حشد روسي مكثف على حدود أوكرانيا.. خداع أم استعداد للغزو؟
أثارت صور أقمار صناعية تظهر قيام روسيا بتعزيز وجودها العسكري على طول حدودها مع أوكرانيا تساؤلات حول نواياها تجاه كييف.
غلين غرانت، أحد كبار المحللين في مؤسسة البلطيق للأمن والمتخصص في القضايا العسكرية الروسية يقول في حديث لـ"فرانس24": "هذه الصور أنها تظهر أكبر خدعة في التاريخ العسكري الحديث أو هي ترجمة لرغبة روسية حقيقية في إظهار درجة استعدادها للقيام بعملية عسكرية ضخمة".
غرانت لا يخفي تشاؤمه بخصوص إمكانية حدوث حرب بين روسيا وأوكرانيا. ويعتقد أن صور الأقمار الصناعية الجديدة التي نشرتها مؤسسة التصوير الفضائي الأمريكية "ماكسار" الخميس الماضي 10 فبراير/شباط "تضيف عناصر جديدة مقلقة إلى وضع قاتم أصلا".
تحركات عسكرية روسية
مؤسسة ماكسار الأمريكية تنشر بانتظام في الأشهر الأخيرة صورا من الفضاء تُظهر انتشار قوات ومعدات عسكرية إضافية في ثلاث مناطق استراتيجية وهي: شبه جزيرة القرم، ومنطقة محاذية لمعسكر تدريب كورسك، ومنطقة ثالثة في بيلاروسيا تقع على بعد مئات الكيلومترات من المكان الذي تجري فيه تدريبات عسكرية روسية بيلاروسية منذ الخميس الماضي.
أهم تعزيز للجنود الروس كان في شبه جزيرة القرم، الواقعة جنوب أوكرانيا والتي ضمتها روسيا في عام 2014، حيث يتمركز المئات من المقاتلين وما لا يقل عن 500 خيمة وعربة عسكرية بحسب ما أظهرته صور الأقمار الصناعية، في هذه المنطقة الواقعة شمال عاصمة القرم سيمفيروبول. كما وصلت عربات مدرعة إلى شمال شبه جزيرة القرم، على مقربة من بلدة سلافان الساحلية.
ويأتي هذا الانتشار الجديد تزامنا مع وصول جزء من أسطول عسكري روسي إلى البحر الأسود يضم قوارب هجومية برمائية. "وهو ما قد يعتبر وسيلة ضغط إضافية على كييف، ولكن إرسال هذه السفن الحربية الروسية إلى الجنوب مكلف للغاية، وإرسالها بالتزامن مع انتشار أعداد جديدة من الجنود في شبه جزيرة القرم قد يعني إمكانية التدخل إذا اقتضى الأمر" على حد تعبير الخبير غرانت.
ويعتقد المحلل أنه من الضروري تحليل هذا النشاط العسكري الروسي على طول الحدود مع أوكرانيا في سياق أوسع، ويضيف: "إلى الآن، أظهرت صور الأقمار الصناعية مجموعات عسكرية متمركزة في الثكنات. لكن اليوم شرع بعض هؤلاء الجنود في الاقتراب من الحدود. وهو لا يعني بالضرورة شن هجوم وشيك، لكن هؤلاء الجنود لا يمكنهم البقاء على الطريق إلى أجل غير مسمى، بدون القيام بنشاط ما".
كما تظهر تلك الصور ولأول مرة "إنشاء مستشفى ميداني، وهو ما يعتبر وسيلة ضغط إضافية حيث إن موسكو قد تشير بذلك إلى احتمال أنها تدرس فرضية حدوث قتال وضرورة العناية بالجرحى في ساحة المعركة" ، كما تضيف تريسي جيرمان، المتخصصة في العمليات العسكرية الروسية في كينغز كوليدج لندن، في تصريح لفرانس24.
حشد في بيلاروسيا
كما أن إرسال حشود جديدة لتعزيز القوات الموجودة في معسكر تدريب كورسك، ووجود القوات المسلحة الروسية وخصوصا المدرعات في هذا المكان، أثار قلق المراقبين منذ نهاية ديسمبر/كانون الأول 2021.
هذا المعسكر يوجد على خط مستقيم شمال خاركوف، التي تعد ثاني أكبر المدن الأوكرانية، وهذا ما قد يجعلها "هدفا استراتيجيا" للروس إذا نشبت الحرب، كما تشير صحيفة نيويورك تايمز. وتوضح تريسي جيرمان: "هناك طريق سريعة تربط بين كورسك وخاركوف وهو ما قد يسهل الإمدادات والأمور اللوجستية".
وتواصل موسكو إخلاء جبهتها الشرقية من خلال إرسال المزيد من الجنود من سيبيريا إلى بيلاروسيا.
ولم يقتصر الانتشار العسكري الروسي على الجنود فحسب بل رأينا لأول مرة، طائرات هليكوبتر في صور الأقمار الصناعية، في قاعدة جوية قرب بلدة غوميل الواقعة على بعد 25 كيلومترا من الحدود مع أوكرانيا"، كما تلاحظ شبكة (سي إن إن) الأمريكية. "هذه مروحيات قتالية، تعمل كدبابات طائرة في صلب الجيش الروسي"، كما يعتقد غرانت.
ويعد ذلك اختيارا استراتيجيا لأنه "من الصعب عبور الدبابات التقليدية الحدود بين بيلاروسيا وأوكرانيا بسبب التضاريس الصعبة" بحسب عوفر فريدمان، المتخصص في القضايا العسكرية الروسية في كينغز كوليدج لندن، في حديث لفرانس24. خصوصا أن مستنقعات بينسك تمتد على طول جزء هام من الحدود بين بيلاروسيا وأوكرانيا. وتضيف صحيفة "واشنطن بوست" أنه "اعتبارا من مارس/آذار ستصبح هذه المنطقة موحلة للغاية، مما يعقد حركة القوات البرية".
وبحسب شبكة (سي إن إن) "فقد أصبحت التعزيزات الجديدة على بعد 300 كيلومتر شرقي المنطقة التي تجري فيها روسيا وبيلاروسيا تدريبات مشتركة منذ الخميس الماضي". ويقول غرانت "يبدو كما لو أن موسكو تريد لفت انتباه الغرب إلى المنطقة التي تجري فيها هذه التدريبات على أمل ألا ينظر إلى مكان انتشار القوات الأخرى على طول الحدود".
تحركات لاستهداف الناتو؟
لكن هل تسمح لنا التحركات العسكرية الروسية الجديدة كما أوضحتها صور الأقمار الصناعية ماكسار بمعرفة المزيد عن نوايا موسكو؟ "إذا قارنا هذه الصور مع تلك التي التقطت قبل شهرين، فمن الواضح أن الجو العام يبدو أكثر عدوانية ويعطي انطباعا بمستوى أكبر من الاستعداد الروسي"، كما تقول جيرمان.
ويقول المحللون الذين حاورتهم فرانس24 "إن انتشار القوات الروسية في كل مكان، من جنوب الحدود إلى شمالها، يمكن أن يؤدي أيضا إلى خلط الأوراق. فموسكو كانت واضحة منذ البداية في إظهار قدرتها على تجميع قواتها سرا؛ ومن خلال توسيع خيارات الهجوم المحتمل، يأمل الجيش الروسي في خداع الأوكرانيين وحلفائهم وتمويه موقع ضربته الأولى.
لكن وللمفارقة قد تعتبر "عسكرة الحدود المفرطة" تلك إشارة إلى عدم احتمال حدوث قتال، بحسب فريدمان، والذي يستطرد قائلا "ربما ترغب موسكو في استهداف أوكرانيا أو الناتو. وفي هذه الحالة يجب أن تفكر في الطريقة الأكثر نجاعة وسرعة لإضعاف هذه المنظمة".
ولن يكون هذا، بحسب رأيه، من خلال غزو أوكرانيا، بل عبر "الحفاظ على مستوى توتر عسكري دائم وقوي على الحدود". وعلى حد تعبير لاعب الشطرنج الشهير آرون نيمزوفيتش، في أحد أعماله الخاصة بنظريات لعبة الشطرنج وهو كتاب "النظام الذي اتَّبِعه"، فإن "التهديد بفعل ما هو أشد وطأة من تنفيذه".
في هذه الحالة تحديدا، فإن الوجود القوي والمتزايد للجيش الروسي على الحدود الأوكرانية قد يكون "طريقة للتلاعب بأعصاب دول الناتو وإجبارها على الكشف عن مواقفها" كما يعتقد هذا المتخصص. الذي يضيف "لقد رأينا بالفعل أن هناك خلافات بين مواقف الدول المنضوية ضمن حلف الناتو، حيث تُظهر الولايات المتحدة وبريطانيا استعدادا أكبر لدعم أوكرانيا عسكريا أكثر من ألمانيا. في حين حاولت فرنسا بمفردها لعب الورقة الدبلوماسية. ويختم فريدمان بأن "الناتو كان يعاني بالفعل من نقاط ضعف في السابق، ومن المحتمل أن روسيا تأمل في أن ينهار الحلف من الداخل إن حافظت على مستوى كاف من الضغط".