السعودية والعراق.. علاقات استراتيجية تطيح بمؤامرات إيران في المنطقة
زيارة رئيس وزراء العراق إلى السعودية وتوقيع 13 اتفاقية وتعزيز العلاقات الاسترتيجية بين البلدين يصفع النظام الإيراني.
مباحثات مهمة أجراها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز وولي عهده الأمير محمد بن سلمان، على مدار يومي الأربعاء والخميس، مع رئيس الوزراء العراقي عادل عبدالمهدي في أول زيارة للمملكة منذ توليه المنصب.
- الجبير يناقش مع وزير خارجية العراق القضايا الإقليمية والدولية
- السعودية والعراق.. أول اجتماع للجنة الشؤون السياسية والعسكرية
ووقع عبدالمهدي منذ توليه منصبه في أكتوبر/تشرين الماضي، 13 اتفاقية ومذكرة تفاهم لتعزيز التعاون بين البلدين، وعقد أول اجتماع للجنة الشؤون السياسية والعسكرية، وذلك بعد أسبوعين من زيارة وفد سعودي رفيع للعراق.
كما شهدت السعودية والعراق خلال الأيام الماضية، عقد الدورة الثانية لمجلس التنسيق المشترك، وافتتاح السعودية، قنصليتها في بغداد 4 أبريل/نيسان الجاري، ضمن خطة لافتتاح 3 قنصليات أخرى.
تلك المباحثات المهمة والاجتماعات المتواصلة والزيارات المتبادلة خلال وقت قصير، تعكس التطور المتسارع الذي تشهده العلاقات بين البلدين، وإدراك مشترك لأهمية تطويرها ورفع مستوى التنسيق بينهما.
تطوير العلاقات عبر عنه رئيس الوزراء العراقي عادل عبدالمهدي حينما أكد أن تنمية العلاقات مع السعودية أصبحت حاجة ملحة لبلاده وللمنطقة لتحقيق السلم والازدهار.
في الوقت نفسه، أكد ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، أن بلاده تضع كل إمكاناتها وخبراتها في خدمة العراق وشعبه ورفع مستوى التعاون معه، معربا عن تطلعه لأنْ يأخذ العراق المكانة التي يستحقها في محيطه العربي والإقليمي.
تصريحات قيادات البلدين تعكس أهمية تعزيز التعاون بين البلدين ليس على صعيد العلاقات الثنائية فحسب، بل على مستوى أمن واستقرار المنطقة، ووقف مؤامرات إيران وتدخلها السافر في شؤون دول المنطقة.
وسبَّب هذا التقارب بين الرياض وبغداد إرباكا واضحا وإزعاجا كبيرا لإيران لم يستطع المرشد الإيراني علي خامنئي أن يخفيه خلال استقباله عبدالمهدي قبل 10 أيام .
مؤشرات ودلالات
وثمة العديد من المؤشرات التي تعطي أهمية خاصة لزيارة رئيس الوزراء العراقي عادل عبدالمهدي إلى السعودية، يومي الأربعاء والخميس.
من أبرز تلك المؤشرات أنه تم خلالها عقد الاجتماع الأول للجنة الشؤون السياسية والأمنية والعسكرية، برئاسة وزيري خارجية البلدين السعودي إبراهيم العساف ونظيره العراقي محمد علي الحكيم.
وناقش الجانبان خلال الاجتماع مجالات التعاون المُتاحة بصورة كاملة، وركزت على مجال الاستثمار، ومكافحة الإرهاب، وعبَّر الجانبان عن التزام البلدين ببذل أقصى جُهد للحفاظ على العلاقات الأخويّة، وتطويرها، والانطلاق بها إلى آفاق أرحب.
واعتبرت الخارجية العراقية أن هذا الاجتماع "يُعَدُّ مُؤشِّراً على الإرادة السياسيّة لكلتا الدولتين بالتغلـُّب على أيّ عقبات تُعرقِل الآفاق الواعدة لعلاقات بغداد والرياض، وبحث بلورة آليَّة عمل لتسيير مجالات التعاون الناجحة في مختلف القطاعات".
ويعكس هذا الاجتماع أهمية بلورة ورؤى مشتركة بين البلدين في مجال مكافحة الإرهاب، وربط ذلك بالجانب التنموي والاقتصادي التي تنشط فيه المملكة حاليا دعما للعراق، خاصة في مرحلة ما بعد القضاء على تنظيم "داعش" الإرهابي، والحيلولة دون توفير ظروف ملائمة لعودة التنظيم، ودعم الاستقرار في البلاد.
كما أعطت المباحثات المهمة التي أجراها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز وولي عهده الأمير محمد بن سلمان، مع عادل عبدالمهدي أيضا مؤشرا واضحا بدعم القيادة السعودية للدفع نحو العلاقات إلى مستوى استراتيجي، وتسخير كل السبل لتحقيق ذلك.
وقد أكد خادم الحرمين الشريفين ورئيس الوزراء العراقي، العلاقات التاريخية والدينية والاجتماعية بين السعودية والعراق، وأهمية استثمار هذا الإرث السياسي والتاريخي والديني، وتعزيز العلاقات انسجاماً مع توجه القيادتين.
كما تضمن لقاء ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان وعادل عبدالمهدي، رسائل قوية ومهمة، حيث اتفقا على "مواصلة التشاور والتنسيق بما يعزز وحدة الصف العربي والعمل العربي المشترك".
وأكد عبدالمهدي أن تطوير العلاقات العراقية السعودية حاجة ملحة لبلاده وللمنطقة، ويساعد بتحقيق السلم والتنمية والازدهار.
من جهته، قال ولي العهد السعودي: إن المملكة تضع كل إمكاناتها وخبراتها في خدمة العراق وشعبه ورفع مستوى التعاون في جميع المجالات، وبيّن أن المملكة تعتبر أن نمو العراق وقوته شيء أساسي بالنسبة للسعودية، متمنيا أن يزداد قوة واستقرارا ويأخذ المكانة التي يستحقها في محيطه العربي والإقليمي.
التقارب السعودي العراقي صفعة لإيران
تلك الرسائل القوية المهمة لا شك أنها تزعج إيران وتسبب إرباكا لأطماعها في العراق، ولا سيما في ظل العقوبات الأمريكية المفروضة عليها.
هذا الإزعاج عبر عنه المرشد الإيراني، علي خامنئي، خلال لقائه رئيس الوزراء العراقي قبل 10 أيام منتقدا التقارب السعودي–العراقي.
ويحسب لرئيس الوزراء العراقي، الرد الفوري على خامنئي، في بيان أصدره، مؤكدا أن نهج حكومته قائم على التعاون مع جميع دول الجوار.
وأكد عبدالمهدي: "نهج الحكومة العراقية القائم على تقوية المشتركات وتعزيز فرص التعاون مع جميع دول الجوار وعدم الدخول بمحور على حساب أية دولة ورفض سياسة المحاور والرغبة بإقامة علاقات تخدم جميع شعوب المنطقة".
وأشار إلى "جولة قريبة تشمل دول المنطقة والجوار العربي لتعزيز هذا النهج"، وهو ما تحقق بزيارته إلى المملكة، وما جرى خلالها من اتفاقيات ومباحثات شكلت صفعة قوية لخامنئي ونظامه.
سياسة حكيمة وتطور متواصل
والمتتبع لمسار العلاقات بين البلدين، يجد أنها تسير بخطى واثقة ومتسارعة نحو تعزيز التعاون.
ولا شك أن هذا التطور في العلاقات بين البلدين، هو نجاح كبير للسياسة الخارجية السعودية في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود التي تبنت مبدأ التقارب مع العراق.
وفي العام الأول لتولي الملك سلمان الحكم، استأنفت السعودية العلاقات الدبلوماسية مع العراق في ديسمبر/كانون الأول 2015، بعد 25 عاما من إغلاقها بعد الغزو العراقي للكويت عام 1990.
وبعد عقود من التوتر بدأت العلاقات في التحسن بشكل كبير، عقب زيارة وزير الدولة للشؤون الخارجية السعودي عادل الجبير لبغداد في 25 فبراير/شباط 2017.
وكانت هذه هي المرة الأولى التي يصل فيها مسؤول سعودي رفيع المستوى إلى العاصمة العراقية منذ عام 1990، ممهدا الطريق لمزيد من الزيارات بين مسؤولي البلدين.
وفي يونيو/حزيران 2017 زار رئيس الوزراء العراقي السابق حيدر العبادي السعودية، وتم الاتفاق على تأسيس "مجلس تنسيقي" للارتقاء بعلاقاتهما إلى "المستوى الاستراتيجي"، وهو ما أثمر بالنتيجة تأسيس المجلس التنسيقي المشترك بين البلدين، في أكتوبر/تشرين الأول 2017 ليكون المحطة الأولى في تطور وتنامي العلاقات العراقية-السعودية.
ويهدف المجلس إلى الارتقاء بالعلاقات الثنائية بين البلدين في جميع المجالات إلى آفاق جديدة، وتنسيق الجهود الثنائية بما يخدم مصالح البلدين.
كما يضمن حماية المصالح المشتركة، وتنمية الشراكة الاستراتيجية بينهما، كما يهدف إلى تشجيع تبادل الخبرات الفنية والتقنية بين البلدين، ونقل التقنية والتعاون في البحث العلمي.
كما تم الاتفاق بين البلدين على استئناف الرحلات الجوية لعدد من المدن السعودية والعراقية، وحطت أول طائرة ركاب سعودية بمطار بغداد في 18 أكتوبر/تشرين الأول 2017 هي الأولى منذ 27 عاما.
وفي نوفمبر/تشرين الثاني 2018، استقبل الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، الرئيس العراقي برهم صالح، بعد شهر واحد من توليه مهام منصبه.
وفي 4 أبريل/نيسان الجاري، افتتحت السعودية قنصلية في بغداد، كخطوة جديدة، في مسيرة متواصلة لتعزيز العلاقات المتنامية بين البلدين، باتت تؤرق إيران وتربك مخططاتها، وستنتهي حتما بإعادة العراق إلى حاضنته العربية.
افتتاح القنصلية السعودية في بغداد، جاء بالتزامن مع اختتام أعمال الدورة الثانية لمجلس التنسيق المشترك بين البلدين برئاسة وزير التجارة والاستثمار ماجد القصبي من الجانب السعودي، ونائب رئيس مجلس الوزراء وزير النفط ثامر الغضبان من الجانب العراقي.
وكشف القصبي، خلال الزيارة، عن أن المملكة خصصت مليار دولار كقروض لدعم المشاريع التنموية في العراق، ومنها هدية خادم الحرمين الشريفين لبناء مدينة رياضية ببغداد، بالإضافة لمبلغ 500 مليون دولار لدعم الصادرات.
وبيَّن أن منفذ "عرعر" الحدودي الذي سيفتتح خلال شهر أكتوبر/تشرين الأول المقبل سيسهم في رفع مستوى التبادل التجاري بين البلدين الشقيقين، مشيراً إلى اقتراح القطاع الخاص بإنشاء منطقة حرة سيتم دراسته من الجانبين.
افتتاح القنصلية والافتتاح المرتقب لمنفذ عرعر والمباحثات التي أجراها رئيس الوزراء العراقي في المملكة والاتفاقات الـ13 التي تم التوقيع عليها أمس، كل هذا يأتي ضمن جهود الرياض لإعادة بغداد إلى حاضنتها العربية بشكل تدريجي، ومساعدته في استعادة دوره الاستراتيجي، كركيزة إقليمية مهمة للأمن والاستقرار، بعيدا عن المحاولات الإيرانية للسيطرة على مقدراته والتدخل في شؤونه، ولا سيما في ظل العقوبات الأمريكية المفروضة على إيران من جانب، وتصنيف واشنطن مؤخرا الحرس الثوري الإيراني كمنظمة إرهابية من جانب آخر، الأمر الذي يعني أن العلاقة مع هذا النظام الإرهابي عبء كبير على من يتعامل معه.