كيف نجحت كوريا الشمالية في كسر العقوبات بـ«الشعر» و«الرموش»؟
بينما يحاول الغرب تقييد كوريا الشمالية بـ«العقوبات» لإنهاء طموحاتها النووية، كانت بيونغ يانغ تبدع في ابتكار طرق جديدة للتحايل عليها.
ومن بين تلك الطرق التي تمكنت بها كوريا الشمالية من التهرب من العقوبات: التهريب والقرصنة الإلكترونية، إلا أن أكثرها ابتكارًا كانت التجارة المربحة في الشعر المستعار والرموش الصناعية، بحسب صحيفة «الغارديان» البريطانية.
ففي السنوات الأخيرة، ساعدت التجارة المزدهرة في الشعر البشري على دعم اقتصاد كوريا الشمالية المعزول، وتخفيف تأثير العقوبات الدولية وتزويد بيونغ يانغ بإيرادات حيوية لمواصلة طموحاتها النووية.
ووصلت صادرات الشعر المستعار إلى الصين في العام الماضي: 1680 طناً -أو نحو 135 حافلة ذات طابقين- من الرموش الصناعية واللحية والشعر المستعار بقيمة تبلغ نحو 167 مليون دولار، وفقاً لبيانات الجمارك الصينية.
وساعدت مبيعات الشعر البشري بملايين الدولارات على دفع انتعاش صادرات الدولة السرية في عام 2023، إذ يشكّل الشعر المستعار ومنتجات الشعر الأخرى ما يقرب من 60% من البضائع المعلنة المرسلة إلى الصين، أكبر شريك تجاري لها على الإطلاق.
وعادة ما تصنع من الشعر المستورد من الصين وتجمع بتكلفة منخفضة في الشمال، قبل إعادته إلى الشركات الصينية التي تصدره إلى جميع أنحاء العالم.
ورغم أن منشأ تلك المنتجات كوريا الشمالية فإن المتسوقين في لندن وسول، الذين يبحثون عن قطع الشعر وغيرها من الأدوات، سيجدون ملصقات تخبرهم بأن هذه العناصر مصنوعة في الصين.
ولا تخضع الصناعة الخفيفة، مثل صناعة منتجات التجميل، لعقوبات الأمم المتحدة ضد بيونغ يانغ، وبدلاً من ذلك فهي إحدى الطرق العديدة -القانونية وغيرها- التي يستطيع النظام من خلالها تخفيف الضربة الناجمة عن التدابير العقابية الدولية وكسب العملة الأجنبية الحيوية.
هل فشلت العقوبات؟
تقول «الغارديان»، إن سنوات العقوبات لم تسفر إلا عن إضعاف مساعي كوريا الشمالية للحصول على رادع نووي فعال، مشيرة إلى أن زعيمها كيم جونغ أون لم يستمر فقط من حيث توقف والده كيم جونغ إيل بعد وفاته عام 2011، إلا أنه قد عمل على تسريع حصول نظامه على التكنولوجيا الباليستية من خلال سلسلة من تجارب الإطلاق التي أعطت بلاده القدرة، من الناحية النظرية، على توجيه ضربة نووية إلى البر الرئيسي للولايات المتحدة.
ويقول ليف إيريك إيسلي، الأستاذ في جامعة إيوا في سول، إنه «من غير المعقول» توقع أن العقوبات وحدها ستنهي طموحات كيم النووية، مضيفًا: "العقوبات تجعل من الصعب على كوريا الشمالية الحصول على التكنولوجيا والمكونات والأموال اللازمة لبرامج الأسلحة الخاصة بها".
لكن العقوبات لم توقف كوريا الشمالية، لأن نظام كيم نجح في بناء نظام حكم قادر على البقاء، بل وحتى الازدهار، كما أن بيونغ يانغ بارعة في التهرب من العقوبات من خلال التهريب والقرصنة الإلكترونية.
وعلى الرغم من أن العديد من خبراء الأسلحة يشككون في قدرة النظام على المزاوجة بين رأس حربي مصغر وصاروخ باليستي عابر للقارات، فإن كيم لم يواجه معارضة تذكر في مهمته لاكتساب القدرة على إحداث دمار نووي على أهداف العدو.
ويقول ماركوس نولاند، نائب الرئيس التنفيذي ومدير الدراسات في معهد بيترسون للدراسات الدولية: «تنجح العقوبات عندما يكون تحالف العقوبات عالميًا أو شبه عالمي، وتكون الدولة المستهدفة صغيرة وضعيفة، ولا تمثل السياسة أو السلوك المستهدف قيمة سياسية أساسية للنظام المستهدف».
ومن الواضح أن هذا لا ينطبق على حالة كوريا الشمالية وتطويرها لأسلحة الدمار الشامل وأنظمة إيصالها.
الأمر نفسه أشارت إليه مايا أونغار، محللة شؤون المناصرة والأبحاث في الأمم المتحدة في مجموعة الأزمات الدولية في نيويورك، قائلة: "إن العقوبات، مثل جميع الأدوات الأخرى لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، هي سجينة للجمود السياسي ومصالح الدول الأعضاء".
ورغم أن عقوبات الأمم المتحدة لم تؤد إلى إجهاض برامج كوريا الشمالية النووية والصاروخية الباليستية فإن «هذا لا يعني أن نظام العقوبات كان فاشلا تماما»، بحسب أونغار.
تجارب نووية:
- عام 2017.. هددت كوريا الشمالية بإطلاق صاروخ بعيد المدى باتجاه منطقة غوام الأمريكية في المحيط الهادئ.
- في العام نفسه.. أطلقت صاروخين بعيدي المدى فوق هوكايدو، الجزيرة الرئيسية في أقصى شمال اليابان.
- عام 2023.. بعد توقف بسبب جائحة كوفيد-19، أطلقت كوريا الشمالية ما لا يقل عن 30 صاروخًا باليستيًا، بما في ذلك خمسة صواريخ باليستية عابرة للقارات.
فهل كانت تجارة الشعر المستعار هي الممول الرئيسي لطموحات كوريا النووية؟
بحسب الصحيفة البريطانية، فإن تمويل برنامج الأسلحة الطموح هذا لم يتم بالكامل من خلال مبيعات منتجات التجميل «المصنوعة في الصين»، مشيرًا إلى أنه رغم الحظر الذي فرضه مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة على عمليات نقل الأسلحة الكورية الشمالية وصادراتها من الفحم والحديد والمأكولات البحرية والمنسوجات، فقد استمر النظام في توسيع وتحسين ترسانته من أسلحة الدمار الشامل.
فكيف نجحت؟
مستغلة قدرتها الاستثنائية في الحرب السيبرانية، نفذ عشرات القراصنة من كوريا الشمالية بين عامي 2017 والعام الماضي، العشرات من الهجمات الإلكترونية التي حصدت 3 مليارات دولار، للمساعدة في تطوير برنامج الأسلحة النووية، وفقًا لتقرير مسرب للأمم المتحدة.
كما استغل النظام موارده البشرية، فكوريا الشمالية تدير أكثر من 50 مطعمًا يعمل بها عمالها في المدن الصينية -وفقًا لتقرير صادر عن إذاعة صوت أمريكا في مارس/آذار الماضي- في انتهاك لقرار الأمم المتحدة لعام 2017 الذي يطالب جميع الدول الأعضاء بإعادة العمال الكوريين الشماليين إلى بلدانهم الأصلية بحلول عام 2019.
يأتي ذلك إضافة إلى أن تداعيات حرب أوكرانيا، وانتقاد التعزيزات العسكرية الصينية، كانت سبباً في حدوث انفراجة جديدة بين موسكو وبكين، كما أنها أعطت كيم جونغ أون فرصة غير مسبوقة لكسر العقوبات.
ومن المتوقع أن يقوم بوتين، الثلاثاء، بأول زيارة له لكوريا الشمالية منذ عام 2000، إذ تعهد الزعيمان بتوسيع تعاونهما الأمني والاقتصادي في تحد للعقوبات.