جنسن هوانغ.. من رائد رقائق إلى «وزير خارجية الذكاء الاصطناعي»

لم يعد جنسن هوانغ، الرئيس التنفيذي لشركة إنفيديا، مجرد رائد في صناعة الرقائق الإلكترونية، بل تحوّل إلى شخصية ذات تأثير عالمي. فقد بات يتنقّل بين العواصم ويلتقي القادة، حاملاً رؤية جديدة لما يسميه "الذكاء الاصطناعي السيادي".
وقبل أكثر من 30 عامًا، أسّس هوانغ شركة إنفيديا، التي بدأت بإنتاج بطاقات الرسوميات الموجّهة لعشاق الألعاب. لكن اليوم، تقف الشركة في قلب التحول التكنولوجي العالمي، بعدما أصبحت معالجاتها الرسومية المحرك الأساسي لنماذج الذكاء الاصطناعي الحديثة.
ووفقًا لتقرير نشرته صحيفة فايننشال تايمز، بدا هوانغ في الأشهر الأخيرة وكأنه يؤدي دورًا دبلوماسيًا أكثر من كونه مديرًا تنفيذيًا تقنيًا. ففي لندن، حضر عشاءً رسميًا في قصر باكنغهام إلى جانب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب والملك تشارلز، ثم صعد إلى المسرح ليقدّم عرضًا استثماريًا حيويًا، دعم خلاله شركات ناشئة بريطانية بأسلوب استعراضي ترك انطباعًا قويًا.
بالنسبة لهوانغ، لم تعد إنفيديا مجرد مورّد رقائق، بل شريكًا استراتيجيًا يملك مفاتيح المستقبل الاقتصادي والأمني للدول. وهنا يظهر مفهوم "الذكاء الاصطناعي السيادي"، الذي يشير إلى ضرورة امتلاك الحكومات بنية تحتية مستقلة، تشمل مراكز البيانات والنماذج اللغوية، دون الاعتماد الكامل على عمالقة التكنولوجيا الأمريكيين مثل مايكروسوفت وغوغل.
لكن هذه "السيادة" التي يروّج لها هوانغ تحمل مفارقة واضحة، إذ تبقى الدول مضطرة للاعتماد على رقائق إنفيديا كعنصر أساسي في أي مشروع وطني للذكاء الاصطناعي. بذلك، يقدّم هوانغ معادلة ذكية: استقلالية شكلية للدول، مقابل تبعية تكنولوجية مستمرة لإنفيديا.
استراتيجية هوانغ تعكس تحوّلًا واسعًا في سوق التكنولوجيا. فبينما كانت إنفيديا تبيع منتجاتها سابقًا لشركات التكنولوجيا الكبرى، بدأت مؤخرًا تستهدف "الزبون الأهم": الحكومات. وهذه الأخيرة تملك تمويلًا ضخمًا وطموحات طويلة الأمد، ما يجعلها شريكًا مثاليًا لمشروعات الذكاء الاصطناعي واسعة النطاق.
وفي أوروبا، كثّف هوانغ لقاءاته مع قادة الاتحاد الأوروبي، مشددًا على ضرورة بناء قدرات ذاتية. وفي آسيا، وجد شركاء استراتيجيين في اليابان وكوريا الجنوبية، بينما يتعامل بحذر مع الصين بسبب القيود الأمريكية على تصدير الرقائق.
ورغم أن العائدات الحالية من مشروعات "الذكاء الاصطناعي السيادي" لا تزال محدودة مقارنة بمبيعات إنفيديا للشركات، فإن التوقعات تشير إلى إمكانات هائلة قد تدر عشرات المليارات في المستقبل القريب.
وفي المقابل، يحقق هوانغ مكسبًا من نوع آخر: مكانة سياسية متصاعدة. فحضوره المتكرر في اللقاءات الدولية ومع الرؤساء والملوك يعزز صورته كأكثر من مجرد رجل أعمال تقني. إنه يُعامل الآن كـ"وزير خارجية غير رسمي" للتكنولوجيا الأمريكية، بصوت مسموع في السياسات الدولية المتعلقة بالذكاء الاصطناعي.
ويعكس صعود جنسن هوانغ تحوّلًا أعمق في العلاقة بين التكنولوجيا والسياسة. فكما كانت الطاقة موردًا استراتيجيًا في القرن العشرين، باتت الرقائق المورد الحيوي الجديد. وهوانغ، بفضل موقعه الريادي، أصبح أحد أبرز صناع القرار في الجغرافيا السياسية التقنية.
aXA6IDIxNi43My4yMTYuOTYg جزيرة ام اند امز