تقارب السعودية وسوريا.. خبراء: قفزة مُتمرس بمياه الشرق الأوسط
عودة مرتقبة للعلاقات الدبلوماسية بين السعودية وسوريا، غذتها تقارير إعلامية دولية ومحلية، ترسم ملامح قفزة كبرى في مياه الشرق الأوسط.
وفي قراءة للخطوة السعودية السورية المرتقبة ومعاودة فتح سفارتي البلدين، قال خبراء سياسيون في أحاديث منفصلة لـ"العين الإخبارية"، إن ذلك يعد استكمالاً لعملية عودة دمشق للجامعة العربية في أسرع وقت ممكن، التي باتت ضرورية في ظل التحولات في علاقات دول عربية وازنة بمحيطها الإقليمي، وما يشهده النظام العربي من تقارب إقليمي، و"إعادة هندسة العلاقات الإقليمية على أساس المصالح المشتركة".
والخميس الماضي، نقلت قناة "الإخبارية" عن مسؤول بالخارجية السعودية قوله إنه "في إطار حرص المملكة على تسهيل تقديم الخدمات القنصلية الضرورية للشعبين، فإن البحث جار بين المسؤولين في المملكة ونظرائهم في سوريا حول استئناف تقديم الخدمات القنصلية".
من جانبها، نقلت وكالة "رويترز" عن 3 مصادر مطلعة قولها إن "السعودية وسوريا اتفقتا على معاودة فتح سفارتيهما بعد قطع العلاقات الدبلوماسية قبل أكثر من عقد".
وقال مصدر إقليمي إن "الاتصالات بين الرياض ودمشق اكتسبت زخما بعد اتفاق تاريخي لإعادة العلاقات بين السعودية وإيران؛ الحليف الرئيسي للرئيس السوري بشار الأسد.
بينما ذكر مصدر إقليمي ثانٍ متحالف مع دمشق لـ"رويترز" أن الحكومتين "تستعدان لإعادة فتح السفارتين بعد عيد الفطر".
وتأتي التفاهمات السعودية السورية المحتملة بعد أيام من إعلان الرياض وطهران التوصل إلى اتفاق برعاية صينية، يتضمن الموافقة على استئناف العلاقات الدبلوماسية وإعادة فتح سفارتيهما وممثلياتهما خلال مدة أقصاها شهران.
"نهج سعودي"
وفي قراءته لدلالة وتداعيات التقارب السعودي السوري المحتمل، يؤكد الكاتب والمحلل السياسي السعودي مبارك آل عاتي، أن "تسوية العلاقات مع سوريا، بمثابة نهج سعودي جديد لإصلاح البيت العربي من الداخل، وإعادة ترميم العلاقات العربية–العربية؛ فالمملكة تراهن كثيرا على أمن ووحدة واستقرار سوريا لتحقيق مصالح الشعب السوري".
ويشير مبارك آل عاتي في حديث خاص لـ"العين الإخبارية"، إلى أن السعودية تسعى لردم الهوة بينها وبين سوريا لكي تكون حاضرة ومشاركة في رسم ملامح مستقبل دمشق، بما فيه مصلحتها كقطر عربي مستقل في وحدته وسيادته، وبما فيه مصلحة شعبه.
وفي هذا الصدد، يضيف آل عاتي: "من الواضح أن الدبلوماسية السعودية النشطة والشجاعة تسعى لحل كل الخلافات العربية، وتصفية خلافاتها مع الجوار، وكان آخرها تسوية خلافاتها مع إيران ومن قبل مع تركيا وقطر".
ومع تقديره أن هناك بطئاً سعوديا متعمدا تجاه التعامل مع الرئيس بشار الأسد، يرى آل عاتي أن المملكة لا يمكن أن تبتعد عن سوريا كدولة عربية مراعاة لمصالح شعبها الشقيق، وعملا على إعادة اللاجئين السوريين البالغ عددهم نحو 12 مليون لاجئ، لقراهم ومنازلهم.
وحرص المحلل السعودي أيضا على التأكيد على أن المملكة ترى أن التقارب مع سوريا لا يجب ما قبله، بمعنى أن من تلطخت أيديهم بدماء الشعب السوري يجب أن تشملهم المحاكمات، في الوقت الذي تؤكد فيه السعودية أيضا على وجوب بدء عملية سياسية في الداخل السوري بمشاركة كل مكونات وأطياف هذا البلد، ورسم ملامح مستقبل البلاد؛ لتحقيق مصالح شعبها.
وحول دور وتأثير الاتفاق السعودي الإيراني على الخطوة السورية السعودية، يلفت آل عاتي إلى أن المملكة كانت وما زالت معنية بالشأن السوري قبل اتفاق الرياض- طهران، لكن يبدو أن الأخير عجل بهذه الخطوات.
وبشأن شغل دمشق لمقعدها في الجامعة العربية من جديد في ظل التطورات الأخيرة، يؤكد أن هناك حرصا سعوديا على الإعداد الجيد للقمة العربية التي ستستضيفها الرياض؛ لبناء موقف موحد ومتقارب ومعالجة كل الملفات العربية.
وبعد 7 سنوات من إعلان السعودية قطع العلاقات الدبلوماسية مع إيران، توصل البلدان، قبل أيام، إلى اتفاق، برعاية صينية، يقضي باستئناف العلاقات الدبلوماسية بينهما وإعادة فتح سفارتيهما وممثلياتهما خلال مدة أقصاها شهران.
بدوره، يرى أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة أحمد يوسف، في حديث لـ"العين الإخبارية"، أن الاتفاق السعودي الإيراني، ساهم في إنهاء أسباب قطيعة المملكة مع سوريا.
وأضاف: "مبررات استمرار القطيعة انتهت بعد هذا الاتفاق، وأتصور أن العلاقات بينهما ستعود، لكن هذا أمر يختلف عن عودة سوريا للجامعة؛ لأن قرارات الأخيرة تتم بالتوافق".
الجامعة العربية
أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة مضى قائلا: "في ظل ما تشهده التحولات الحالية في النظام العربي، وعلاقات دول عربية وازنة بمحيطها الإقليمي، فمن الضروري استكمال عملية عودة سوريا للجامعة العربية في أسرع وقت ممكن، بحيث تتم مع القمة القادمة على أقصى تقدير".
يوسف قال أيضا إن من تبنى تعليق عضوية سوريا في الجامعة العربية، "بنوا هذا الرأي على أساس الخلاف مع ممارسات سوريا تجاه شعبها وعلاقتها بإيران، واليوم يتم تطبيع العلاقات مع القوى الإقليمية وبينها طهران، سعيًا للتوصل إلى توازن للمصالح معها".
ويعتبر يوسف أن منطق استبعاد العلاقات مع النظم السياسية بناء على طبيعتها، أو ممارساتها بحق شعوبها، أو علاقاتها الخارجية قد سقط بحكم التحولات السابقة في علاقات النظام العربي بمحيطه الإقليمي.
ويلمح إلى أنه مما يساعد في اقتراب عودة سوريا للحاضنة العربية، هو استعادة أنقرة لعلاقاتها مع دمشق، بيد أن يوسف نوه إلى أن فكرة تطبيع العلاقات السورية التركية لم تصل لغايتها بعد.
ففي زيارة الرئيس بشار الأسد الأخيرة لموسكو، قال إنه لن يجتمع مع نظيره التركي رجب طيب أردوغان إلا إذا رحلت أنقرة عن الأراضي السورية، وهذا مطلب قانوني، ولكنه يتناقض مع السياسة التركية التي تعتبر وجودها العسكري في سوريا ضروريا للحفاظ على أمنها، وفق يوسف.
المحلل المصري البارز قال إن "التقارب السعودي مع سوريا ومن قبل طهران، سوف يساعد في وجود مناخ إقليمي مواتٍ وإيجابي لتسوية الصراع في الداخل السوري".
لكنه أشار أيضا إلى أن هذا الصراع بداخله أطراف محلية وأخرى إقليمية مؤثرة مثل تركيا، و"ليس معنى أن طرفين إقليمين مؤثرين قد اتفقا، أن الصراع سيتم تسويته سريعا، فالأمر سيتطلب بعض الوقت".
"إعادة هندسة"
ولم تختلف قراءة بشير عبدالفتاح الخبير السياسي بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، كثيرا، بعد تأكيده في حديث لـ"العين الإخبارية"، أن تقارب الرياض المرتقب مع دمشق سيكون التطور الأبرز في تحركات الدول العربية لتطبيع العلاقات مع سوريا.
هذا التقارب المرتقب لم يكن مفاجئا، وفق عبدالفتاح، إذ تشهد المنطقة "إعادة هندسة للعلاقات الإقليمية على أساس المصالح المشتركة"، مضيفا: "التقارب خطوة متوقعة، بعد تحرك دولة الإمارات العربية المتحدة التي كان لها السبق في استئناف العلاقات مع سوريا، لإعادتها لمحيطها العربي".
عودة دمشق للعرب أمر ضروري، يقول عبدالفتاح، بعد أن اكتشف العالم العربي أن "عزلة سوريا لا تصب في مصلحتها، ولا مصلحة الإقليم، وبعد أن بات تنظيم داعش المستفيد الأول من هذه العزلة، حيث أعاد التنظيم صفوفه، وهاجم السجون لإخراج معتقليه، مع استغلال حالة ضعف ووهن للدولة السورية، علاوة على أن إيران أيضا تموضعت عسكريا، وسيطرت على أراضٍ بالداخل السوري".
ويتفق عبدالفتاح مع الخبير أحمد يوسف، في أن حدوث تقارب تركي سوري سيسهم في تعجيل عودة دمشق للجامعة العربية؛ لأن هذا سيساعد على محاولة تغيير نسبي في الموقف القطري الرافض لعودتها.
الإمارات تقود الصفوف
يشار إلى أن دولة الإمارات، هي أول دولة عربية تستعيد العلاقات الدبلوماسية مع سوريا، كعادتها في تقدم الصفوف في أي خطوة تقود المنطقة والعالم نحو السلام والاستقرار.
كما اختار الرئيس السوري بشار الأسد، دولة الإمارات العربية المتحدة، كأول دولة عربية يزورها منذ عام 2011، وكرر الزيارة مؤخرا.
وساهم زلزال 6 فبراير/شباط الذي ضرب دولتي سوريا وتركيا، وخلف آلاف القتلى والجرحى، في مزيد من الانفتاح العربي على التعامل مع سوريا.
وأجرى الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي في أعقاب الزلزال اتصالا هاتفيًا هو الأول له منذ قدومه إلى السلطة في 2014، بنظيره السوري بشار الأسد، أعرب خلاله عن تضامن القاهرة مع دمشق.
ويرى مراقبون أن "الاتصال كان بمثابة تحول إيجابي في العلاقات المصرية السورية".
وأشار المراقبون إلى أن "المد التضامني مع دمشق قد يفتح الباب لاتصالات أوسع ومحادثات تمهد لعودة سوريا للجامعة العربية".
وأضيف الاتصال إلى مؤشرات أخرى رجحت تلك التوقعات، بينها زيارة الرئيس السوري بشار الأسد، إلى العاصمة العُمانية مسقط، للقاء السلطان هيثم بن قابوس سلطان عمان، في ثاني زيارة له إلى دولة عربية بعد زيارة دولة الإمارات، منذ عام 2011.
aXA6IDE4LjIyNy4wLjI1NSA= جزيرة ام اند امز