كيريينكو.. التكنوقراط الهادئ الذي يحوّل أفكار بوتين لأفعال

من بين الدائرة الصغيرة المحيطة بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين يبرز اسم سيرغي كيريينكو الذي يتولى إدارة الجوانب السياسية لحرب أوكرانيا.
على مدار أكثر من 3 سنوات من الحرب في أوكرانيا لعب كيريينكو دورا بارزا في روسيا فهو الرجل الذي يحول أفكار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى أفعال.
وعلى الرغم من لقبه المتواضع كنائب أول لرئيس أركان بوتين، يُمثل كيريينكو جانبًا غير مُقدّر من كيفية ممارسة الرئيس الروسي للسلطة، حيث يُشكل جزءًا من كادر من المديرين المهرة والمخلصين الذين يُديرون جهاز الدولة الروسية المترامي الأطراف وذلك وفقا لما ذكرته صحيفة "نيويورك تايمز الأمريكية.
ونقلت الصحيفة عن رجل أعمال روسي قوله إن كيريينكو البالغ من العمر 63 عاما يترك انطباعا بأنه "بيروقراطي هادئ وطموح يعمل لحل المشكلات التقنية الملموسة".
ووفق "نيويورك تايمز" فإن كيريينكو يشرف على جهود حكومية واسعة النطاق لتشديد قبضة بوتين على البلاد وعلى المناطق التي تسيطر عليها موسكو في أوكرانيا.
وطوال الحرب، اعتمد بوتين على كيريينكو لإدارة الجوانب السياسية للحرب وفي الأشهر القليلة الماضية تولى بعض مهام مسؤول آخر بالكرملين كان قد عارض حرب أوكرانيا وامتد نفوذ الرجل ليشمل جهودًا لإعادة دمج قدامى المحاربين الأوكرانيين في الحياة المدنية، ودفع الروس إلى استخدام تطبيق مراسلة تابع للدولة بدلًا من التطبيقات الغربية.
وإذا أفضت القمة المرتقبة بين بوتين والرئيس الأمريكي دونالد ترامب يوم الجمعة المقبل في ولاية ألاسكا الأمريكية إلى اتفاق لإنهاء القتال في أوكرانيا، فمن المرجح أن تتضمن مهام كيريينكو تسويق أي تسوية على أنها انتصار للروس.
وبحسب مقابلات أجرتها "نيويورك تايمز"، قال أكثر من 12 زميلًا سابقًا وشخصيات روسية تعرف كيريينكو إن براعة الرجل في أدق تفاصيل السيطرة والنفوذ ساعدته في ترسيخ آلية حكم بوتين.
وقال أحد مساعديه السابقين إنه لاحظ مهارة كيريينكو في إدارة شؤون الموظفين وفي الحفاظ على رضا رؤسائه قبل ثلاثة عقود، عندما كان نائبًا لوزير الطاقة وأضاف أنه "شخص لا يحاول تنفيذ أي من خططه أو أفكاره الخاصة، بل ينفذ مهامه ببساطة ووضوح".
وكيريينكو حاصل على الحزام الأسود من الدرجة السادسة في الأيكيدو، وهو فن قتالي ياباني يركز على تسخير طاقة الخصم وتحويلها ضده كما كشف اهتمامه بالمنهجية، وهي مدرسة فلسفية من الحقبة السوفياتية تُمكّن من هندسة المجتمع وإدارته وتحويله من الأعلى.
وفي خضمّ صخب السياسة الروسية الحديثة، تحول تركيز كيريينكو على السلطة إلى تحالفات متغيرة وإعادة ابتكار متكررة فقال في مقابلة سابقة "في لعبة بلا قواعد، يفوز من يضع القواعد".
وفي عام 1998، كان كيريينكو في الخامسة والثلاثين من عمره عندما أصبح رئيسًا لوزراء روسيا لفترة وجيزة وبسبب صورته الشابة وصعوده الصاروخي اكتسب الرجل لقب "مفاجأة كيندر"، وهو تلاعب باسم حلوى أطفال أوروبية.
وبعد فقدانه منصبه بسبب تخلف روسيا عن سداد ديونها، شارك كيريينكو في تأسيس حزب يدعو إلى إصلاحات اقتصادية على النمط الغربي وأخذ دورة مكثفة في الأدب لجذب الطبقة المتوسطة الحضرية، وقرأ 5 كتب أسبوعيًا وذلك في خضم حملته الانتخابية عام 1999 لمنصب عمدة موسكو والبرلمان الروسي، وذلك وفقًا لما ذكره مارات أ. جيلمان، مدير حملته آنذاك.
وقال جيلمان، الذي انقلب لاحقًا على بوتين ويعيش الآن في برلين إن كيريينكو "كان سريع الإدراك وسريع التغيير".
وبعد فوز بوتين بالرئاسة عام 2000، غيّر كيريينكو موقفه مرة أخرى واستقال من البرلمان للعمل في الكرملين.
وبعدما استقر في دوائر الكرملين، أدار كيريينكو شركة روساتوم للطاقة النووية وهي إحدى أكبر الشركات الحكومية وذلك في الفترة من عام 2005 وحتى عام 2016.
وخلال تلك السنوات، وطّد كيريينكو علاقته مع قطب المصارف والإعلام، يوري ف. كوفالتشوك الذي يعد أحد أقرب أصدقاء بوتين والذي يُقال إنه هو من أقنع الرئيس الروسي بإعادة كيريينكو إلى الكرملين حيث جرى تكليفه بمهمة ترسيخ شرعية الرئيس.
وبصفته النائب الأول لرئيس الأركان المشرف على السياسة الداخلية، خطط كيريينكو لاختيار المرشح المفضل للكرملين لمنصب حاكم كل منطقة من مناطق روسيا التي يزيد عددها على 80 منطقة، واختيار المرشحين المفضلين لشغل أكثر من 600 مقعد في البرلمان كما عمل على إدارة حملة إعادة انتخاب بوتين في عامي 2018 و2024.
كما أجرى كيريينكو مسابقات لتحديد الأجيال القادمة من التكنوقراط والتي تضمنت اختبارات القدرات عبر الإنترنت.
وبعد بدء الحرب، بدأ كيريينكو السفر إلى المناطق التي تسيطر عليها روسيا في أوكرانيا وزار المستشفيات والمدارس وعمل على تنظيم الاستفتاءات في تلك المناطق بشأن الانضمام إلى روسيا.
وداخل روسيا، عمل كيريينكو على حشد الدعم الشعبي لبوتين فيما يتعلق بالحرب فأعدت مديرية المشروعات العامة، وهي وحدة تُركز على المبادرات الوطنية ويشرف عليها كيريينكو، دروسًا دعائية لأطفال المدارس الروسية كما عزز الدعم الحكومي للفنانين الروس المؤيدين للحرب.
ومع تبنيه سياسات بوتين في الحرب وتنفيذها، يزداد نفوذ كيريينكو الذي يواصل نجمه الصعود في الكرملين.
aXA6IDIxNi43My4yMTYuOSA= جزيرة ام اند امز