هجمات أرامكو.. حكمة السعودية تضع العالم أمام مسؤولية ردع إيران
تحركات دولية وأممية للتحقيق في تلك الهجمات، وبحث الرد المناسب، بعد أن ثبت أن تباطؤ العالم في مواجهة إرهاب إيران يرفع من كلفة مواجهته
نجحت السعودية بصبرها وحكمتها في تعاملها مع الهجوم الإرهابي على معملين لتكرير النفط تابعين لشركة "أرامكو"، رغم قدرتها على الرد، في وضع المجتمع الدولي أمام مسؤوليته بشأن ردع إرهاب إيران، بعد أن أثبتت بالأدلة تورط طهران بتلك الهجمات.
هذا النجاح بدأت تظهر بوادره في تحركات دولية وأممية للتحقيق في تلك الهجمات، وبحث إجراءات الرد المناسبة، خصوصا بعد أن ثبت أن تباطؤ العالم في مواجهة إرهاب إيران يرفع من كلفة مواجهته ويشجعها على المضي فيه ويزيد وتيرته وخطورته وتداعياته.
وفي السياق ذاته، وصل وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو، مساء الأربعاء، إلى السعودية لبحث التوتر مع إيران عقب الهجمات الأخيرة، بالتزامن مع إعلان الأمم المتحدة إرسال فريق من الخبراء الدوليين إلى السعودية للتحقيق في تلك الهجمات.
تلك التحركات سبقها رسائل تضامن قوية مع السعودية من مختلف دول العالم في مواجهة تلك الهجمات.
ولكن السؤال الآن.. كيف يمكن استثمار تلك التحركات وهذه الرسائل في اتخاذ إجراءات فعلية لردع إرهاب إيران؟ وهل يمكن أن تثمر تلك الإجراءات في تشكيل تحالف دولي لمواجهة إرهاب إيران؟
هذا الأمر رهن باقتناع العالم أن تلك الهجمات لا تستهدف السعودية وحدها، وإنما تستهدف العالم بأسره والإضرار باقتصاده عبر تهديد أمن الطاقة العالمي.
وفي هذا الصدد، وجهت السعودية عدة رسائل مباشرة واضحة وصريحة للعالم على مدار الأيام القليلة الماضية.
رسائل ولي العهد السعودي
تلك الرسائل نقلها الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز، ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع السعودي، للعالم خلال اتصالات التضامن التي تلقاها من العديد من القادة حول العالم.
وأكد الأمير محمد بن سلمان خلال تلك الاتصالات أن "للمملكة القدرة على مواجهة هذا العدوان الإرهابي والتعامل معه".
وبيّن أن ما حدث "يعد اختبارا حقيقيا للإرادة الدولية في مواجهة الأعمال التخريبية المهددة للأمن والاستقرار الدوليين".
وأوضح أن "هذا الهجوم التخريبي يعد تصعيدا خطيرا ليس تجاه المملكة فحسب وإنما العالم بأسره، وأن هذه الهجمات التخريبية استهدفت زعزعة الأمن في المنطقة بأسرها والإضرار بالاقتصاد العالمي ككل".
وشدد ولي العهد السعودي على أن "التهديدات الإيرانية ليست موجهة ضد المملكة فحسب، وإنما تأثيرها يصل إلى الشرق الأوسط والعالم".
بتلك الرسائل وضع الأمير محمد بن سلمان أمام العالم خيارين للتعامل مع الإرهاب الإيراني، الأول هو قيام السعودية بالرد على تلك الهجمات وهي قادرة على ذلك، والخيار الثاني هو قيام المجتمع الدولي بمواجهة الإرهاب الإيراني.
تعامل السعودية بصبر وحكمة مع تلك الهجمات يؤكد أنها اختارت الخيار الثاني، وهو ما ظهر جليا في عدم تعجل المملكة في توجيه الاتهامات لإيران أو حتى تبني رواية المليشيات الحوثية التي زعمت مسؤوليتها عن تلك الهجمات، بل لم توجه الاتهامات لإيران رسميا إلا بعد إجراء تحقيق.
نتائج هذا التحقيق كشف عنها العقيد الركن تركي المالكي المتحدث باسم وزارة الدفاع السعودية، الأربعاء، الذي نشر أدلة تورط إيران في تلك الهجمات، ومن بينها حطام وبقايا الطيارات المسيرة المستخدمة في الهجوم الإرهابي.
وأكد خلال مؤتمر صحفي أن مكان انطلاق الهجوم لا يمكن أن يكون من اليمن، لافتاً إلى أن "المعلومات تشير إلى أن التكنولوجيا المستخدمة في الهجوم على معملي أرامكو إيرانية".
ولفت إلى أنه تم رصد 18 طائرة مسيرة هاجمت بقيق، بينما تعرض موقع خريص للهجوم بـ7 صواريخ كروز، بينها 3 صواريخ سقطت قبل الوصول للهدف.
وتعرض معملان تابعان لأرامكو لهجوم إرهابي فجر السبت الماضي، وأعلنت الداخلية السعودية السيطرة على حريقين اندلعا في معملين للنفط بمحافظة بقيق وهجرة خريص، نتيجة استهدافهما.
تحركات أممية ودولية
ودعما لخيارها الثاني في تحرك جماعي لمواجهة إرهاب إيران، وثقة في تحقيقاتها، أعلنت السعودية مشاركة خبراء أممين ودوليين في تلك التحقيقات، سعيا للتوصل إلى موقف دولي موحد.
وفي هذا الصدد، أعلنت الأمم المتحدة إرسال فريق من الخبراء الدوليين إلى السعودية للتحقيق في الهجوم الإرهابي على شركة أرامكو النفطية.
وقال الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريس خلال مؤتمر صحفي، الأربعاء، إن خبراء أممين في شؤون السلام غادروا بالفعل إلى السعودية للتحقيق في هجمات أرامكو.
وأكد جوتيريس أن "الأمم المتحدة ملتزمة بالتصدي لكل ما يهدد أمن واستقرار المنطقة، وأنه لا يوجد الآن أخطر مما يحدث في الخليج".
ولفت الأمين العام للأمم المتحدة إلى أن "مجلس الأمن معني بشكل مباشر بما يجري في منطقة الخليج"، مشيرا إلى أن "الخبراء الأمميين الذين يحققون في هجمات أرامكو سيرفعون تقريرهم للمجلس".
وعلى صعيد التحركات الدولية أيضا، جاءت زيارة وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو إلى السعودية، الأربعاء، لبحث التوتر مع إيران.
تلك التحركات استبقتها تصريحات من مسؤولين تؤكد أهمية التحرك الجماعي لمواجهة تلك الهجمات، كان من أبرزها تأكيد رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون على أهمية "الرد الجماعي" على الهجوم الإرهابي الذي استهدف معملي شركة أرامكو بالسعودية.
وأشاد جونسون بحكمة القيادة السعودية في التعامل مع هذه الاعتداءات، وطالب بموقف دولي حازم تجاه مثل هذه الأعمال الإجرامية، والتي لا يجب أن تمر بلا عقاب.
بدروه، أكد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب استعداد بلاده للتعاون مع المملكة في كل ما يدعم أمنها واستقرارها، مشدداً على التأثير السلبي للهجمات الإرهابية التي استهدفت معملين تابعة لشركة أرامكو على الاقتصادين الأمريكي والعالمي.
أيضا أكد وزير الدفاع الأمريكي مارك إسبر دعم بلاده الكامل للمملكة في موقفها تجاه الاعتداءات الأخيرة التي تمت على معملين نفطيين في بقيق وخريص، مشيرا إلى أن بلاده تدرس كل الخيارات المتاحة لمواجهة هذه الاعتداءات على المملكة.
وأشاد وزير الدفاع الأمريكي بدور المملكة في دعم الجهود الدولية للتصدي للخطر الإيراني في تهديد الملاحة البحرية.
تلك التصريحات والتحركات تصب كلها في إطار نجاح السعودية في دعم الخيار الثاني، وهو التحرك الدولي لمواجهة إرهاب إيران.
تحركات عملية
ولكن كيف يمكن استثمار هذه التحركات والتصريحات إلى إجراءات على أرض الواقع لمواجهة إرهاب إيران؟ وما فرص نجاح ذلك؟
لا شك أن تشكيل لجنة تحقيق أممية وعرض نتائج تحقيقها المرتقب على مجلس الأمن خطوة مهمة في اتخاذ إجراءات عقابية ضد إيران من الجهة المنوطة بها حفظ الأمن والاستقرار الدوليين.
وتحتاج تلك الخطوة إلى تحرك دولي جاد لتشكيل تحالف معني بمحاربة إرهاب إيران، خصوصا بعد أن ثبت أن تباطؤ العالم في مواجهة إرهاب إيران يرفع من كلفة مواجهته ويشجعها، سواء بشكل مباشر أو عبر أذرعها في المنطقة، على المضي فيه ويزيد وتيرته وخطورته وتداعياته.
وخلال الأربعة شهور الماضية فقط رأى العالم كيف تدرج إرهاب إيران وزادت وتيرته وخطورته، نتيجة عدم اتخاذ إجراءات رادعة لمواجهته، بدءا من تورطها في الهجوم على محطتي ضخ بترول تابعتين لشركة أرامكو بمحافظة الدوادمي ومحافظة عفيف بمنطقة الرياض 14 مايو/أيار الماضي.
وتلى هذا الهجوم الذي تعرضت له إحدى وحدات معمل للغاز الطبيعي في حقل الشيبة 17 أغسطس/آب الماضي، ثم الهجوم على معملي التكرير في بقيق وهجرة خريص السبت الماضي.
ويعد معمل بقيق أكبر معمل لتكرير النفط على مستوى العالم، وهو الأمر الذي نتج عنه توقف نحو 50% من إنتاج شركة أرامكو، قبل أن تعلن الشركة بعد 72 ساعة من الهجوم على نجاحها في استعادة طاقتها الإنتاجية.
72 ساعة فقط تعطل فيها نصف إنتاج المملكة أربكت العالم، وأثارت قلقا دوليا حول أمن الطاقة وأسهمت في قفز أسعار النفط، وهنا تكمن أهمية إدراك العالم مغبة وخطورة الصمت على إرهاب إيران.
وإضافة للهجمات التي استهدفت البنية التحتية لمنشآت النفط في السعودية، فإن لإيران وأذرعها ومليشياتها سجل أسود في تهديد الملاحة الدولية وتهديد أمان إمدادات الطاقة، سواء عبر استهداف ناقلات النفط وسفن التجارة في الخليج العربي وبحر العرب، وهو الأمر الذي تكرر في أكثر من حادثة خلال الأشهر الماضية.
الهجمات الأخيرة والسجل الأسود لإيران تستدعي تحركا دوليا عاجلا وحازما لمواجهة الإرهاب الإيراني على مختلف الأصعدة.
وكانت خطوة موفقة من السعودية الإعلان، الأربعاء، عن انضمامها للتحالف الدولي لأمن وحماية الملاحة البحرية وضمان سلامة الممرات البحرية.
وتعد هذا خطوة مهمة على صعيد مواجهة تهديدات إيران لأمن الملاحة الدولية، وضمان أمن الطاقة العالمي واستمرار تدفق إمدادات الطاقة للاقتصاد العالمي والإسهام في حفظ السلم والأمن الدوليين.
وتغطي منطقة عمليات التحالف الدولي لأمن الملاحة في الخليج مضيق هرمز وباب المندب وبحر عمان والخليج العربي.
وختاما، وضعت هجمات أرامكو المجتمع الدولي على مفترق طرق إما مواجهة الإرهاب الإيراني بشكل عاجل وحازم أو الانتظار إلى الاحتراق بنيرانه، فلم تعد الإدانات اللفظية وبيانات التضامن تكفي وحدها لمواجهة إرهاب إيران.
ومن هنا تأتي أهمية تضافر الجهود الدولية لمواجهة إرهاب إيران وحماية وضمان أمن إمدادات الطاقة للعالم، وكف يد إيران عن استهداف البنية التحتية لمنشآت النفط السعودية أو تهديد الملاحة الدولية.
aXA6IDMuMTQ3LjM2LjEwNiA=
جزيرة ام اند امز