باريس وبرلين.. محركان السيادة الرقمية الأوروبية
أعلنت ألمانيا وفرنسا عن 18 شراكة بين أبطال التكنولوجيا و12 مليار يورو استثمارات في الذكاء الاصطناعي، وتسعيان إلى إرساء دينامية مضادة لهيمنة عمالقة التكنولوجيا الأمريكيين.
وقالت صحيفة "لوفيجارو" الفرنسية، إنها بلا شك مبادرة مرحب بها، في وقت تحاول فيه أوروبا إيجاد مخرج من وضعها كـ"مستعمرة رقمية" للولايات المتحدة، فقد نظمت فرنسا وألمانيا، الثلاثاء النسخة الأولى من قمة السيادة الرقمية الأوروبية.
وبرعاية المستشار الألماني فريدريش ميرتس والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، جمعت القمة في برلين عدداً من كبرى الشركات التكنولوجية في البلدين، من بينها 150 شركة فرنسية.
وأوضحت الصحيفة الفرنسية، أنه باستراتيجية واضحة، مضاعفة مشاريع التعاون بين البلدين لإطلاق دينامية أوسع على مستوى القارة، مشيرة إلي أنه من بين هذه الشركات هيلسينغ وميسترال للذكاء الاصطناعي، أليانز وبارلوا، دويتشه تيليكوم وفيزيكس إكس، أوكين ومعهدا غوستاف روسي وشارتيه.
وتابعت: 18 مجموعه شراكة عبر ضفتي نهر الراين في مجالات الصحة والدفاع والبحث العلمي والذكاء الاصطناعي الوكيل، بتمويل قدره مليار يورو، تم الإعلان عنها خلال القمة، كما تعهدت شركات أخرى باستثمارات إضافية بلغت 12 مليار يورو.
عدم ترك "الهيمنة التكنولوجية" للآخرين
وأكد وزير الرقمنة الألماني كارستن فيلدبرغر أن "الوقت يداهمنا"، مشيراً إلى أن أوروبا كانت حتى الآن "زبوناً ومشاهداً في المقام الأول" في هذا المجال، أمام قوة العمالقة الأمريكيين.
وقدرت دراسة نشرها هذا الصيف تجمع Cigref كلفة اعتماد أوروبا على الجهات الأمريكية في مجال الحوسبة السحابية والبرمجيات وحدها بـ264 مليار يورو.
وقال الرئيس إيمانويل ماكرون: "لنكن واضحين، أوروبا لا تريد أن تكون زبوناً لكبار رواد الأعمال أو للحلول الكبرى المقدمة، سواء من الولايات المتحدة أو من الصين. نحن نريد بوضوح تصميم حلولنا الخاصة"، مشدداً على "رفض أن نكون دولة تابعة".
وأضاف المستشار الألماني أنه "لا ينبغي ترك الهيمنة التكنولوجية" لواشنطن وبكين.
الحوسبة السحابية في صدارة الأولويات
ويعد قطاع الحوسبة السحابية، حيث تهيمن Amazon Web Services وMicrosoft Azure وGoogle Cloud، الورشة الأولى التي يجب العمل عليها.
وإلى جانب الخطابات الكبرى، كان المطلوب إجراءات ملموسة. وعلى هامش القمة، أعلنت شركتا OVHCloud وScaleway الفرنسيتان افتتاح مناطق جديدة لنشر خدماتهما في ألمانيا.
وفي اليوم السابق، أعلنت Schwarz Digits، الذراع السحابية لمجموعة Lidl، مشروع مركز بيانات بقيمة 11 مليار يورو، طامحة إلى أن تصبح رائدة أوروبية في هذا المجال.
أولوية أوروبية في المشتريات
وشهدت القمة أيضاً مواقف داعمة لتنظيم أكثر مرونة لقطاع التكنولوجيا، على جانبي نهر الراين. ففي قطاع السحابة، أطلق نحو عشرين فاعلاً خاصاً، من بينهم مشغلو اتصالات وصناعيون (إيرباص، داسو للطيران وداسو سيستمز) وشركات سحابية Cloud Temple وOVHCloud وSchwarz Digits، نداءً يطالب بأن تعتمد أوروبا تعريفاً صارماً للحوسبة السحابية السيادية.
وتابعت:" أن تضع استراتيجية تفضيل أوروبي في الصفقات العمومية، كما طالبت " أورانج" وDeutsche Telekom في بيان مشترك بمزيد من المرونة في تنظيم قطاع الاتصالات.
وهي قضايا تتصدر كذلك جدول أعمال الشركات الناشئة. فقد وقّعت أبرز جماعات الضغط الفرنسية والألمانية رسالة مشتركة تطالب بهذه الأفضلية الأوروبية، وكذلك بتخفيف قواعد المنافسة للسماح بتشكيل أبطال أوروبيين كبار.
ويأتي ذلك في توقيت حساس، إذ تقدم بروكسل الأربعاء مشروعها "Digital Omnibus" لإعادة صياغة عدة نصوص تأسيسية للاقتصاد الرقمي مثل اللائحة العامة لحماية البيانات وقانون الذكاء الاصطناعي وقانون الأسواق الرقمية وقانون الخدمات الرقمية.
مبادرة "يوروستاك" وصندوق سيادي
وعلى هامش القمة، أعلن تجمع "يورو ستاك"، الذي يضم نحو عشر شركات تكنولوجية أوروبية " إيكوسيا" و"بروتون" وNextcloud وprobabl.ai ووقع رسالته المفتوحة حول السيادة الأوروبية 200 مدير تنفيذي في مارس الماضي، عن إنشاء مؤسسة تهدف إلى تبادل أفضل الممارسات التكنولوجية على مستوى القارة.
ويدعو هذا التجمع منذ أشهر إلى استثمار قدره 300 مليار يورو خلال عشر سنوات عبر صندوق سيادي أوروبي.
أقل إعانات… والمزيد من الطلبيات
رحب يان لوشيل، الشريك المؤسس والرئيس التنفيذي لشركة Probabl وعضو "يورو ستاك"، باستفاقة باريس وبرلين تجاه السيادة الرقمية، قائلاً: «كانت فرنسا متقدمة فكرياً في هذا المجال، بينما كان الألمان متحفظين بسبب اعتمادهم على المظلة العسكرية الأميركية وصادرات صناعة السيارات. انتقال برلين الآن هو إشارة قوية".
كما أشار إلي مشروع التعاون السابق Gaia-X الذي أطلق عام 2019 لبناء سحابة أوروبية موحدة ودخل في حالة جمود.
وقال إن "ضغط الجهات المهيمنة والمحافظة لدى مديري نظم المعلومات حافظا على الوضع القائم». ويرى أن أوروبا اليوم تحتاج أقل إلى الإعانات وأكثر إلى الطلبيات: "يكفي إعادة توجيه 5% إلى 10% من الطلبيات لصالح فاعلينا لخلق نمو ووظائف وإيرادات ضريبية إضافية".
أما ماريو مارينييلو، خبير السياسات الرقمية الأوروبية في معهد بروغيل، فيرى أن الجهد الفرنسي-الألماني مرحب به، لكن الطريق لا يزال طويلاً: "ما الذي نعنيه بالسيادة الرقمية؟ وكم نحن مستعدون لدفعه مقابلها؟ ما تكلفة “الشراء الأوروبي”؟ لم تُطرح هذه الأسئلة الجوهرية بعد". ويرى أن هذه مهمة تقع على عاتق المفوضية الأوروبية التي لم تحدد بعد إطار النقاش.
اتفاق بين ميسترال وSAP
يبدو أن هدف القمة لم يكن حسم كل هذه الملفات بقدر ما كان إطلاق دينامية جديدة. وإلى جانب رسائل النوايا، أُطلقت مشاريع تعاون ملموسة، أبرزها شراكة واسعة بين شركة "ميسترال أ آي" الفرنسية العملاقة في نماذج اللغة والعملاق الألماني للبرمجيات SAP، التي ستدمج أدوات الذكاء الاصطناعي الفرنسية ضمن حلولها.
وقالت الشركة الفرنسية: "تشكل هذه الشراكة أول لبنة لذكاء اصطناعي سيادي أوروبي". وبالتوازي، أعلنت الإدارتان الفرنسية والألمانية اعتماد كل منهما لحلول الشركتين.