شبح "إيكواس" ونقمة اليورانيوم.. صورة عن قُرب لما يحدث في النيجر
في الانقلابات والأوضاع الأمنية الاستثنائية من الصعب أن يطلع الخارج على الصورة الكاملة لما يحدث، لكن الوصول إلى خبير في الميدان يباشر ويحلل الأحداث قد يكون أقرب الطرق.
لهذا الغرض التقت "العين الإخبارية" الصحفي يوسف سيري بي، الذي يدير موقع "أصداء النيجر"، وتحدث لها بإسهاب عن تداعيات الانقلاب العسكري على الرئيس محمد بازوم داخليا، وموقف الشارع والطبقة السياسية منه، إلى جانب رأيه في تهديدات مجموعة "إيكواس" وفرنسا، فضلا عن المفارقة الحاصلة في هذا البلد الأفريقي الذي ينام على ثروات كبيرة، لكنه يصنف ضمن أكثر الدول فقرا حول العالم.
ويقول سيري بي إن الوضع في البلاد منذ الإعلان عن الانقلاب العسكري ضد الرئيس محمد بازوم يتميز "بهدوء نسبي والناس يمارسون حياتهم بشكل عادي"، مشيرا إلى أن الاستثناء الوحيد كان المظاهرات التي شهدتها العاصمة نيامي الأحد الماضي، ونُظمت في البداية لدعم المجلس العسكري لكنها تحولت إلى مظاهرات عنيفة، واستهدفت السفارة الفرنسية.
آثار مبكرة للعقوبات
ويضيف هذا الإعلامي بأن هناك شعورا بالخوف من المستقبل بدأ يتملك السكان، و"أتحدث هنا عن أرباب العائلات الذين بدأوا يشعرون بتأثير العقوبات التي أعلنتها عدة دول، خاصة المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا -إيكواس- وهي منظمة تضم النيجر".
وحسب محدثنا، منذ الإعلان عن هذه العقوبات بدأت بعض الأسعار في الارتفاع، وعلى سبيل المثال "حقيبة الأرز" ووزنها 25 كلغ والتي كان سعرها 11000 فرنك ارتفعت إلى 15000 فرنك، وحدثت هذه الزيادة المذهلة في ظرف أيام قليلة، لذلك هناك مواطنون يتساءلون كيف سيكون الأمر بعد تنفيذ العقوبات، وهذا ما يثير مخاوف السكان بشكل أكبر.
وبحسب الصحفي النيجيري فهناك بعض التجار الذين لا ينتظرون دخول العقوبات حيز التطبيق، لإقرار زيادات في الأسعار، لكنهم يستغلون الوضع مسبقا للجشع، وهذه أيضا ظواهر يشهدها النيجر غالبا في المناسبات مثل شهر رمضان، والذي يشهد زيادات في الأسعار حتى بدون مبررات اقتصادية وسياسية.
المعارضة في صف العسكر
وبالنسبة للوضع السياسي، يقول سيري بي إنه لا توجد هناك تطورات لافتة لدى الطبقة السياسية، باستثناء بيان أصدرته أحزاب معارضة بعد الانقلاب تعلن فيه دعمها للمجلس العسكري الجديد.
ويضيف أنه يعتقد أن الطبقة السياسية في البلاد تنتظر تطورات الوضع لإبداء مواقفها ومحاولة التموقع في ظل الوضع السياسي الجديد، في الوقت الذي يحاول الحزب الحاكم الذي كان يقود البلاد الاستفادة من رفض المجموعة الدولية للانقلاب، لكن موقف غالبية المواطنين الداعم لتحرك الجيش أفقده قوة التحرك داخليا.
ويرى محدثنا، أن هذا التضييق على الحريات خلال الفترة السابقة كان وراء حدوث أعمال عنف بعد الانقلاب، خاصة ضد السفارة الفرنسية، وهو ما جعل الأجانب خاصة الفرنسيين يقررون المغادرة، حيث نظمت رحلات لإجلاء 1500 أجنبي 800 منهم فرنسيون.
لماذا تهدد "إيكواس" بالتدخل العسكري؟
وبشأن مآلات الوضع في ظل الضغوط الدولية خاصة من مجموعة دول غرب أفريقيا، يرى الصحفي النيجيري أن هذه الإدانات كانت منتظرة وهي تحدث مع أي دولة تشهد انقلابا عسكريا، رغم أن اللهجة بالنسبة للنيجر كانت شديدة مقارنة بما حدث في دول أخرى.
وتفسير ذلك، حسب سيري بي، بسبب أن النيجر تعد اليوم آخر قلعة للحكم المدني في منطقة الساحل، فضلا عن أنه يعد عامل استقرار في المنطقة المشتعلة، واليوم كل هذا سقط في الماء، وهذا ما تخشاه المجموعة الدولية.
وأضاف أن مخاوف مجموعة دول غرب أفريقيا، والتي تفسر موقفها الحاد من الانقلاب، تتمثل في أن هذه الأنظمة التي يقودها حكام مدنيون مثل نيجيريا أضحت تشعر أنها مهددة بانتقال عدوى الانقلابات العسكرية إليها.
وعن تهديد المجموعة بالتدخل عسكريا، يقول سيري بي إن دول "إيكواس" أعلنت سابقا عن إنشاء قوة موحدة لمواجهة الانقلابات العسكرية، وما وقع في النيجر كان فرصة لتجريب هذا الخيار، لكن أعضاء المجموعة يبدو أنهم تراجعوا عن خيارهم بسبب تعقيدات الوضع وإعلان دول مجاورة مثل مالي وبوركينافاسو وحتى الجزائر رفض هذا الخيار.
وتابع: "هذه المعطيات تجعل المجموعة تفكر عدة مرات قبل تنفيذ التدخل، إلا إذا كان قادة المجموعة لا يعطون أهمية لسقوط ضحايا مدنيين وانفلات الوضع هناك".
مناهضة فرنسا
من جهة أخرى، يؤيد سيري بي الطرح القائل بتنامي موجة مناهضة فرنسا في النيجر مثل دول أخرى مجاورة، ويؤكد أن ذلك كان موجودا قبل الانقلاب لكنه بقي خافتا، وكانت الإطاحة بالرئيس محمد بازوم فرصة لإظهار ذلك من خلال مهاجمة السفارة الفرنسية على وجه التحديد، رغم وجود سفارات أخرى في المنطقة، كما أن المجلس العسكري الحاكم تناغم مع ذلك بدعوة القوات الأجنبية الموجودة في البلاد، إلى عدم التدخل في شؤون النيجر الداخلية.
اليورانيوم المُفقر
وبخصوص رأيه فيما تم تداوله حول وجود نهب أو سوء تسيير لثروات النيجر، بشكل جعل البلاد غارقة في الفقر، يقول الإعلامي إنه قام بتحقيقات صحفية حول هذه القضية سابقا، نالت جوائز دولية للصحافة الاستقصائية، وهو من مؤيدي هذا الطرح لأنه حقيقة ملموسة.
وبحسبه، فإن "النيجر بلد غني باليورانيوم، ويعد من بين الأغنى في العالم، إلا أن الغريب أن هذه الثروات ومنذ بداية استغلالها قبل 50 عامًا وحتى الآن ليس لها أثر كبير على حياة السكان".
ويردف أن المفارقة أن العاصمة نيامي تشهد هذه الأيام انقطاعات للكهرباء، والبعض يقول إن نيجيريا قطعت الإمدادات في إطار العقوبات بحكم أن أكثر من 60٪ من الطاقة لدينا تأتي منها، لكن الحقيقة تبقى أن هناك انقطاعاً مستمراً في التيار الكهربائي، حتى قبل هذه الأزمة، رغم أن اليورانيوم أهم مصدر لإنتاج الطاقة الكهربائية.
ويؤكد محدثنا أن تفسير ذلك هو سوء الإدارة والفساد واختلاس الأموال العامة، ويؤكد ما يذهب إليه بالقول: "خلال تحقيقاتي حول القضية سابقا وجدت أن هذا القطاع يشهد فوضى منذ عقود، كما أن هذه الموارد لا يتم استثمارها في تمويل التعليم أو الصحة أو تمويل الاقتصاد أو تمويل تنمية البلاد بكل بساطة".
والحقيقة، يختم سيري بي حديثه المستفيض، أن "مجموعات وشركات بعينها هي المستفيد الأول من الوضع ومعها فرنسا أيضًا، والتي غالبًا ما تقوم بالتلاعب بهذه الثروة من خلال شراء هذا المعدن بسعر منخفض وإعادة بيعه لاحقاً في السوق الدولية بأسعار باهظة، فضلا عن الاستفادة منه في منشآتها النووية" حسب قول الصحفي النيجيري.