مدفوعة بعدة أسباب منها؛ نقص اللقاحات في العديد من البلدان، ومن ثم فإنَّ خلط اللقاحات من مختلف الشركات قد يقلل من الضغط على إمدادات اللقاح، علاوة على ذلك، هناك بعض الأدلة الأولية التي تشير إلى أنه يمكن أن يؤدي أيضاً إلى استجابة مناعية أقوى، مقارنة بجرعتين من نفس اللقاح، لكن هذه الأدلة بحاجة إلى التأكيد عبر مزيد من الدراسات.
وخلط جرعات اللقاحات المختلفة، قد يبدو أمراً غير معتاد، لكن بالنسبة لعلماء المناعة، لا يعد هذا شيئاً جديداً، فقد سعى باحثو فيروس نقص المناعة البشرية المسبب لمرض الإيدز إلى استكشاف تطعيم ضد الفيروس، وتوصلوا إلى أن الحماية من الفيروس تتطلب تفاعلاً مناعياً معقداً يكاد يكون من المستحيل تحقيقه باستخدام نوع واحد من اللقاحات، لأن اللقاح الواحد ينتج نوعاً واحداً فقط من التفاعل المناعي، أو يحفز مجموعة واحدة من الخلايا المناعية.
كما أن لقاح إيبولا، الذي طورته شركة "جونسون أند جونسون" هو مثال على لقاح مختلط فعّال يتم استخدامه اليوم، وتم اختياره لتوفير مناعة طويلة الأمد، وتستخدم الجرعة الأولى نفس ناقل الفيروس الغدي المستخدم في لقاح "أكسفورد / أسترازينيكا" الخاص بفيروس كورونا المستجد، وتستخدم الجرعة الثانية نسخة معدلة من فيروس الجدري يسمى "MVA".
وفي وقت سابق من هذا العام، نظر صانعو لقاح "أكسفورد – أسترازينيكا" في الجمع بين الجرعة الأولى من لقاحها مع الجرعة الثانية من لقاح "سبوتنيك في" الروسي، حيث إن كلا اللقاحين يستخدمان فيروسات غدية (أحد أسباب نزلات البرد) كنظام توصيل لإيصال مستضد فيروس كورونا المستجد، المسبب لمرض "كوفيد- 19" إلى أجسامنا وخلايانا، ولكن ومن خلال القيام بذلك، يمكن لنظام المناعة لدينا بناء مناعة ليس فقط ضد "كوفيد -19"، ولكن أيضاً تحدث استجابة للفيروس الغدي الذي يتم استخدامه كناقل.
وهذا يعني أنه بعد جرعة ثانية من اللقاح نفسه، قد تحتوي أجسامنا على أجسام مضادة لمكون الفيروس الغدي الذي يمكن أن يبطل مفعول اللقاح، مما يجعل الحقنة الثانية أقل فعالية.
ويبدو أن لقاح "سبوتنك 5" قد تجنب هذه المشكلة باستخدام نوعين مختلفين من الفيروسات الغدية لكل جرعة، وهما "AAd5"، و"Ad26".
وتختبر أسترازينيكا الآن ما إذا كان استخدام الجرعة الأولى من لقاحها والجرعة الثانية من لقاح "سبوتنيك"، الذي يستخدم الناقل الفيروسي "Ad26" سيكون فعالا.
ولكن ماذا عن استخدام نوعين مختلفين تمامًا من اللقاحات، كأن تكون الجرعة الأولى من لقاح "سينوفارم" الصيني، الذي يستخدم تقنية الفيروس الموهن أو المضعف، وتكون الثانية من لقاحات مرسال الحمض النووي الريبي أو ما يعرف بـ"mRNA" مثل لقاح فايزر/بيونتك؟
يقول الدكتور خالد شحاتة، أستاذ الفيروسات بجامعة أسيوط (جنوب مصر) لـ"العين الإخبارية"، إنَّ المزج بين لقاح "سينوفارم" الصيني واللقاحات الأخرى قد يكون هو النموذج الأفضل للمزج، استناداً إلى ميزة تمنحها طريقة تصنيع اللقاح الصيني، رغم أنها الطريقة الأقدم.
ويعتمد اللقاح الصيني على الطريقة التقليدية والتاريخية لتصنيع اللقاح، وهي تقنية الفيروس الموهن أو المضعف، أي أن اللقاح يستخدم فيروس كورونا نفسه بعد إضعافه عن طريق التثبيط الكيميائي، وذلك لإحداث المناعة، ومن ثم فإن منح جرعة من هذا اللقاح، قد يثير أجسام مضادة ضد أجزاء مختلفة من الفيروس، وليس بروتين الأشواك "سبايك" فقط الذي تعتمد عليه أغلب اللقاحات الأخرى، ومن ثم يمكن أن يعطي "سينوفارم" في البداية، وتكون الجرعات التالية من اللقاحات الأخرى معززة للجرعة الأولى.
ومن جانبه، يرى الدكتور أحمد سالمان، مدرس علم المناعة واللقاحات بمعهد جينر بجامعة أكسفورد، والباحث المشارك في تطوير لقاح "أكسفورد –أسترازينيكا"، أنه "بصورة نظرية يمكن تلقي لقاح فايزر أو أوكسفورد/أسترازينيكا بعد سينوفارم".
واستند سالمان أيضاً في رأيه إلى التقنية التي يستخدمها لقاح "سينوفارم"، وقال لـ"العين الإخبارية": "لقاح سينوفارم هو فيروس كورونا نفسه بعد تثبيطه كيميائياً، ولأنه يمكن تلقي أي من لقاحات فايزر أو أكسفورد بعد العدوى الطبيعية بثلاثة أشهر، ففي هذه الحالة قد يكون مقبولا من الناحية النظرية منح لقاح سينوفارم كجرعة أولى، يتبعه بعد ثلاثة أشهر جرعة من لقاحات فايزر أو أكسفورد".
ولكنه شدد أن قرار الدمج بين "سينوفارم" أو أي لقاح آخر، يجب أن يستند إلى دراسات، وليس مجرد رأي نظري. وهذه التجربة للخلط بين سينوفارم واللقاحات الأخرى حال تنفيذها، لن تكون أيضا هي الأولى التي تخلط بين لقاحين يستخدمان تقنيتين مختلفتين، وقد تكون مدفوعة بتجربة خلط أخرى أشارت نتائجها المبدئية إلى بعض الإيجابيات.
وفي الشهر الماضي، وجدت دراسة خلط اللقاحات في إسبانيا التي أشرفت عليها شركة الصحة العالمية الرقمية "يونيفرسال دكتور" أن الأشخاص الذين تلقوا جرعة أولى من لقاح "أكسفورد – أسترازينكا" متبوعًا بجرعة معززة مع لقاح "فايزر – بيونتك" يبدو أن لديهم استجابة مناعية أقوى بكثير من أولئك الذين تلقوا جرعتين من لقاح أسترازينكا.
ويقول تقرير نشره الموقع الإلكتروني للتحالف العالمي للقاحات والتحصين "جافي"، في 28 مايو/آيار الماضي، تعليقا على هذه التجربة: "إلى جانب التأثير الإيجابي المحتمل على الجهاز المناعي، يمكن أن تكون المكافأة الإضافية المحتملة للقاحات المختلطة هي منع اللقاحات من أن تصبح أقل فاعلية في مواجهة المتغيرات الجديدة، فمع تحور الفيروس، يمكن أن يتغير الجزء الذي يستهدفه اللقاح، ما قد يجعل اللقاح أقل فاعلية، ولكن إذا كان هناك لقاحين يستهدفان أجزاء مختلفة من الفيروس، فإن ذلك يمنح جهاز المناعة لدينا أكثر من سلاح في ترسانته".
ورغم وجود أساس علمي سليم للقيام بخلط جرعات اللقاحات، فإن لقاحات مرسال الحمض النووي الريبي (mRNA ) تم اعتمادها لأول مره أثناء جائحة "كوفيد -19"، وهذا يعني أنه ليس لدينا سجل حافل لما يحدث عند استخدامها مع لقاحات الفيروسات الغدية أو لقاحات الفيروس الموهن مثل سنوفارم، كما يؤكد التقرير الذي نشرته "جافي".
في وقت سابق من هذا الشهر، قامت تجربة خلط اللقاحات بجامعة أكسفورد، بتحليل تركيبات لقاحات مختلفة لاختبار الاستجابات المناعية، ووجد الباحثون أن الأشخاص الذين تناولوا لقاح "أسترازينكا" أولاً ثم لقاح "فايزر – بيونتك" أو العكس، كان لديهم المزيد من "التفاعل"، أي آثار جانبية مثل الحمى والقشعريرة والصداع وتعب العضلات وآلام المفاصل، مقارنة بالأشخاص الذين تلقوا جرعتين من لقاح واحد.
وأشار الباحثون إلى كل من شملتهم التجربة لم يكن أي شخص منهم بحاجة إلى دخول المستشفى، لأن هذه الأعراض لم تدم طويلاً ، لكنهم أوضحوا أن هذه البيانات كانت من أشخاص يبلغون من العمر 50 عامًا أو أكبر، وأن الأعراض الناتجة عن خلط اللقاحات يمكن أن تكون أكثر حدة لدى الأشخاص الأصغر سنًا، وهم مستمرون في دراسة الخلط بين لقاح أسترازينكا ومجموعات لقاحات مرسال الحمض النووي الريبي الأخرى مثل موديرنا ونوفوفاكس.
وعلى ذلك، فإن الفاعلية عند خلط اللقاحات ليست المعيار الوحيد، ولكن يجب أيضا التأكد من عدم وجود آثار جانبية إضافية محتملة، كما يؤكد الدكتور أمجد الخولي، استشاري الوبائيات بالمكتب الإقليمي لمنظمة الصحة العالمية بشرق المتوسط .
ودعى الخولي في تصريحات خاصة لـ "العين الإخبارية" إلى إجراء دراسات متأنية لاختبار تركيبات اللقاحات المختلفة، وقال: "نرحب بالدراسات التي تجرى في هذا الإطار ونشجع على إجراء المزيد منها".
aXA6IDMuMTQxLjMyLjUzIA== جزيرة ام اند امز