كان من الضروري أن ندرك أننا نواجه في المسلسل حقائق تُكشف للمرة الأولى في عالم من السرية والخصوصية للتنظيمات الإرهابية.
بابتسامته المعهودة وخطواته الدقيقة متنقلاً بين أروقة مكاتبنا في العمل وهو يلقي علينا تحية الصباح، موظفاً تلو الآخر، سألني الزميل العزيز عبد الله البلوشي: آلجي شفت مسلسل "المنصة"؟
-أنا: لا.. ليس بعد.
-عبد الله: أنصحك تشوفه.
اختفى ظل عبد الله خلف باب المكتب، وأنا أفكر في مشاهدة المسلسل فور عودتي للمنزل، رغم أنني قرأت الكثير عن هذا العمل الدرامي الذي كتبه الصديق هوزان عكو، مؤلف عدة مسلسلات لاقت نجاحاً باهراً في العالم العربي.
أعلم جيداً أن الاستمتاع بمشاهدة عمل درامي مفيد وهادف وخارق للعادة أمر نادر الحدوث، وعلى أبعد تقدير نادر جداً، ولكن بعد أن شاهدت الحلقة الأولى من "المنصة"، تيقنت جيداً أنه مسلسل يستحق المشاهدة والتقدير، فـ"المكتوب مبين من عنوانه" كما يُقال.
المقدمة صادمة، الموسيقا مدروسة بعناية، القضية المطروحة مشوقة جداً.. نحن أمام نصّ متقن، حكاية وشخوص وشخصيات جبارة في أدائها، مسلسل إماراتي يتحدث عن حرب المعلومات والبيانات والإعلام وقراصنة الإنترنت، والتنظيمات الإرهابية، والتفكك الأسري، متنقلاً بين عدة دول، منها سوريا والولايات المتحدة وسويسرا وطبعاً العاصمة الإماراتية أبوظبي كبطل مكاني وزماني للقضية.
وربما مَن ينعم بالعيش في دولة الإمارات سيتمكن من فهم تفاصيل مسلسل "المنصة" المكانية تحديداً.. و"المنصة" اسم لموقع متخصص بالمعلومات ذات السرية العالية، ومعلومات قضايا الإرهاب في العالم أجمع، وكيفية سيطرة إيديولوجيا التطرف وآلية مواجهتها بحرب المعلومات قبل حرب السلاح، وبالفعل أبوظبي هي ساحة تسامح وهدوء للنفس ورمز للتسامح والأمن والأمان في العمل والحياة وفي كل شيء، في وقت تعج منطقة الشرق الأوسط بالصراعات، وهذا ما جسده العمل ملياً، ولاسيما في استقطاب الإمارات للكفاءات والعقول التي تعمل لخدمة الإنسانية، مثل صاحب موقع المنصة.
في الحلقات الـ12 من الجزء الأول للمسلسل، كان من الضروري أن ندرك أننا نواجه حقائق تُكشف للمرة الأولى في عالم من السرية والخصوصية للتنظيمات الإرهابية من منابعها إلى جذورها وفلسفة خرابها في المنطقة وإحداثها الفرقة بين الأخ وأخيه، والتنقل بين عدة أزمنة وأمكنة بخطوط فرعية تتشعب من الخط الرئيسي للحبكة الرئيسة للمسلسل الذي ارتقى للفيلم السينمائي، رغم أن كل فن مستقل بذاته وله خصوصية، ولكن حينما يرتقي المسلسل لمرتبة الفن السابع، فهذا يعني أن رؤوس المتفرجين ستُعلى لمشاهدة الشاشة العملاقة في دور السينما.
إذاً، لا مكان للملل في "المنصة"، حلقاته المكثفة والقليلة والمدروسة تعطي المشاهد دفعة إيجابية وحماسية للمشاهدة على عكس المسلسلات التي تتجاوز حلقاتها مئات الساعات التلفزيونية وتكون مملة.
انتهيت من مشاهدة المسلسل في أيام معدودة، وأضاف إليّ الكثير من المتعة والفائدة والمعلومات، حيث عُرض على شبكة "نتفليكس" وقناة أبوظبي، وأخرجه الألماني رودريغو كريشنار، وأنتجته شركة "فيلم جيت" بالتعاون مع "الكلمة للإنتاج"، بإشراف عام وفني للمنتج منصور اليبهوني الظاهري.
التقيتُ بعدها بعبد الله عند المصعد مثنياً: شكراً لك أخ عبد الله.. بالفعل مسلسل "المنصة" تُرفع له القبعة.. سري وخصوصي وفائق المهنية.. حكاية التسامح في مواجهة الإرهاب.. المعلومات ضد الحرب.. السلام ضد العنف.. تمهلوا.. المسلسل منطقة ألغام بأحداثه المثيرة.
-عبد الله: حاضرين الغالي.. خلنا ننتظر الموسم الثاني.
-أنا: على أحرّ من الجمر.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة