السنغال تتمرد على «إرث المرحلة».. هل يخرج «فاي» الكارت الأحمر لفرنسا؟
خرجت السنغال "من صندوق" الانتخابات بأمل الانفصال عن "حالة الأزمة" التي خلفها تأجيل الاقتراع بالأشهر الماضية، للتفرغ لتحديات جمة.
وعلى الفور، حاول الرئيس الفائز بالانتخابات باسيرو فاي، طمأنة الداخل والخارج برسائل مباشرة وجهها إلى "الشركاء" في البلاد، واصفا إياهم بـ"المحترمين"، وتعهد بأن "السنغال ستظلّ الحليف الآمن والموثوق به".
كما وعد الداخل بـ"الإصلاح" و"العمل من أجل إحداث تغييرات داخل الجماعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس)".
وأطلق الرئيس السنغالي المنتخب نداء للأفارقة للعمل معاً من أجل تعزيز المكاسب التي تمّ تحقيقها في عمليات تحقيق التكامل في الجماعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا مع تصحيح نقاط الضعف وتغيير بعض الأساليب والاستراتيجيات والأولويات السياسية.
فاي قال إن انتخابه رئيسا يعني أن "الشعب اتخذ خيار القطيعة مع النظام القائم في البلاد"، وتحدث عن أن "المشاريع ذات الأولوية في عهده ستكون المصالحة الوطنية وإعادة بناء المؤسسات، بالإضافة إلى تخفيض كبير في تكاليف المعيشة، ومحاربة الفساد".
وعود وتحديات
فاي (٤٤ عاما) الذي لم يسبق له تولّي أيّ منصب انتخابي، بات خامس رئيس للسنغال وأصغر الرؤساء سنّاً في البلد الواقع في غرب أفريقيا، ويبلغ عدد سكّانه 18 مليون نسمة.
ويرى المراقبون أنه رغم ما حققته الانتخابات السنغالية من ترسيخ لمبادئ الديمقراطية، بعد أن كادت الفوضى تعم البلاد، إلا أن الرئيس الشاب يواجه تحديات كبيرة على مستوى الداخل والخارج، وتنتظره وعود كبيرة كان قد أطلقها في حملته الانتخابية.
إرث المرحلة
توفيق بوقاعدة، أستاذ العلوم السياسية بجامعة الجزائر، أكد أن إجراء الانتخابات في أجواء هادئة واحترام نتائجها من جميع الأطراف، ومسارعة الأطراف الخاسرة في الانتخابات لتهنئة الفائز، يعد انتصارا لدولة السنغال وشعبها.
وقال بوقاعدة لـ"العين الإخبارية": "هذا انتصار للدولة خاصة بعد الاضطرابات التي عرفتها البلاد في الفترة الأخيرة والتي كانت تنذر مؤشراتها بحرب أهلية"، مضيفا أن فوز زعيم المعارضة فاي وقبول ائتلاف السلطة بالنتائج دليل آخر على أن الأفارقة بإمكانهم صناعة ديمقراطيتهم، وأن القارة ليست الاستثناء.
وأوضح أن الرئيس المنتخب يواجه عددا من التحديات منها إرث المرحلة السابقة، وتفكيك ما تبقى من الدولة العميقة التي قد تعرقل تنفيذ برنامجه الانتخابي.
وحول التداعيات الخارجية، قال بوقاعدة: "أما فرنسا، فتعتبر الخاسر الأكبر مع الرئيس الجديد بالنظر إلى موقفه المبدئي من الحضور الفرنسي في المشهد السياسي والاقتصادي السنغالي، حيث وعد السنغاليين بسيادة دولته على قراراتها بعيدا عن القوى الاستعمارية وإحداث قطيعة مع الفرنك الفرنسي والشركات الفرنسية".
وتابع أن الرئيس الجديد وعد أيضا بالعمل على "سنغلة" التعليم وبرامجه، وإعادة النظر في مجمل الاتفاقيات التي أبرمها سلفه في كل المجالات بما يضمن حق الشعب السنغالي.
وعاد وأكد أن فرنسا "هي الخاسر الأكبر من وصول فاي للرئاسة".
مسار جديد
أما الدكتور "محمد تورشين" الباحث السوداني في الشأن الأفريقي، فرأى أن فوز مرشح المعارضة في الانتخابات السنغالية، لم يكن مفاجأة، مضيفا: "كنا نتوقع جولة ثانية للانتخابات بين مرشح الائتلاف الحاكم وفاي، بحكم أن حظوظ الاثنين كانت موجودة".
وأضاف: "لكن الناخب كان لديه رأي آخر، وبالرغم من كثرة المرشحين (19 مرشحا)، وكان أكثر المهددين من العدد الكبير هو فاي نفسه الذي كان يخشى تفتيت الأصوات، فاز مرشح المعارضة".
وتابع أن "السنغال بهذه الانتخابات دخلت مسارا جديدا مرتبطا بالوعود الانتخابية التي أطلقها فاي"، قبل أن يضيف "لكن التحدي يكمن في: هل الوعود الانتخابية قابلة للتنفيذ، أم هي مجرد وعود الغرض منها الوصول إلى السلطة فقط".
تورشين قال لـ"العين الإخبارية"، إن "فاي في تحدٍ حقيقي، فهل سيستطيع تنفيذ ما أطلقه من وعود، لاسيما إعادة الاتفاقيات والشراكات الاقتصادية مع كل الدول الغربية وعلى رأسهم فرنسا، فضلا عن ذلك الخروج عن المنظومة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس)، وكذلك الخروج من عملة الفرنك الأفريقي":
واستطرد: "ستكون هناك محاولات لتحقيق بعض الوعود الانتخابية لناخبيه حتى يتمكن من الحصول على الولاية الثانية".
وخلص الباحث السوداني إلى أنه ستكون هناك تحديات كبيرة في مواجهة الرئيس الجديد في ظل وضع اقتصادي داخلي مأزوم جد كان المحرك الرئيسي لتصويت الشباب وشرائح كثيرة من المجتمع السنغالي لمرشح المعارضة.
نقطة إيجابية
بدوره، رأى الدكتور محمد شريف جاكو، الخبير التشادي في الشأن الأفريقي، أن "الانتخابات السنغالية نقطة إيجابية وحضارية مفرحة في نفس الوقت".
وقال جاكو، في حديثه لـ" العين الإخبارية"، إن هذه الانتخابات "تمثل بصيص أمل في نفق مظلم في أفريقيا فيما يتعلق بالديمقراطية"، مضيفا أنه "رغم محاولات الرئيس منتهي الولاية، ماكي سال عرقلة المسيرة الديمقراطية الطويلة في السنغال، تمسك الشعب السنغالي الواعي بحقه".
وأوضح أن "السنغال سوف تنتقل من مرحلة إلى أخرى بعد فوز فاي؛ من مرحلة كانت موالية للغرب وخاصة فرنسا، إلى مرحلة تعود البلاد فيها إلى أفريقيا"، مضيفا أن المسافة ستقترب ما بين السنغال وما بين دول الساحل، وستكون هناك نقلة اقتصادية واستقرار سياسي، ونموذج يمكن أن تستفيد منه دول غرب أفريقيا.
وجرت الانتخابات السنغالية في مناخ هادئ، وشارك فيها ملايين الناخبين لاختيار الرئيس الخامس للبلاد، بعد ثلاث سنوات من الاضطرابات السياسية غير المسبوقة التي أثارت احتجاجات عنيفة مناهضة للحكومة.
وتنافس 19 مرشحا على خلافة الرئيس ماكي سال الذي ترك منصبه بعد فترة ولاية ثانية شابتها اضطرابات عنيفة بسبب محاكمة زعيم المعارضة عثمان سونكو ومحاولته البقاء في السلطة لولاية ثالثة.
aXA6IDE4LjExOC4zNy44NSA= جزيرة ام اند امز