لم يكن ممكنا أن يصبح العراق محافظة إيرانية جديدة يعبث بها الحرس الثوري الإيراني كما يريد
الانفتاح السعودي على العراق هو «ضربة معلم» سياسية من الرياض بكل المقاييس.
هذا الانفتاح يعكس أسلوب «السعودية الجديدة» في السياسة الإقليمية التي انتقلت من المساندة الخجولة إلى المواجهة الصريحة، وانتقلت من القطيعة والفراغ إلى الاندماج والمشاركة الإيجابية.
ذلك كله يثبت أن السياسة لا تعرف الفراغ، وأن اتجاهات التحركات الخارجية السعودية في المنطقة هي شكل إيجابي في مواجهة التمدد الإقليمي الإيراني.
لذلك لم يكن ممكناً للرياض أن تقف موقف المشاهد السلبي وهي ترى عاصمة الرشيد رمز العروبة والإسلام تتحول إلى مدينة مختطفة من قبل مشروع فارسي في الداخل وتركي على الحدود.
لم يكن ممكناً أن يصبح العراق محافظة إيرانية جديدة يعبث بها الحرس الثوري الإيراني كما يريد.
لم يكن ممكناً أن يصبح العراق سوقاً للبضائع الإيرانية والتركية الراكدة، ومركزاً للنشاط الاستخباري وقاعدة لكل أشكال التطرف الدموي من الحشد الشعبي إلى القاعدة وداعش.
هنا -وهنا فقط- كان لا بد من عمل إيجابي يقوم على مبدأ أن التقارب -بالتأكيد- أفضل من الانسحاب، وأن السياسة لا تعرف الفراغ؛ لأن الفراغ إن لم تملأه أنت ملأه غيرك حسب هواه ووفق مصالحه.
العراق واقع تفرضه الجغرافيا والتاريخ والحاضر والمستقبل.
نظرة واحدة إلى الخريطة السياسية وجغرافيا السعودية والعراق تكفي لإدراك الأهمية الجيوستراتيجية للبلدين.
تمتد الحدود السعودية من «طريف» بالقرب من الحدود الأردنية في الغرب إلى «حفر الباطن» بالقرب من الحدود الكويتية في الشرق.
يبلغ طول هذه الحدود 814 كيلومتراً، ويقع المعبر الحدودي الأكثر أهمية شمال شرق مدينة «عرعر»، وكانت هذه الحدود من أكثر مناطق التهديد الحدودي الأمني بعد الحدود اليمنية-السعودية المشتركة.
وبعد ظهور حركة داعش واحتلالها مساحات كبرى غرب العراق وتنامي أخطارها في العراق وسوريا أصبح خطر تصدير الإرهابيين وتسللهم والسلاح أكبر على الأمن القومي السعودي.
كان لا بد من التحوط لهذه الأفكار، وكانت الحركة السعودية عبر عدة وسائل، كانت إحداها عبر التأمين الفعلي للحدود، لذلك تم إنشاء خط جدار عملاق متعدد الطبقات محاط بخندق، وتم إنشاء خمس طبقات من السياج تضم 78 برجاً للمراقبة و32 مركزاً للتحرك السريع وثلاث فرق للتدخل السريع مزودة بأعلى تقنية من وسائل المراقبة الإلكترونية.
الأمن وإجراءاته شيء بالغ الأهمية، ولكن كان الأهم هو نزع فتيل التوتر والشك بين الطرفين.
ولا شك أن الاقتصاد والتعاون والتجارة وتبادل المنافع وفتح نوافذ العمل والاستثمار هي مفتاح رئيسي في حماية وتأمين أي علاقات بين أي بلدين.
لذلك كانت لجنة التنسيق العليا بين البلدين، وكانت الزيارة الأخيرة لمعالي الوزير ماجد الفيصل وزير التجارة والاستثمار لبغداد التي قاد فيها وفداً حكومياً من 9 وزراء و150 مستثمراً سعودياً، تم على أساسها توقيع 136 اتفاقية مشتركة، وتم تقديم منحة سعودية بمقدار مليار دولار، وقدم الملك سلمان مشروعاً رياضياً متكاملاً هدية للشعب العراقي، وتم افتتاح 3 قنصليات سعودية في العراق.
هنا شعرت طهران بالقلق الشديد من هذه العلاقات المتنامية، وأعلن المرشد الأعلى آية الله خامنئي في لقائه مع رئيس الوزراء عادل عبدالمهدي عن مدى قلقه من التحرك السعودي تجاه العراق، وشكك في نوايا تقارب الرياض مع بغداد، وحذر من تنامي هذه العلاقات.
إذن.. الرسالة السعودية وصلت هذه المرة قوية واضحة لطهران.
ذلك كله يثبت أن السياسة لا تعرف الفراغ، وأن اتجاهات التحركات الخارجية السعودية في المنطقة هي شكل إيجابي في مواجهة التمدد الإقليمي الإيراني.
نقلاً عن "الوطن المصرية"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة