صندوق الثروة السيادي السعودي.. المحرك الرئيسي لتحوّل الاقتصاد
يهدف صندوق الاستثمارات العامة السعودي إلى أن يُصبح الجهة الاستثمارية الأكثر تأثيراً في العالم.
حيث تبلغ محفظة شركات الصندوق نحو 90 شركة، وحجم أصول مدارة يصل إلى 2.63 تريليون ريال.
فيما تشارك نخب الاقتصاد العالمي فعاليات "مبادرة مستقبل الاستثمار" في الرياض، وهو تجمع سنوي محوري للتحول الاقتصادي في السعودية، نشرت وكالة فرانس برس نظرة على المحرك الرئيسي لهذا التغيير: صندوق الاستثمارات العامة.
ومن اجتذاب صفوة لاعبي كرة القدم إلى إطلاق خط طيران وطني جديد بل ومقهى فاخر يقدم قهوة ومثلجات من لبن الإبل، بات الصندوق المحرك الرئيسي للتحوّل الراهن في الاقتصاد السعودي.
لكنّ كيف تحوّل الصندوق الذي ظل لعقود في الظل إلى المحرك الرئيسي لتنفيذ برنامج الأمير محمد بن سلمان الإصلاحي "رؤية 2030" وما الذي تكشفه استثمارات الصندوق بخصوص وجهة اقتصاد المملكة؟
- نشأة متواضعة
تأسس الصندوق السعودي في 1971 واستمر دوره هامشي وفي الظل لعقود. وفي عام 2015 أعيد تشكيل مجلس إدارته لتكون بقيادة محمد بن سلمان، في تغيير يعتبره الموقع الرسمي للصندوق "نقلة نوعية" في مسيرته.
ومذاك أنطلق الصندوق، بقيادة محافظه ياسر الرميان، لتوسعة محفظته الاستثمارية لتشمل قطاعات الطيران والدفاع والمركبات والنقل والخدمات اللوجيستية والقطاع العقاري والترفيه والرياضة.
وقال المحلل السعودي سليمان العقيلي إنّ الحكومة السعودية أرادت أن يكون الصندوق "حقل نفط بديل".
وأفاد فرانس برس أنّ "القطاع الخاص السعودي ليس في مستوى الطموح ليدير انتقال المملكة نحو التنوع الاقتصادي".
وتابع بالتالي أرادت القيادة السعودية "وجود صندوق نشط يؤسس شركات لها عائد".
ويتفاخر الصندوق، الذي يعد من الأكبر في العالم، بإدارته أصولا بأكثر من 700 مليار دولار، عبر استثمارات في 90 شركة في 13 قطاعا اقتصاديا وبخلق 560 ألف فرصة عمل "مباشرة وغير مباشرة"، حسب الموقع الرسمي للصندوق.
وفي منتصف الطريق لرؤية 2030، يظل الاقتصاد السعودي يعتمد بشكل مكثف على عائدات النفط، حتى فيما تشير البيانات الرسمية إلى نمو ثابت في عائدات القطاع غير النفطي.
وقال الخبير في معهد دول الخليج العربي في واشنطن روبرت موغلنيكي إنّه "من السابق لأوانه تقييم مدى فعالية الصندوق في تنويع الاقتصاد فعليًا".
- التنافس في الملاعب
في قطاع الرياضة، اتخذ الصندوق خطوات كبيرة بسرعة مذهلة منذ الاستحواذ على فريق نيوكاسل يونايتد الإنجليزي لكرة القدم في أكتوبر/تشرين الأول 2021.
موّل الصندوق في نهاية 2022، صفقة تعاقد نادي النصر مع رونالدو المقدرة بنحو 400 مليون يورو لعامين ونصف، وحاول بعدها التعاقد مع بطل العالم الأرجنتيني ليونيل ميسي الذي اختار اللعب في الولايات المتحدة.
وفي مايو/أيار الماضي، استحوذ الصندوق على 75% من أصول أكبر أربع أندية سعودية، الهلال والنصر في الرياض والاتحاد والأهلي في جدة، ثاني أكبر مدن البلاد، ما تبعه من انضمام نحو 40 لاعبا أجنبيا العديد منهم من نجوم الصف الأول لهذه الأندية.
وخلال نافذة الانتقالات الصيفية الأخيرة، احتلت الأندية السعودية المركز الثاني عالمياً في الإنفاق على اللاعبين الجدد وراء الدوري الإنجليزي، بإنفاق بلغ 875.4 مليون دولار.
ويضطلع الصندوق بعملية تكيف اللاعبين الأجانب الكبار للحياة في الخليج، على ما أفاد مسؤول في الصندوق، تحدث شريطة عدم ذكر اسمه لأنه غير مخول بالحديث للإعلام.
وأوضح "نقوم بكل ما هو غير رياضي التوقيع الأمور اللوجيستية وتطوير البنى التحتية للأندية" .
وتابع "فرقنا تزور كافة الأندية في أرجاء البلاد لمعرفة ما يحتاجون إليه"، من ملاعب التدريب إلى الصالات الرياضية وغرف الساونا.
وأكّد ضاحكا "عليهم (الأندية) فقط أن يلعبوا".
وبالإضافة لكرة القدم، في يونيو/حزيران الماضي، أطلق الصندوق دوري ليف غولف في نهاية 2021 لينافس "دوري بي جي ايه" الأمريكي، قبل أن يعلن الطرفان في يونيو/حزيران الماضي الاندماج لينهيان حربا أهلية في هذه الرياضة.
- المحليّة توازيا مع العالمية
يستثمر الصندوق حصصا كبيرة في شركات عالمية، حيث لديه حصص بنحو 8,9 مليار دولار في شركة صناعة السيارات الكهربائية "لوسيد" وحصة بقيمة 3,2 مليار دولار بشركة ألعاب الفيديو "أكتيفجن بليزارد"، بالإضافة لحصة في "أوبر" للنقل التشاركي.
لكنّ الاستثمارات في السوق المحلي لا تزال تشكّل 77 بالمئة من محفظة الصندوق، حسب ما جاء في تقريره السنوي.
وبعض من الاستثمارات المحلية مشاريع عملاقة تعمل على تغيير الصورة العامة من بلد نفطي إلى مركز سياحي وتجاري عالمي.
وتتضمن هذه المشاريع مشروع نيوم، المدينة المستقبلية التي تبلغ كُلفتها نحو 500 مليار دولار، ومشروع "ذا لاين" وهو عبارة عن ناطحات سحاب متوازية مغطاة بالمرايا تمتد على مسافة 170 كيلومترًا بين التضاريس الجبلية والصحراوية.
بالإضافة إلى إطلاق شركة طيران محلية جديدة "إير رياض" بهدف تحويل العاصمة إلى "بوابة للعالم"، ما يثير تنافسا مع مراكز إقليمية للسفر الدوليّ.
كما دعم الصندوق مشاريع تلعب على وتر المشاعر القومية والفخر بالمنتجات السعودية في عهد الأمير محمد بن سلمان، بما في ذلك شركة القهوة السعودية ومقهى "نوغ" الفاخر الذي يقدم مشروبات الإسبريسو والمثلجات والعصائر المصنوعة من حليب الإبل السعودي.
وأشار الخبير موغلنيكي إلى أنّ الموارد التي لا مثيل لها لدى صندوق الاستثمارات العامة تعني أنه يجب أن يضع في الاعتبار تأثيره على الأسواق المحلية.
وقال "تقييمي هو أن كيفية دخول صندوق الاستثمارات العامة إلى الأسواق والصناعات المحلية أقل أهمية في نهاية المطاف من كيفية إدارة هذه الكيانات الجديدة ومن ثم كيفية خروج الصندوق". وأضاف أنّ "الخطر الأكثر أهمية المرتبط ببعض مبادرات الاستثمار المحلية الأصغر حجماً هو احتمال مزاحمة الجهات الفاعلة في القطاع الخاص".
وبغض النظر عن هذه المخاوف، ليس هناك شك في أن صندوق الاستثمارات العامة سيستمر في النمو.
وخلال الشهور القليلة الماضية، نقل 8% من شركة أرامكو العملاقة، درة تاج الاقتصاد السعودي، إلى الصندوق مباشرة أو شركات تابعة لها.
وأعلن ولي العهد السعودي، أنّه يريد أن يصل حجم أصول الصندوق إلى تريليون دولار بحلول نهاية عام 2025.