سركون بولص.. "حامل الفانوس في ليل الذئاب"

منذ تسع سنوات وقصيدته تضيء وتتجد وتؤكد حضورها وفاعليتها وعبورها للزمن لتظل على الدوام في قلب الحداثة العربية.
منذ تسع سنوات وقصيدته تضيء وتتجد وتؤكد حضورها وفاعليتها وعبورها للزمن لتظل على الدوام في قلب الحداثة العربية فانوساً يضيء في التجربة الشعرية الراهنة وتحديداً شعراء جيل الألفية الثالثة.
سركون بولص، ذلك المعلم الصامت المتواري خلف نصه، بينما نصه "قصيدته" تقول وتصرخ وتقود وتشتعل في عتمات مجهولة في مهمة اكتشاف وابتكار لتحقق الفرادة لتجربتها.
بولص، الذي حلت السبت ذكراه التاسعة، شاعر يؤمن بالنص الفرد ولا يهمه كثيراً جمع ما يكتب من نصوص في مجموعات شعرية مطبوعة فالشعر، والقول للشاعر، لا يعني أي شيء عندما يكون مجرد نتاج وملء صفحتي كتاب لذلك فعدد مجموعاته الشعرية بسيط مقابل قصائده المنشورة في المجلات والدوريات الثقافية، فها هو يقول: "لدي قصائد منشورة من الممكن أن تكون أكثر من كتاب، ولكني لم أجمعها على الإطلاق، فأنا لست شاعراً نظامياً، أنا شاعر من نوع آخر".
اجترح الشاعر، المولود في بلدة الحبانية- بغداد، لنفسه فهماً وأسلوباً خاصاً في قصيدته، فلم يعول كثيراً على ما صدر من تنظير نقدي حول قصيدة النثر العربية، وكذلك التجارب الكثيرة التي ظهرت في مطلع القرن العشرين، فضربت قصيدته، كما أراد لها، أعماق الوعي العربي بصوت لم يعهده قارئ، فهو الطامح لتغيير الوعي بمعنى الشعر وجدواه دون أن يفترض قطيعة مع الشعر العربي القديم، وتأكيداً على ذلك قوله في إحدى حواراته الصحافية:
"أعتقد أنني ألبي دعوة مضمرة في قصائد أعظم شعراء التراث العربي وهم برأيّ إمرؤ القيس، عمر ابن أبي ربيعة، أبو تمام، المتنبي، أبو نؤاس، المعري، وابن الرومي.. إذا قرأنا هؤلاء الشعراء وتخلينا في الوقت نفسه عن النظرة السائدة لهم، لوجدنا أنهم كانوا يطمحون إلى تغيير الوعي بمعنى الشعر وبجداوه، كل في طريقته، ورغم أنه كان شعراً موزوناً، ولكن الوزن ما هو إلا قواعد معينة حدث أنها أصبحت طريقتهم في التعبير في زمانهم ولحظتهم التاريخية، نحن أيضاً لنا زماننا المعين ولحظتنا التاريخية، وإذا قرأنا هؤلاء الشعراء بأذن جديدة لوجدنا أن جوهر اهتمامهم كان نثرياً، أي أن فلسفتهم كانت أصلاً تعتمد على المنطق النثري في الأشياء".
كتب سركون بولص الشعر وهو دون العشرين من عمره، وكان الشعر الدافع وراء تنقلاته وأسفاره الكثيرة، فقد لقبه الشاعر أنسي الحاج بــ "الآشوري التائه"، حيث بدأ رحلة التيه منذ غادر كركوك إلى بغداد ومنها إلى دمشق ثم بيروت لتضمه مجلة شعر إلى شعرائها المكرسين، لكن ما لبث حتى انتقل إلى سان فرانسيسكو ليستقر به المقام هناك، ولتكون بداية رحلاته إلى عواصم أوروبية عديدة كتب بها العديد من مجموعاته الشعرية، ونقل إلى العربية للعديد من شعرائها وأدبائها، وكان إلى جانب أهميته كشاعر مترجماً مهماً له إسهاماته في نقل الأدب العالمي إلى العربية، وأشهر ترجماته قصيدة "عواء" للشاعر الأمريكي ألن غينسبرغ".
صدر للشاعر الذي توفي في برلين بعد صراع مع مرض السرطان ديوانه الأول "الوصول إلى مدينة أين"، "الحياة قرب الأكروبول"، "الأول والتالي"، "حامل الفانوس في ليل الذئاب"، "إذا كنت نائماً في مركب نوح"، "العقرب في البُستان"، "عظمة أخرى لكلب القبيلة"، كما صدر له ديوان بالإنجليزية بعنوان "شاحذ السكاكين" مع مقدمة للشاعر أدونيس.
من قصيدته "تحولات الرجل العادي" نقرأ:
"أنا في النهار رجل عادي يؤدي واجباته العادية دون أن يشتكي/ كأي خروف في القطيع لكنني في الليل نسر يعتلي الهضبة وفريستي ترتاح تحت مخالبي/ حمامة مسافرة.. إليك لك كل الدفء/ هذه الساعة التي ستدنينا أو تفرقنا، أو تذكرنا بأن ليلتنا هذه قد تكون الأخيرة، وتعرف أنها خسارة أخرى سيعتاد عليها القلب مع الوقت/ فالوقت ذلك المبضع في يد جراح مخبول سيعلمنا ألا ننخدع بوهم الثبات".
aXA6IDIxNi43My4yMTYuMTI2IA==
جزيرة ام اند امز