غبار يمتد لـ272 يوماً.. العراق يعاني ويخشى السيناريو الكارثي
رغم العواصف الترابية لا يستطيع عامل التوصيل "ميلاد" تحمّل خسارة يوم عمل، ومثل الغالبية العظمى من العراقيين لا يخفي سأمه من هذه الظاهرة.
للتنقل في شوارع بغداد على دراجة نارية وتوصيل وجبات الطعام للزبائن، يقوم الشاب البالغ من العمر 30 عاماً بتجهيز نفسه قدر الإمكان فيضع نظارات للاحتماء من الغبار وغطاء رمادي للرقبة يسحبه فوق فمه وأنفه ليتمكن من التنفس.
مع هبوب عشرات من هذه العواصف منذ منتصف أبريل/نيسان، ألف أهل العراق الاستيقاظ على سماء رمادية يعكرها الغبار - هذا عندما لا تلف هالة برتقالية مدن البلاد.
في كثير من الأحيان اضطرت المطارات إلى تعليق رحلاتها بسبب تدني الرؤية. ومجدداً علّق مطار بغداد الدولي الأحد رحلاته لساعات.
وأعلنت وزارة الصحة، الإثنين، عن توجه أكثر من 500 شخص إلى المستشفيات في مختلف أنحاء البلاد بسبب مشاكل في الجهاز التنفسي، غداة هبوب عاصفة رملية جديدة.
ويقول ميلاد في إحدى ساحات بغداد المكتظة: "أول سنة تكثر فيها العواصف الترابية". فخلال أول يوم أحد من شهر يوليو/تموز، كان عليه تحمل درجات حرارة تصل إلى 40 درجة مئوية وعاصفة ترابية جديدة.
يضيف الشاب الثلاثيني: "الرؤية غير واضحة. وتشعر بأنك تختنق من الحر. تختنق ولا تستطيع التحمل وعليك شرب العصائر والسوائل حفاظاً على سلامتك".
"ميلاد" متزوج ولا يمكنه التغيب عن شغله الذي يحصل من خلاله على راتب شهري قدره 600 دولار.
ويوضح: "لا يمكنني أن أوقف العمل لدي عائلة وعليّ أن أتحمّل هذه المسؤولية".
ربو ومشاكل في الجهاز التنفسي
رغم الحرارة الشديدة في مدينة تنتصب فيها المباني الخرسانية، يزداد عدد المارة الذين يضعون أقنعة - في بلد لم يستخدم فيه معظم السكان الكمامات خلال جائحة كوفيد-19.
في مايو/ أيار، أسفرت العواصف الرملية عن مصرع شخص بينما تلقى ما لا يقل عن 10 آلاف شخص العلاج في المستشفى بسبب مشاكل في الجهاز التنفسي.
وتضرر بشكل رئيسي المسنون والمصابون بالربو أو بخلل في الجهاز التنفسي وأمراض القلب والذين يعتبرون الفئات الأكثر عرضة للخطر، وفقًا للسلطات الصحية.
ويقول الطبيب سيف علي عبد الحمزة رئيس الأطباء المقيمين في مستشفى الكندي: "ازدادت شدة العاصفة كثيرًا.. وخلال الأسابيع القليلة الماضية ازدادت الأيام التي تحدث فيها العواصف ومن ثم نسبة حالات الاختناق نتيجة لها".
ويضيف: "أغلبية المرضى يعانون من أمراض مزمنة مثل الربو والتحسس القصبي وغالبيتهم من كبار السن".
"غسل المنزل بأكمله"
وتقول السلطات إن العراق واحد من الدول الخمس الأكثر عرضة لتأثيرات التغير المناخي والتصحر، وهي من العوامل وراء تكاثر العواصف الرملية.
على مدى العقدين المقبلين من المتوقع أن تشهد البلاد "272 يومًا من الغبار" سنويًا وفي عام 2050 سيتم الوصول إلى عتبة 300 يوم وفقًا لمسؤول من وزارة البيئة.
ومن الإجراءات الموصى بها لمكافحة هذه الظاهرة، ذكرت السلطات إنشاء أحزمة خضراء حول المدن. لكن الدولة التي يبلغ عدد سكانها 41 مليون نسمة تعاني أيضًا من نقص المياه وانخفاض هطول الأمطار.
ويقول رزاق جاسم وهو كهربائي "كان لدينا من قبل حزام أخضر حول بغداد وسيعود بالفائدة إذا أعيد زرعه" مشيرا إلى "تقصير" من قبل السلطات. ويضيف "لدينا المليارات تنفق على أمور تافهة" في بلد غني بالمحروقات.
يضيف جاسم أنه اعتاد على العواصف حتى لو أدت إلى تعقيد وإبطاء وتيرة العمل.
ويقول أثناء استراحة في محل يتولى فيه تركيب الإضاءة "تضع كمامة، وهي مزعجة قليلا تشعر معها وكأنك تختنق وتريد نزعها. تنزعها فتتنشق التراب. فتعيدها. نحن نغسل وجهنا وفمنا كل ساعة".
أما المنازل فتحتاج لأعمال التنظيف المستمرة. ويقول "كل ما تزول عاصفة نقوم بحملة لغسل البيت كله. مهما كان البيت مقفلا يدخله التراب".
لكن الرجل البالغ من العمر 35 عامًا والمتزوج ولديه ثلاثة أطفال يقول إن لا مجال للاستسلام.
ويضيف "كل شيء عندنا أصبح بالمال.. لم يعد للحكومة أي شيء تقدمه لنا.. عندما نموت سنتوقف عن العمل. ما دمنا على قيد الحياة علينا مواصلة العمل".