الإمارات وإندونيسيا.. علاقات وثيقة وشراكة استراتيجية راسخة
شراكة استراتيجية وروابط تاريخية تتوج العلاقات بين دولة الإمارات العربية المتحدة وجمهورية إندونيسيا.
وتأتي زيارة جوكو ويدودو رئيس جمهورية إندونيسيا، إلى دولة الإمارات، المقررة اليوم الثلاثاء، في إطار حرص البلدين على تطوير العلاقات الاستراتيجية بينهما.
“زيارة دولة” تستغرق يومين، يبحث خلالها رئيس إندونيسيا مع الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس دولة الإمارات، تطوير العلاقات الاستراتيجية بين البلدين في مختلف المجالات في ظل الشراكة الاقتصادية الشاملة التي تجمعهما وبما يسهم في تحقيق رؤى البلدين نحو التنمية والازدهار المستدام لشعبيهما الصديقين.
وتتوج زيارة الرئيس جوكو ويدودو إلى دولة الإمارات، الثلاثاء، العلاقات التاريخية والشراكة الاستراتيجية التي تربط البلدين.
شراكة تتجلى ملامحها في الزيارات المتبادلة والقمم المتتالية والمباحثات المستمرة بين قادة ومسؤولي البلدين لتعزيز التعاون على مختلف الأصعدة، الأمر الذي توج بتوقيع البلدين اتفاقية شراكة اقتصادية شاملة بينهما خلال زيارة الرئيس الإندونيسي للإمارات مطلع يوليو/تموز 2022.
زيارة دولة
وتعد "زيارة الدولة" هي الأعلى مستوى بين أنواع الزيارات التي تتم بين قادة الدول ورؤساء الحكومات، ولها مراسم وبرامج وبروتوكولات خاصة، منذ الإعداد لها وحتى إتمامها.
وسبق أن أجرى الشيخ محمد بن زايد آل نهيان زيارتين لإندونيسيا الأولى في نوفمبر/تشرين الثاني 2022، والثانية "زيارة دولة" في يوليو/ تموز 2019، قوبل خلالهما بحفاوة بالغة واستقبال تاريخي على المستويين الرسمي والشعبي.
وتبادُل الزعيمان لهذا النوع من الزيارات يحمل رسائل ودلالات حول قوة ومتانة العلاقات التاريخية بين البلدين.
ويتوقع أن تشكل الزيارة الجديدة للرئيس الإندونيسي للإمارات والمباحثات التي تتخللها مع القيادة الإماراتية دفعةً قويةً وانطلاقةً لمرحلةٍ جديدةٍ أكثر حيويةً وقوةً في العلاقات الثنائية في مختلف المجالات.
قمم وزيارات
وتعد المباحثات المرتقبة بين الزعيمين خلال الزيارة هي الثانية في غضون أسبوعين، بعد المباحثات الهاتفية التي جمعتها في 6 يوليو/تموز الجاري والتي جرى خلالها بحث مختلف مجالات التعاون والعمل المشترك في إطار العلاقات الاستراتيجية التي تجمع البلدين خاصة على مستوى التعاون الاقتصادي والاستثماري الذي يخدم التنمية والازدهار المستدام ويعود بالخير على شعبيهما.
كما يعد اللقاء بين الزعيمين هو الثالث خلال 10 شهور، بعد اللقاء الذي جمعهما مطلع ديسمبر/كانون الأول الماضي، خلال زيارة الرئيس ويدودو للإمارات للمشاركة في قمة المناخ COP28.
وبحث الزعيمان خلال اللقاء العلاقات الثنائية وسبل دعمها وتعزيزها في المجالات المختلفة، وخاصة التنمية المستدامة، إضافة إلى عدد من القضايا الإقليمية والدولية محل الاهتمام المشترك.
كما التقى الزعيمان في 9 سبتمبر/أيلول الماضي في العاصمة الهندية نيودلهي على هامش مشاركتهما في أعمال القمة الــ 18 لمجموعة العشرين.
وبحث الزعيمان علاقات التعاون بين البلدين وسبل تنميتها وتطويرها في مختلف المجالات لما فيه الخير للجميع وبما يلبي التطلعات إلى التنمية والازدهار، وتبادلا وجهات النظر بشأن عدد من الموضوعات والقضايا محل الاهتمام المشترك، مؤكدين أهمية تعزيز التعاون لإيجاد حلول فاعلة للتحديات المشتركة والقضايا العالمية الملحة خاصة فيما يتعلق بالعمل المناخي والاستدامة وتحول الطاقة وغيرها.
وتعد تلك الزيارة السابعة لرئيس إندونيسيا للإمارات منذ توليه مقاليد الحكم في 2014، بحسب إحصاء لـ«العين الإخبارية»، حيث سبق أن زار الإمارات في ديسمبر/كانون الأول 2023، ويوليو/تموز 2022، ومايو/أيار 2022، ونوفمبر/تشرين الثاني 2021، ويناير/كانون الثاني 2020، وسبتمبر/أيلول 2015.
قمم ولقاءات تجسد التطور المتنامي في العلاقات بين البلدين، وتبرز الحرص المشترك على دفع هذه العلاقات إلى مستويات متقدمة من التعاون والتنسيق المشترك، وخصوصا بعد توقيع اتفاقية الشراكة الاقتصادية الشاملة بين البلدين ودخولها حيز التنفيذ مطلع سبتمبر/ أيلول الماضي، لتمثل نقلةً جديدةً ومهمةً في مسيرة الشراكة الاقتصادية والتنموية بينهما.
علاقات تاريخية
وترتبط دولة الإمارات وإندونيسيا بعلاقات ممتدة تسبق تاريخ التدشين الرسمي للعلاقات الدبلوماسية بين البلدين عام 1976م.
وافتتحت السفارة الإندونيسية في أبوظبي في 28 أكتوبر/تشرين الأول 1978م على مستوى القائم بالأعمال حتى تاريخ 29 مارس/آذار 1993م، حيث عينت إندونيسيا أول سفير لها لدى الدولة، فيما افتتحت عام 2003 قنصلية عامة في دبي، ومكتبا لترويج التجارة في الإمارات في العام نفسه، إضافة إلى مكتب لترويج الاستثمار تم افتتاحه في 2010م.
في المقابل، جرى افتتاح سفارة دولة الإمارات في جاكرتا يونيو/حزيران سنة 1991، بعد نحو عام من الزيارة التاريخية التي قام بها المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان إلى إندونيسيا مايو/أيار عام 1990م.
وفي إطار دعم ومساعدة الشعب الإندونيسي، افتتحت هيئة الهلال الأحمر الإماراتي مكتباً لها بجاكرتا في 1997م، لتقديم الدعم في المناطق التي تتضرر من الكوارث الطبيعية، وأسست دولة الإمارات مكتباً للخدمات القنصلية بجاكرتا في أغسطس/آب 2014م، بهدف تقديم خدمات قنصلية إلكترونية متميزة وسريعة، خصوصاً في مجال إرسال العمالة الإندونيسية للدولة، كما تم افتتاح الملحقية العسكرية في أبريل/نيسان 2019.
نقلة نوعية
وشهدت العلاقات بين البلدين نقلة نوعية خلال السنوات الأخيرة مع زيادة الزيارات المتبادلة على مستوى القيادة وكبار المسؤولين في البلدين، وتوجت تلك القمم والزيارات بتوقيع عشرات الاتفاقيات لتعزيز التعاون بين البلدين على مختلف الأصعدة، كان أبرزها توقيع اتفاقية الشراكة الاقتصادية الشاملة خلال زيارة الرئيس الإندونيسي للإمارات مطلع يوليو/تموز 2022.
وتؤسس الاتفاقية لمرحلة جديدة ونقطة انطلاق مهمة نحو المزيد من التعاون الاستراتيجي في مختلف القطاعات الحيوية، بما يسخر الإمكانات الكبيرة للبلدين لما فيه مصلحة ورخاء الشعبين الإماراتي والإندونيسي.
وتهدف اتفاقية الشراكة الاقتصادية الشاملة بين دولة الإمارات وإندونيسيا إلى تحفيز التجارة البينية بين البلدين من نحو 3 مليارات دولار سنوياً في عام 2021 وصولاً إلى أكثر من 10 مليارات دولار سنوياً في غضون خمسة أعوام من خلال خفض أو إزالة الرسوم الجمركية على مجموعة واسعة من السلع والخدمات، مما يخلق فرصاً جديدة للمصدرين والشركات من الجانبين.
وفيما كانت زيارة المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان لإندونيسيا في مايو/أيار 1990م نقطة تحول في مسار العلاقات الإماراتية – الإندونيسية، شكلت زيارة الشيخ محمد بن زايد آل نهيان لإندونيسيا في 24 يوليو/تموز 2019 دفعة قوية للعلاقات بين البلدين.
وتم خلال الزيارة توقيع 12 اتفاقية ومذكرة تفاهم بقيمة تتجاوز 9.7 مليار دولار عقب جلسة مباحثات رسمية.
وحظي الشيخ محمد بن زايد آل نهيان باحتفاء رسمي وشعبي لافت منذ وصوله إلى العاصمة الإندونيسية جاكرتا.
المباحثات التي أجراها الشيخ محمد بن زايد آل نهيان مع الرئيس الإندونيسي جوكو ويدودو في قصر بوغور الرئاسي عكست بشكل واضح حرص قيادتي البلدين على الارتقاء بمسار هذه العلاقات، وتوسيع آفاق ومجالات التعاون والعمل المشترك بينهما في مختلف المجالات.
كما أظهرت أيضا توافق رؤى الدولتين فيما يتعلق بمحاربة آفتي التطرف والإرهاب، والعمل معا على ترسيخ ونشر قيم التسامح، وضرورة مضاعفة المجتمع الدولي جهوده لتحقيق السلام والأمن في المنطقة والعالم.
وأكد الجانبان حرص دولة الإمارات العربية المتحدة وجمهورية إندونيسيا على توسيع آفاق ومجالات التعاون والعمل المشترك بينهما.
وخلال زيارة الشيخ محمد بن زايد آل نهيان لإندونيسيا نوفمبر/تشرين الثاني 2022، شهد الزعيمان توقيع مجموعة من الاتفاقيات ومذكرات تفاهم شملت العديد من جوانب التعاون الاقتصادي والبيئي والتكنولوجي بين البلدين الصديقين.
كما افتتح الشيخ محمد بن زايد آل نهيان جامع الشيخ زايد الكبير في مدينة سولو، بحضور الرئيس جوكو ويدودو.
وقال خلال الافتتاح إن هذا المسجد يعداً تجسيداً لما يجمع البلدين من تعاون في نشر رسالة الإسلام الصحيحة التي تدعو إلى السلام والبناء والتنمية.
وتشكل الإمارات وإندونيسيا نموذجيين حقيقيين في مجال تطبيق مفاهيم التسامح، حيث نجحت إندونيسيا في صهر التعدد العرقي واللغوي والديني الناتج عن طبيعية الجمهورية التي تتشكل من أرخبيل يضم أكثر من 17 ألف جزيرة يتحدث سكانها بأكثر من 700 لغة، إلى فرص تخدم أهدافها التنموية، وهو ذات النموذج الذي قدمته الإمارات عبر احتواء أكثر من 200 جنسية على أرضها تتوافر لهم كافة الحقوق والواجبات التي تكفل تعايشهم بسلام، قبل أن تتحول الإمارات إلى إحدى أهم منارات التسامح في المنطقة عبر استضافة العديد من المناسبات والمؤتمرات وإطلاق العديد من المبادرات المرتبطة بتعزيز ونشر مفهوم التسامح في العالم.
ويتفق البلدان على أهمية نشر مفهوم التسامح منذ وقت مبكر، حيث أصدرا في 2015 بياناً مشتركا في اختتام زيارة للرئيس الإندونيسي جوكو ويدودو لدولة الإمارات أكدا خلاله أن تحقيق السلام والأمن والاستقرار في العالم يتطلب نشر الصورة الصحيحة عن الإسلام، وتشجيع الحوار بين الأديان لجمع الشعوب المختلفة الأعراق والثقافات والأديان.
aXA6IDEzLjU4LjE4LjEzNSA=
جزيرة ام اند امز