ستشكل الغارة الإسرائيلية على العاصمة القطرية الدوحة في التاسع من سبتمبر/أيلول، لمحاولة اغتيال قادة حماس، تحولات كبيرة.
كما أنها تؤكد استمرار رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وحكومتهِ اليمينية بانتهاك الشرعية الدولية والقانون الدولي الإنساني "قانون الحرب"، وندلل على تحولات وأبعاد هذه الغارة من خلال المستوى الداخلي الإسرائيلي، والمستوى الدولي والإقليمي وأخيرا تناول قاعدة مسار التعاطي القطري مع إسرائيل.
بداية على المستوى المحلي الإسرائيلي، نجد دون أدنى شك، أن حكومة نتنياهو هادفةً إلى القضاء على قادة وحركة حماس في أي مكان من العالم وتحت أي سيادة من الدول.
وواضح للعيان أن حكومة نتنياهو اليمينية المتطرفة تعمل على تهجير أهل غزة، والتي سيعقبها في حالة النجاح الضفة الغربية، الأمر الذي سيشعل المنطقة في صدامات مسلحة، فقد وقع نتنياهو على توسيع المستوطنات قرب القدس مؤخراً، كما أنه صرح بعد الهجوم على الدوحة بأنه لن تكون هناك دولة فلسطينية.
وعلى المستوى الدولي الإقليمي، هناك إدانة دولية كبيرة على ما قامت به إسرائيل، وهذه الإدانة تأتي في مسار توتر علاقات الكثير من الدول مع إسرائيل وتزايد رفع قضايا ضدها في ارتكاب الجرائم الإنسانية والإبادة العرقية ومحاولة تهجير شعب غزة؛ وذلك بسبب التعامل مع "السابع من أكتوبر/تشرين الأول" عبر الإفراط في استخدام القوة العسكرية المدمرة، والتي تتصادم مع القانوني الدولي الإنساني "قانون الحرب".
وفي الصعيد الدولي والإقليمي أيضا، فإن زيارة الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس دولة الإمارات، كأول زيارة للدوحة بعد الحدث، أكدت أن أمن قطر جزء لا يتجزأ من أمن دول الخليج.
وفي التباحث في أبعاد تداعيات الهجوم على استقرار المنطقة وتحقيق السلام ووقف حرب غزة وإحياء فرص السلام، ستعقد القمة العربية الإسلامية الطارئة في يومي الأحد والإثنين بالدوحة.
ومازلنا على المستوى الدولي، حقيقةً، إن هذه الغارة وانتهاك سيادة قطر وقطع دورها في المساعي الحميدة الدولية والتفاوض والوساطة، ومع وجود القاعدة الأمريكية، علاوة على مكانتها كحليف رئيسي من خارج الناتو لواشنطن، ناهيك عن أدوارها الدبلوماسية الناجحة مثل الانسحاب الأميركي من أفغانستان، وما تمثله من قوة استثمارية وتجارية، فكل ذلك يطرح أفكارا وطرقا ستشجع دول مجلس التعاون وغيرها على تعزيز علاقاتها أكثر مع دول كبرى كروسيا والصين مع أهمية العلاقات الأمريكية، كما سترفع من علاقاتها البراغماتية المادية مع أطراف معينة، مقابل كونها ستعزز من علاقاتها الدولية عبر محددات لا تحكمها البراغماتية بشكل كبير بحيث يكون هناك حضور للجوانب الثقافية والشؤون الإنسانية والاجتماعية والتبادل المعرفي والتقارب الجغرافي، فهذه الجوانب غير المادية ستعمل على تعزيز العلاقات الاستثمارية والتجارية والأمنية، وعندها ستكون العلاقات أكثر قوة وصلابة.
ونأتي هنا إلى استخلاص الحقائق حول مسار التعاطي القطري الإسرائيلي، الذي قام على بيئة مفاوضات السلام ودعمها، فقد شكل مسار مفاوضات السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين بعد تحرير الكويت دافعاً قوياً لفتح أبواب نحو علاقة تدعم قيام دولة فلسطينية وتقود إلى استقرار في المنطقة، ففي بيئة استمرار المفاوضات تكون مسار العلاقات القطرية الإسرائيلية، فقد افتتح رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك شيمون بيريز مكتبًا تجاريًا إسرائيليًا في الدوحة بدعوة من أمير قطر، وفي نفس رحلة بيريز إلى قطر في أبريل 1996 افتتح مكتبا تجارياً إسرائيلياً في مسقط بشكل رسمي.
ونشطت الدوحة إقليمياً كلاعب دولي يملك قوة ناعمة عبر الدبلوماسية والمساعي الحميدة والقدرة الاقتصادية والتجارية، حيث تم استضافة القمة الاقتصادية للشرق الأوسط وشمال أفريقيا (MENA) في نوفمبر 1997 بالدوحة، والذي شاركت فيها تل أبيب، ومن الأهمية ذكر أن هذه القمة (MENA) هي ناتجة عن دعم الولايات المتحدة وروسيا لعقد مؤتمر سلام شامل في مدريد لجمع إسرائيل والعرب، والذي أخرج مسارين تفاوضين، الأول يجمع إسرائيل بجوارها من (فلسطين، الأردن، سوريا، لبنان)، والمسار الآخر هو المتعدد الأطراف، بمشاركة دول إقليمية ودولية، لبحث قضايا غير سياسية مثل: المياه، البيئة، اللاجئين، والتعاون الاقتصادي.
واتسعت فعالية قطر في القضية الفلسطينية من خلال وجود علاقات مع إسرائيل غير رسمية في اندلاع انتفاضة 2000، كما إن إسرائيل قبلت دور قطر في قضايا المنطقة، ففي عام 2005، دعمت تل أبيب قطر في ترشحها لعضوية مجلس الأمن الدولي، وفي عام 2006، لعبت الدوحة دوراً دبلوماسياً فعالاً في المساعدة على إنهاء حرب إسرائيل وحزب الله عبر قرار مجلس الأمن رقم 1701، حيث كانت تتولى رئاسة مجلس الأمن.
وعلى الرغم من تجميد وإغلاق المكتب التجاري الإسرائيلي في الدوحة 2009، بسبب حرب غزة، إلا أن العلاقات كانت مستمرة في الزيارات والتجارة غير المباشرة.
ومع انتقال مكتب حماس إلى الدوحة 2012، استطاعت قطر في مسارات علاقاتها الدولية والإقليمية من إيصال الدعم القطري لتعزيز سبل الحياة في قطاع غزة، والذي شكل لها دوراً إقليمياً ودولياً وإنسانياً، مقابل ذلك، كانت إسرائيل آنذاك في حالة إدارة الصراع مع حماس ومع طهران الداعمة لها، وتعمل على خفض وتأجيل الصدامات المسلحة مع حماس.
ختاماً، علينا ادراك هذه الحقيقة، إن استمرار حكومة نتنياهو اليمينية والفشل في إسقاطها عبر إطار القانون الإسرائيلي الديمقراطي يكشف مدى قوة وحضور الفكر الديني المتطرف داخل المجتمع اليهودي والإسرائيلي، فليس كل ما تنتجهُ الانتخابات الديمقراطية يخدم التسامح والسلام والاستقرار داخليًا وخارجيًا، بقدر ما يعكس الواقع والحقيقة لهوية ومعتقدات الناخبين ومجتمعهم.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة