"المفهوم الاستراتيجي للناتو".. حرب أوكرانيا تغير خريطة علاقات العالم
لن تكون الحرب الروسية الأوكرانية حدثا عابرا في التاريخ بل أصبحت كزلزال أعاد حلحلة العلاقات الدولية، ورسم خريطة جديدة للتحالفات حول العالم.
وللمرة الأولى منذ عام 2010، يتبنى حلف شمال الأطلسي "الناتو" مفهومًا استراتيجيًا جديدًا، بنهج متشدد تجاه روسيا ردا على العملية العسكرية في أوكرانيا.
وفي عام 2010، عندما اتفق القادة على آخر وثيقة رئيسية تحدد رؤية الحلف، كانوا يهدفون إلى بناء شراكة طويلة الأمد مع خصمهم القديم في الحرب الباردة.
وكان ديمتري ميدفيديف، الرئيس الروسي آنذاك، حاضرا في قمة لشبونة حيث اتفق الجانبان على ذلك.
بل لم تأت استراتيجية عام 2010 على ذكر الصين التي كان يُنظر إليها في الغرب على أنها شريك تجاري ودي وقاعدة تصنيعية، لكن الاستراتيجية الحالية تقول إنها تمثل تحديا "لمصالح حلف شمال الأطلسي وأمنه وقيمه" بوصفها قوة اقتصادية وعسكرية لا تزال "غامضة فيما يتعلق باستراتيجيتها ونواياها وتعزيزاتها العسكرية".
ماذا يعني المفهوم الاستراتيجي للناتو؟
المفهوم الاستراتيجي لحلف الناتو هو رؤية طويلة المدى -10 سنوات فأكثر- تمنح المنظمة إحساسًا بالاتجاه لأمنها المستقبلي ككل.
- جنود أوكرانيا يطلقون النار على زملائهم.. الاتصالات كلمة السر
- مخرجات قمة الناتو بمدريد..روسيا "من الشراكة إلى التهديد"
وصيغ المفهوم الاستراتيجي السابق للحلف عندما كان يخوض معركة بقيادة الولايات المتحدة ضد طالبان ويضطلع بمهمة بناء الديمقراطية في أفغانستان.
وكان ذلك قبل 4 سنوات من ضم روسيا لشبه جزيرة القرم عام 2014، وهو ما أدى إلى عودة حلف الأطلسي إلى أصله القائم على الدفاع الجماعي بدلا من إدارة الأزمات "خارج منطقة" حدوده.
وطال انتظار مفهوم 2022. وقال دبلوماسيون ومسؤولون إن "الحلف لم يجرؤ على صياغة استراتيجية جديدة عندما كان الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، أحد منتقدي الحلف الذي هدد بالانسحاب منه في عام 2018، في منصبه".
ماذا نتوقع منه؟
ويتوقع أن يتضمن رفع دول الحلف نسبة الإنفاق على الدفاع إلى 2% من الناتج المحلي الإجمالي للدفاع. كما يتوقع أيضًا أن يحدد المفهوم الاستراتيجي زيادة في قوات الردع الدائمة لحلف الناتو، وفقا لصحيفة "واشنطن بوست".
ومن المتوقع أيضًا أن يكون هناك تأكيد على التزام الناتو تجاه القطب الشمالي، حيث يتوقع أن يكشف الاحتباس الحراري موارد هائلة وطرقًا ملاحية في القطب، وسيزداد التوتر الجيوسياسي بين روسيا من جهة وحلف شمال الأطلسي من جهة أخرى (الولايات المتحدة وكندا والدنمارك وأيسلندا والنرويج).
كما سيتم تكثيف المراقبة والتدريبات المشتركة. وسيضيف ضم الحلف لدولتين من دول الشمال، فنلندا والسويد، إلى أهمية "الشمال" وقوة التحالف في مياهه.
وستلعب الحرب الإلكترونية دورا أكبر بكثير مما كانت عليه. فقد ارتفع عدد الأجهزة المتصلة بـ"إنترنت الأشياء" من حوالي 7 مليارات في عام 2010 إلى أكثر من 50 مليار جهاز اليوم، وهو ما يعني اتساع منطقة التهديد التي يمكن اختراقها من قبل الدول المعادية والجهات الفاعلة غير الحكومية.
وستساعد التجربة الأخيرة في منع الهجمات الإلكترونية الروسية على أوكرانيا على توجيه النهج الجديد لحلف شمال الأطلسي.
الموقف من روسيا
ويتهم الحلف في وثيقة مفهومه الاستراتيجي الجديد روسيا بالسعي إلى "إقامة مناطق نفوذ والسيطرة المباشرة من خلال الإكراه والتخريب والعدوان والضم".
ويقول الحلف إن موسكو تستخدم وسائل تقليدية عسكرية وإلكترونية وهجينة لتحقيق هذه الأهداف. وجاء في المفهوم الاستراتيجي أن "تعزيزات موسكو العسكرية، بما في ذلك في مناطق البلطيق والبحر الأسود والبحر المتوسط، إلى جانب تكاملها العسكري مع روسيا البيضاء، (يشكل) تحديا لأمننا ومصالحنا".
كما تعبر الوثيقة عن القلق إزاء تحديث القوات النووية الروسية وتهديدات موسكو باستخدام الأسلحة النووية وتطوير "أنظمة إطلاق جديدة ومدمرة ذات قدرة مزدوجة"، في إشارة إلى تطوير أسلحة تفوق سرعتها سرعة الصوت يمكنها حمل رؤوس حربية تقليدية ونووية.
وردا على تحركات روسيا، سيعمل الحلف بشكل كبير على تعزيز ما في جعبته من وسائل ردع ودفاع، بحسب الوثيقة، مع التشديد على أن الحلف لا يسعى إلى المواجهة مع موسكو، وإنما إلى الحوار.
ويقول المفهوم الاستراتيجي "لا نزال على استعداد للإبقاء على قنوات اتصال مفتوحة مع موسكو لإدارة المخاطر وتخفيفها ومنع التصعيد وزيادة الشفافية".
موقف الحلف من الصين
وعلى عكس عام 2010، ستصف هذه الخطة طويلة المدى الصين بأنها منافس استراتيجي. ولا يبحث الناتو عن صراع مع بكين، ولكن يجب أن يكون قادرًا على معالجة المخاوف في مجال الفضاء الإلكتروني وحقوق الإنسان والمزاعم الإقليمية في بحر الصين الجنوبي - بما في ذلك النظر في قيام الناتو بدوريات بحرية.
ومن المرجح أن تؤكد الوثيقة المحدثة أيضًا على التعاون العالمي مع الديمقراطيات غير الأعضاء في الناتو بما في ذلك أستراليا واليابان وكوريا الجنوبية.
الردع النووي
كما ستعيد التأكيد مجددًا على دور الردع النووي في الدفاع الجماعي لحلف الناتو. لكنه في الواقع، ليس سوى واحد من العديد من التحديات النووية التي تواجهها أوروبا وشركاؤها.
وتشمل التطورات الأخرى توسيع الترسانة النووية الصينية -مع عواقب وخيمة على التزامات الردع الأمريكية في جميع أنحاء العالم- والتقدم المستمر للبرنامج النووي الإيراني. وكذلك التجارب النووية لكوريا الشمالية، والتوازن الدقيق بين الهند وباكستان.
بالإضافة إلى ذلك، فإن انهيار نظام الحد من التسلح يهدد أوروبا بشكل خاص. حيث يبشر زوال معاهدة القوى النووية متوسطة المدى بعودة الصواريخ الروسية المصممة خصيصًا لضرب أهداف أوروبية. وتشير التعددية القطبية النووية الناشئة إلى أن الردع النووي سيظل مهمًا للغاية للأمن الأوروبي في السنوات والعقود المقبلة.
طلبات التوسع
أخيرًا، سيؤكد المفهوم على الترحيب بطلبات التوسع، وفقًا لشروط الالتحاق المنصوص عليها في معاهدة الناتو. وتقف فنلندا والسويد في المقدمة، لكن البوسنة والهرسك وجورجيا ما زالتا تأملان في الوصول إلى العضوية، وكذلك بالطبع أوكرانيا. وكل هذه المبادرات منطقية وضرورية.
وترى الصحيفة أن "الحلف يتجه نحو علاقة بناءة مع الصين أكثر مما كان متوقعًا". أو قد تكون هناك تحديات غير متوقعة ولكنها كبيرة خارج المنطقة - ربما في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، ناجمة عن القرصنة أو الهجرة الجماعية المتجهة إلى أوروبا.
لكن عملية التفكير في التحديات المحتملة، وصياغة وثيقة تحدد مسارًا واسعًا للعمل، والعمل معًا لتنفيذه، ستجعل التحالف بطبيعته أكثر استعدادًا لما يجلبه العقد المقبل.
وسيؤكد هذا المفهوم الاستراتيجي لعام 2022 على نقاط القوة الأساسية لحلف الناتو - وهو الإيمان المشترك بالديمقراطية والحرية وسيادة القانون والقيم الأخرى التي يعتز بها الحلف.
aXA6IDE4LjIxOS4yMDcuMTE1IA==
جزيرة ام اند امز