بلد التعايش والتسامح.. تجربة المغرب تبشر بـ"حوار ناجح" في طنجة
وأنت تخرج من مسجد "حسان" بالرباط بعد الصلاة، ستمر بلا شك على كنيسة عريقة بساحة الجولان، وقبلها ستجد مطعما يهوديا مكتظا بالرواد.
مشهد يتكرر في العديد من المدن المغربية، إذ يوجد في أغلبها الحي اليهودي، أو ما يُطلق عليه محليا بـ"أحياء الملاح"؛ وهي تجمعات سكنية كانت خاصة باليهود المغاربة قبل هجرتهم إلى إسرائيل.
واليوم، لا تزال هذه الأحياء شامخة بشموخ الحضارة المغربية وتاريخ العيش المشترك فيها بين المسلمين واليهود، وأيضاً المسيحيين.
هذا النموذج الفريد للعيش المشترك يعد مكانا مثاليا لاحتضان مؤتمر "حوار طنجة حول الأديان"، الذي تنطلق جلسته الافتتاحية غدا الجمعة بمشاركة مسؤولين بارزين من دول عدة، على رأسها دولة الإمارات العربية المتحدة.
وتبشر تجربة المغرب التاريخية في التعايش والتسامح، بحوار ناجح في مؤتمر طنجة الذي يستضيف لفيفا من المسؤولين حول العالم.
وإن كان دين المملكة رسمياً، ودستورياً هو الإسلام الذي يعتنقه أغلب أهل البلاد، إلا أن لباقي الديانات مكانتها المحفوظة في جميع أرجاء الوطن، والكُل يُمارس شعائره بحرية، وتحت حماية الدولة.
"أنا أمير للمؤمنين جميعاً" عبارة قالها العاهل المغربي الملك محمد السادس في خطاب سابق، وأكد فيها أنه مؤتمن على "ضمان حرية ممارسة الشعائر الدينية" بصفته ملكا للبلاد، مضيفا "وأنا بذلك أمير جميع المؤمنين على اختلاف دياناتهم".
وتابع"بهذه الصفة لا يمكنني الحديث عن أرض الإسلام وكأنه لا وجود هنا لغير المسلمين؛ فأنا الضامن لحرية ممارسة الديانات السماوية، وأنا المؤتمن على حماية اليهود المغاربة والمسيحيين القادمين من الدول الأخرى الذين يعيشون في المغرب".
حماية قانونية
في الفصل الثالث من الدستور المغربي، يتم التأكيد على أن الإسلام هو دين الدولة. والدولة تضمن لكل فرد حرية ممارسة شؤونه الدينية، مُخصصة لذلك فرعاً كاملاً من القانون الجنائي.
وفي الفصل الـ220، يرصد القانون الجنائي المغربي عقوبة الحبس من ستة أشهر إلى ثلاث سنوات، مع غرامة من عشرين إلى خمسين دولاراً، لكل من استعمل العنف أو التهديد لإكراه شخص أو أكثر على مباشرة عبادة ما أو على حضورها، أو منعه من ذلك.
نفس العقوبة، تنتظر بحسب النص ذاته، كل من استعمل وسائل الإغراء لزعزعة عقيدة مسلم أو تحويله إلى ديانة أخرى، استغلالا لضعفه أو حاجته إلى المساعدة، أو استغلال مؤسسات التعليم أو الصحة أو الملاجئ لهذا الغرض.
الحماية القانونية، تحيط أيضاً بالعبادات وممارستها، إذ يعاقب القانون من يعطل عمداً مباشرة إحدى العبادات أو الحفلات الدينية، أو يتسبب عمداً في إحداث اضطراب من شأنه الإخلال بهدوئها ووقارها، بالحبس من ستة أشهر إلى ثلاثة سنوات، وغرامة من عشرين إلى خمسين دولاراً.
نفس العقوبة، يرصدها القانون المغربي لمن يتعمد إتلاف بنايات أو آثار أو أي شيء مما يستخدم في عبادة ما، أو خرّب ذلك أو لوثه.
زيارة تاريخية
وفي إطار مكانة المغرب كمركز للتعايش والتسامح، وصف العاهل المغربي زيارة بابا الفاتيكان فرنسيس للمملكة عام 2019، بأنها "حدث استثنائي".
زيارة ألقى فيها الرجلان خطابان تاريخيان بساحة مسجد حسان العريقة بالعاصمة المغربية الرباط، وزار البابا خلالها عددا من المنشآت الدينية بالمغرب، سواء المسيحية أو الإسلامية.
وقبل 34 عاماً من ذلك التاريخ، زار بابا الفاتيكان، يوحنا الثاني المملكة المغربية، إبان حُكم الراحل الملك الحسن الثاني.
حوار بين الأديان
وفي كُل فرصة سانحة، تحتضن المملكة المغربية فعاليات دولية للحوار بين الأديان، وتقريب المسافات بينها، ولا يمر عام دون احتضانها لمؤتمر أو اثنين حول ذات الموضوع.
والشهر الماضي، نظم المركز المغربي للتسامح وحوار الأديان، بالرباط، المنتدى الأفريقي للتسامح وحوار الأديان، بمناسبة اليوم الدولي لأفريقيا.
واليوم، تحتضن طنجة شمال المملكة المغربية، ملتقى "حوار طنجة حول الأديان"، بمشاركة مسؤولين بارزين من دول عدة، على رأسها دولة الإمارات العربية المتحدة التي تشارك بوفد رفيع المستوى.
وسيناقش "حوار طنجة" عدداً من القضايا الراهنة والملحة ذات العلاقة بموضوع التعايش والحوار بين الأديان.
الغرب والعالم الإسلامي
ففي الجلسة الأولى، يبحث المشاركون أهمية العوامل الاقتصادية في ديناميكيات العلاقات بين الغرب والعالم الإسلامي، على اعتبار أن الاقتصاد هو أحد المحركات الرئيسية للعلاقات بين الغرب المزدهر والعالم الإسلامي النامي بشكل غير متساو.
كما يُقارب اللقاء إشكاليات التكنولوجيا وتغير المناخ في أفريقيا والشرق الأوسط، إلى جانب الحديث عن سبل إعادة ضبط العلاقات بين الغرب والدول ذات الأغلبية المسلمة.
ولأهمية الثقافة والتعليم، تناقش الجلسة الرابعة من اللقاء حقبة جديدة من الشراكة بين الدول ذات الأغلبية المسلمة والغرب؛ إذ تركز على سبل بناء السلام بين الدول عبر آلية الثقافة.
وقبل أن يُختم اللقاء بإعلان طنجة، تناقش الجلسة الخامسة، الآفاق على المدى القريب والمتوسط لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، والتي يشارك فيها الدكتور علي النعيمي رئيس لجنة الدفاع والداخلية والخارجية بالمجلس الوطني الاتحادي الإماراتي.