«بيرم التونسي».. صوت الشعب وإبداع الزجل المصري
تحل اليوم الذكرى الـ 64 لرحيل الشاعر بيرم التونسى، حيث توفي في 5 يناير/ كانون الثاني 1961، وينتمي لأصول تونسية، ويُعتبر من أشهر شعراء العامية المصرية.
اشتهر بيرم التونسي بخفة ظله وسخريته اللاذعة، التي لم تقتصر على تسلية الناس فقط، بل لعبت دورًا بارزًا في تسليط الضوء على معاناة البسطاء وانتقاد بعض السلوكيات الاجتماعية السائدة في ذلك الوقت، ولكن كانت سخريته تخفي وراءها ألمًا كبيرًا، عانى خلاله من اليتم والنفي والمرض.
نشأة بيرم التونسي
وُلد محمود محمد مصطفى بيرم الحريري في 23 مارس/ آذار 1893، بحي الأنفوشي في مدينة الإسكندرية، وتنحدر أصول أسرته من تونس، حيث هاجر جده إلى مصر عام 1833، وبدأ تعليمه في كُتّاب الشيخ جاد الله، لكنه لم يتحمل أسلوب التعليم هناك، والتحق بالمعهد الديني في مسجد أبي العباس المرسي، إلا أنه اضطر لترك الدراسة في سن الرابعة عشرة بعد وفاة والده.
المسيرة الفنية لبيرم التونسي
كان بيرم التونسي شغوفًا بالشعر والقراءة، وبدأ بمحاولات شعرية مبكرة، على الرغم من عمله في التجارة، ونُشرت أولى قصائده بعنوان "المجلس البلدي"، حيث انتقد فيها تعنت المجلس مع المواطنين، قائلاً: "قد أوقع القلب في الأشجان والكمد: هوى حبيب يسمى المجلس البلدي".
وحققت القصيدة صدى واسعًا، ما أسهم في زيادة شهرته، وكونه من أبناء الإسكندرية، جمعته علاقة قوية بفنان الشعب سيد درويش، حيث كان كل منهما يستشير الآخر في شؤون العمل والحياة.
عمل بيرم لفترة في جريدة "الإكسبريس"، وبعد اكتسابه الخبرة، انتقل إلى القاهرة وأطلق جريدة "المِسلّة"، ورغم مصادرتها، لم يتراجع عن شغفه الصحفي، فأصدر جريدة "الخازوق"، لكنها واجهت المصير نفسه على يد السلطات.
دور بيرم التونسي في ثورة 1919
كان لبيرم التونسي دور بارز في ثورة 1919، حيث كتب مقطوعات حماسية لتحفيز الشعب على كسر حاجز الصمت والمطالبة بحقوقه، ولكن السلطة لم تقف مكتوفة الأيدي، وأصدر الملك قرارًا بنفيه خارج البلاد بسبب انتقاداته اللاذعة للأسرة الحاكمة، والتي شملت الملك فؤاد نفسه في قصيدة بعنوان "الباميا الملكي والقرع السلطاني".
بعد قرابة عامين من النفي، قضاهما يعمل كحمال في ميناء مارسيليا، تمكن بيرم من التحايل على السلطات والتسلل سرًا إلى مصر. اختبأ لمدة ثلاثة أشهر، لكن الحكومة ألقت القبض عليه مجددًا ونفته مرة أخرى.
في تلك الفترة، عمل في شركة للصناعات الكيميائية، لكنه فقد وظيفته بسبب معاناته من المرض، وعلى الرغم من الظروف القاسية التي واجهها، لم يتوقف بيرم التونسي عن كتابة الزجل، الذي ظل نافذته للتعبير عن معاناة الناس وآمالهم.
عودة بيرم التونسي إلى مصر وعهد جديد من الكتابة والإبداع
تمكن بيرم التونسي أخيرًا من التسلل إلى مصر عام 1938، حيث استعان بأحد المقربين من الملك لاستصدار قرار بالعفو عنه. وبالفعل، تم العفو عنه من قبل الملك فاروق. بعدها، عمل في عدد من الصحف البارزة مثل "أخبار اليوم"، "المصري"، و"الجمهورية". كما قام بكتابة سيناريو وأغانٍ لفيلم "سلامة" الذي كانت بطولته للفنانة أم كلثوم.
إبداعات بيرم التونسي الأدبية
ألف بيرم التونسي العديد من الأغانى والقصائد الزجلية والمنولوجات، والتي أصبحت جزءًا من التراث الفني المصري. من أشهر أعماله: "المجلس البلدي"، "أنا في انتظارك"، "أهل الهوى"، "هو صحيح الهوى غلاب"، "حبيبي يسعد أوقاته"، "غنيلي شوي شوي"، "الورد جميل"، "الحب كده"، "القلب يعشق كل جميل"، "أحبابنا يا عين"، "هلت ليالي"، "مرحب مرحبتين"، "محلاها عيشة الفلاح"، "يا جمال يا مثال الوطنية"، "حاتجن يا ريت يا إخوانا مارحتش لندن ولا باريس"، "يأهل المغنى دماغنا وجعنا"، و"يا حلاوة الدنيا يا حلاوة".
ورغم براعته في كتابة الزجل بالفصحى، إلا أن تألقه كان واضحًا أيضًا في الكتابة بالعامية، حتى أن عميد الأدب العربي طه حسين قال: "أخشى على الفصحى من عامية بيرم".
رحيل بيرم التونسي
حصل بيرم التونسي على الجنسية المصرية في عام 1960، إلا أنه توفي بعد عدة أشهر من ذلك، بعد صراع طويل مع مرض الربو، وترك وراءه إرثًا أدبيًا وفنيًا لا يُقَدّر بثمن.
aXA6IDMuMTM4LjEzNy4xNzUg جزيرة ام اند امز