أعمال القمة الأفريقية الـ29 للاتحاد الأفريقي، بدأت بالعاصمة الأثيويبة أديس أبابا بمشاركة رؤساء 24 دولة، وملك واحد، وتسعة رؤساء حكومات
يشارك المغرب، لأول مرة بعد عودته إلى الاتحاد الإفريقي في يناير الماضي، وحصوله على العضوية الكاملة بعد أكثر من ثلاثين عاما من القطيعة، في أشغال القمة الـ29 للمنظمة القارية، التي تحتضنها العاصمة الإثيوبية يومي 3 و4 يوليو الجاري.
ويمثل العاهل المغربي الملك محمد السادس في هذه القمة شقيقه الأمير مولاي رشيد، الذي ألقى خطابا ملكيا موجها للمشاركين، جاء فيه أن المغرب "يريد أن يساهم في إقلاع إفريقيا جديدة إفريقيا قوية وجريئة تدافع عن مصالحها وإفريقيا مؤثرة على الساحة الأممية. وإفريقيا اليوم توجد في مفترق الطرق ويجب علينا أن نختار أنجع السبل الكفيلة بالدفع بها إلى الأمام، فإفريقيا لم تعد في حاجة إلى الشعارات الإيديولوجية وإنما تحتاج إلى العمل الملموس والحازم في ميادين السلم والأمن والتنمية البشرية".
وتعتبر هذه المشاركة المغربية الأولى بداية لمسار حافل بالتحديات والرهانات، مما يتطلب جهداً كبيراً وحكمة أكبر تثبت أن عودة المغرب هي فعلاً إضافة نوعية للمؤسسة القارية وتمكنه في ذات الوقت من تحقيق أهدافه المتوخاة، حسب ما أورده متابعون.
وفي هذا السياق، اعتبر تاج الدين الحسيني، أستاذ العلاقات الدولية في جامعة محمد الخامس، أن المغرب مقبل على أن يكون في وضعية ريادية داخل الاتحاد الإفريقي، خاصة مع تراجع وضعية ليبيا وتهالكها، و"تدهور صحة رئيس الجزائر"، مشيرا إلى أن جنوب إفريقيا ونيجريا تبقيان أقوى الدول في القارة.
وأضاف الحسيني في تصريحه لبوابة العين الإخبارية، أن أول الرهانات والتحديات تخص تواجد جبهة البوليساريو داخل الاتحاد، على أساس أنها دولة مؤسسة، مبررا أن المغرب كان يراهن منذ البداية على أن مجموعة من الدول الإفريقية سوف تقف بقوة إلى جانبه إما لطرد هذه الدولة المزعومة أو على الأقل تجميد عضويتها في انتظار أن تبث منظمة الأمم المتحدة عن طريق مجلس الأمن في ملف النزاع المعروض عليها.
وأردف ذات المحلل، "الآن المغرب يحضر هذه الدورة والبوليساريو لا تزال متواجدة، وهذا تحد قوي للدبلوماسية المغربية، خاصة أنه في أولى هذه الجلسات بدا واضحا الإصرار على الاستفزاز، عندما حاولت مجدداً الجزائر وبعض الدول التي تناصرها من أمريكا اللاتينية أن تتقدم بمسودة قرار يكرر ما ورد في السنوات الماضية، من حيث حث الاتحاد الإفريقي على تشكيل لجنة تقصي لألية حقوق الإنسان في ما يسمونه "الأراضي المحتلة للجمهورية الصحراوية""، وأضاف الحسيني، هذا تحد حقيقي دفع وزير الخارجية المغربي إلى الاحتجاج بقوة كما تدخلت عدة دولة مناصرة للمغرب بشكل قوي من أجل معارضة هذا التوجه، والحل كان هو إحالة الملف على نيجيريا التي أسند إلى وزير خارجيتها مهمة التوفيق، وتم فعلا التوصل إلى صيغة توافقية، معتبراً أن تواجد المغرب داخل الاتحاد محاطا بحلفائه وإحباطه لمخططات أعداء وحدتها الترابية يعتبر من التحديات الكبرى.
وأضاف الحسيني، بالإضافة إلى هذا التحدي هناك تحديات أخرى مرتبطة بالواقع الاقتصادي للقارة وإمكانية إقامة منطقة للتبادل الحر إفريقية، وإمكانية التطور في المجالات الإقليمية، ووضعية الشباب الإفريقي مشيراً إلى أنها كلها تساؤلات تبقى مطروحة على القادة الأفارقة وعلى وزراء الخارجية من أجل البث فيها.
وذكر أستاذ العلاقات الدولية بأن المغرب من الدول القليلة التي تركز على محورين أساسين في علاقاته القارية، أولا تثبيت حضوره الإفريقي عبر وحدات جهوية منضبطة وهذا ما دفعه إلى طلب العضوية من المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (سيدياو)، حيث تمت الموافقة المبدئية على هذا الانضمام، وسيشرع مستقبلا في الاندماج في هذه المجموعة مما سيدعم الاتحاد الإفريقي.
ثانيا، المغرب اليوم هو أول مستثمر في غرب إفريقيا والثاني على مستوى القارة، مما يضعه في مركز قوة حقيقي، بحيث أن الاستثمار هو القاطرة الحقيقية لتحقيق التنمية وتشغيل الشباب.
وختم تاج الدين الحسيني بالقول بأن المغرب له دور كبير يمكن أن يلعبه في شمال القارة، بوصفه منصة استراتيجية في تطوير النموذج الجديد لمنطقة التبادل الحر الإفريقية، وكذلك لمساهمته المرتقبة في صندوق محاربة الإرهاب الذي اتفق على تأسيسه، خاصة في ظل الإهتزاز الأمني وغياب الاستقرار في كثير من الدول الإفريقية، مشيرا إلى أن تجربة المغرب ورصيده في مجال محاربة الإرهاب سيقدمان إضافة نوعية لدول الإتحاد في إطار تعاون جماعي داخل المؤسسة القارية.
في ذات السياق، اعتبر موسى فقيه محمد، رئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي، في تصريح من أديس أبابا، أن عودة المغرب إلى الاتحاد، من شأنها أن تشكل دفعة قوية لتعزيز وحدة وتضامن الدول الإفريقية، في أفق تحقيق تنمية مندمجة كفيلة بمواجهة مخاطر العولمة.
وأبدى فقيه، في كلمة خلال افتتاح أشغال القمة، تأييده لحل "توافقي" للنزاع بشأن الصحراء، مرحبا باعتزام الممثل الجديد للأمين العام للأمم المتحدة في قضية الصحراء، الألماني هورست كولر، إطلاق مبادرة جديدة من أجل تسوية سلمية لهذا النزاع، مسجلا "انشغاله" بالمأزق الحالي الذي يعرفه هذا الأخير.
جدير بالذكر أن وزير الخارجية المغربي، ناصر بوريطة، أكد في تصريحات صحفية من أديس ابابا، عقب اجتماعات الدورة الـ31 للمجلس التنفيذي للاتحاد الإفريقي، أن مشاركة المغرب كانت بروح "بناءة" ومقاربة "إيجابية" إسهاما منه في تحقيق الأجندة الإفريقية في ما يخص السلام والاستقرار والأمن.
وخلال مختلف المناقشات، أكد الوزير المغربي، أن دفاع المغرب عن مقاربة "طموحة" من أجل جعل عمل هذه المنظمة القارية "منسجم مع التطورات الحاصلة في إفريقيا نفسها والطموحات المعبر عنها من قبل رؤساء الدول والشعوب بالنسبة لمستقبل أفريقيا"، مضيفا أن الاجتماع شكل أيضا مناسبة للمملكة للتعبير عن مواقفها والتنسيق مع العديد من البلدان، من أجل جعل الاتحاد الإفريقي "واجهة" تشتغل بـ"كفاءة" وبـ"تمثيلية أكبر"، كما شكلت هذه الدورة، فرصة بالنسبة للمملكة للدفاع عن مصالحها وخاصة قضية كل المغاربة ألا وهي قضية الوحدة الترابية.