الشارقة.. إنجازات على طريق العاصمة العالمية للكتاب 2019
الشارقة إمارة المعرفة استحقت بعد أكثر من أربعة عقود من العمل والجهد ثقة منظمة اليونسكو ومنحها لقب "العاصمة العالمية للكتاب".
تروي حكاية "مشروع الشارقة الثقافي" سيرة ومسيرة الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة الذي أدرك منذ طفولته قيمة الثقافة والكتاب، فشيد إمارة للمعرفة باتت بعد أكثر من أربعة عقود من العمل والجهد عاصمة عالمية للكتاب يتوافد إليها كبار المثقفين والمؤلفين والمفكرين والناشرين، وتقود برؤاها مشروع الثقافة العربية لتشرع نوافذ الحوار الإنساني مع العالم وتكرس مفاهيم أصيلة للتواصل والمحبة والسلام.
بدأت الحكاية منذ أن أهدى الشيخ محمد بن صقر القاسمي "رحمه الله" والد حاكم الشارقة.. ابنه خنجرا مذهبا حيث رهن الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي الخنجر واشترى بثمنه كتبا، وراح يشق طريقه في العلم ويحمل شغفه بقلبه وعقله حالما بعاصمة بنيانها الثقافة فباتت مكتبة بيته تتسع وتمتد أرففها حتى أصبحت الشارقة مكتبة كبيرة تجمع قراء العالم وتؤكد رؤيته التي لخصها سموه بقوله "الثقافة حجر الزاوية في التنمية المنشودة وهي ما يحقق التوازن بين الانتماء الحضاري وروح العصر" .
وتنكشف فصول حكاية الشارقة الحائزة على لقب العاصمة العالمية للكتاب لعام 2019 بالوقوف عند تاريخ طويل ومستمر من العمل كرس فيه حاكم الشارقة سلسلة من المشاريع والمبادرات والبرامج التي ظلت تتنامى وترسم ملامح إمارة الكتاب عاما تلو آخر، ويسرد كل فصل من فصولها حكاية مشروع ثقافي ظل الكتاب بطلها الأزلي.
معرض الشارقة الدولي للكتاب
وتتجلى صورة الشارقة الثقافية بالوقوف عند مشاريعها السباقة وبرامج عملها الرائدة فمنذ اليوم الذي افتتح حاكم الشارقة الدورة الأولى لمعرض الشارقة الدولي للكتاب عام 1982 أعلن رهانه على المعرفة وظل العمل يتواصل على مدار / 35 / عاما حتى بات المعرض اليوم ثالث أكبر معرض كتاب في العالم.
ويكفي المتابع لسيرة الشارقة مع الكتاب المقارنة بين الدورة الأولى لمعرض كتابها ودورته الأخيرة بعدما تحول المعرض من خيمة يجتمع فيها بعض الناشرين العرب وقلة من القراء آنذاك إلى مهرجان معرفي يقود المشهد الثقافي العربي ويجمع سنويا أكثر من مليوني زائر يتوافدون إليه من مختلف أنحاء دولة الإمارات العربية المتحدة والبلدان المجاورة ويستقطب ما يفوق الـ / 1500 / دار نشر من عشرات الدول الشقيقة والصديقة.
وإلى جانب معرض الكتاب وحضورها البارز في الحياة الثقافية تنتشر في إمارة الشارقة اليوم سبع مكتبات عامة تقدم لروادها صنوف المعرفة وألوان الكتب موفرة لهم البيئة المثالية لبداية رحلتهم مع عالم القراءة الممتع والمفيد من خلال 600 ألف وعاء معرفي تشمل الكتب والدوريات والوثائق والأفلام والمخطوطات والمجلدات وغيرها من المصادر المعرفية باللغتين العربية والإنجليزية ولغات أخرى عديدة.
واستنادا إلى هذا التاريخ الحافل بالإنجازات تمكنت الشارقة من الحصول على ثقة منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة "يونيسكو" بمنحها لقب "العاصمة العالمية للكتاب لعام 2019" بفضل الجهود التي بذلتها الشيخة بدور بنت سلطان القاسمي المؤسس ورئيس مجلس إدارة جمعية الناشرين الإماراتيين رئيس لجنة ملف تقديم الطلب إلى الـ"يونيسكو" وأعضاء هذه اللجنة سعادة أحمد بن ركاض العامري رئيس هيئة الشارقة للكتاب ومروة العقروبي رئيس مجلس إدارة المجلس الإماراتي لكتب اليافعين وراشد الكوس المدير التنفيذي لجمعية الناشرين الإماراتيين.
ولم يتوقف المعرض طوال العقود الثلاثة والنصف الماضية عن استحداث المبادرات وتوسيع مساحات عرض دور النشر المشاركة واستقطاب الأسماء الإبداعية العربية والأجنبية وتعميق رؤيته ليتحول من معرض سنوي للكتاب إلى مشروع ثقافي متكامل يجعل الشارقة والإمارات مركزا للفعل المعرفي والثقافي في المنطقة والعالم.
وشهد المعرض في دورته الـ 35 مشاركة أكثر من 1681 دار نشر عرضت أكثر من 1.5 مليون عنوان تحت شعار "اقرأ أكثر" ليثبت أن مسيرة التنوير والمعرفة لا يمكن له أن تتحقق إلا بالتراكم المتواصل والجهد المستمر والعمل الدؤوب ولا يمكن أن يحصد نتائجه إن لم يربِّ أجيالا من القراء والمثقفين.
وحقق المعرض منذ انطلاق دورته الأولى في يناير 1982 تحت شعار "اقرأ أنت في الشارقة" وإلى اليوم منجزات كبيرة كان أبرزها استضافة منظمة الأمم المتحدة للطفولة الـ"يونيسف" في دورته الثالثة كأول منظمة دولية تشارك في المعرض ورفع عدد المؤلفات المعروضة إلى خمسة أضعاف خلال خمسة أعوام فمن 12 ألف عنوان في دورته الثانية إلى 65 ألفا في الدورة السابعة وتوسعت رؤيته في دورته الـ 11 من استضافة دور النشر إلى تنظيم برنامج فكري وثقافي مصاحب يجمع كبار مشاهير الثقافة العربية والعالمية.
مهرجان الشارقة القرائي
وإلى جانب معرض الشارقة الدولي للكتاب خصصت الشارقة فعالية ثقافية كبرى للأطفال حملت اسم مهرجان الشارقة القرائي للطفل لتأسيس جيل من القراء المتمسكين بالكتاب والساعين وراء المعرفة .
وظل هذا المهرجان منذ انطلاقه في العام 2008 حريصا على جمع المتعة بالمعرفة والتأكيد على أن القراءة سبيل لبناء أجيال قادرة على نقل رؤية إمارة الشارقة ودولة الإمارات من حيز الخطط والاستراتيجيات المصاغة على الورق والمرسومة بتوجيهات صاحب السمو حاكم الشارقة ودعم قرينته الشيخة جواهر بنت محمد القاسمي رئيسة المجلس الأعلى لشؤون الأسرة إلى أرض الواقع.
ويكشف المسار الذي اختاره المهرجان نهجا له عن رؤية رصينة تستثمر بالأطفال واليافعين تقود طموحاتهم وأحلامهم لتأسيس جيل مثقف مبتكر ومبدع يحمل من الحصيلة المعرفية ما يؤهله ليشكل إضافة لمسيرة الدولة الحضارية والتنموية إذ ظل التجديد والتنوع يرافق دورات المهرجان بما يخدم مفهوم القراءة ويعزز من قيمة الكتاب حتى سجلت دورته التاسعة للعام 2017 أكثر من 300 ألف زائر توافدوا لحضور أكثر من 1403 فعاليات للطفل شارك فيها 55 ضيفا من 22 دولة فيما جمع برنامج فعالياته الثقافية 40 فعالية شارك فيها أكثر من 60 ضيفا من 23 دولة.
ثقافة بلا حدود
ويتكامل دور معرض الشارقة الدولي للكتاب ومهرجان الشارقة القرائي للطفل مع مجمل المشاريع والمبادرات التي تطلقها الشارقة في سعيها لتحقيق رؤيتها الثقافية إذ تتجلى في ظل ذلك مبادرة "ثقافة بلا حدود" التي كرست جهدها للنهوض بواقع القراءة المحلي وبناء مجتمع يؤمن بالكتاب كسبيل للارتقاء بالواقع وتحقيق النهضة المنشورة، حيث تتلخص فكرة المبادرة بإنشاء مكتبة في كل بيت من خلال تزويد العائلات الإماراتية بإمارة الشارقة بمجموعة قيمة ومختارة من الكتب باللغة العربية استفادت منها أكثر من 42 ألف عائلة في مختلف مناطق الإمارة.
لقد انطلقت مبادرة "ثقافة بلا حدود" برعاية الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة وبمتابعة حثيثة من قبل الشيخة بدور بنت سلطان القاسمي رئيس اللجنة المنظمة للمشروع لترسيخ اسم إمارة الشارقة كعاصمة للثقافة والمعرفة والكتاب في دولة الإمارات.
ومن أهداف هذا المبادرة تعزيز أهمية القراءة ودورها في عملية النمو الفكري لدى الأطفال واليافعين والشباب بالإضافة إلى تعميق المعرفة العامة لدى جميع أفراد المجتمع المحلي وهو ما يتقاطع بصورة واضحة مع مجمل الجهود الثقافية التي تطلقها الشارقة على المستويات المحلية والإقليمية والدولية.
مكتبة لكل بيت
وتتأكد ملامح مبادرة "ثقافة بلا حدود" كمشروع ثقافي كبير بالنظر إلى المبادرات التي تفرعت منه إذ نجح في تشكيل قاعدة متينة لإطلاق سلسلة من المبادرات والبرامج التي تنصب في الرؤية المحورية لها حيث نجحت مبادرة "مكتبة لكل بيت" في تحقيق إنجاز هو الأول من نوعه عالميا مع إعلانها الانتهاء مؤخرا من توفير مكتبة منزلية لـ42 ألفا و366 بيتا إماراتيا في الشارقة بواقع 50 كتابا لكل أسرة ليصل إجمالي عدد الكتب التي تضمها هذه المكتبات إلى مليونين و118 ألفا و300 كتاب في خطوة تؤكد أحقية الشارقة بأن تكون عاصمة للكتاب كما هي عاصمة للثقافة والفن والتعليم والمعرفة وتعكس اهتمامها بالاستثمار في البناء المعرفي للإنسان.
إلى جانب ذلك أطلقت "ثقافة بلا حدود" في العام 2016 مبادرة "ألف عنوان وعنوان" بهدف إصدار 1001 كتاب إماراتي طبعة أولى خلال عامي 2016 و2017 باللغة العربية في مختلف المجالات وللأعمار كافة، حيث تتكفل المبادرة التي تبلغ قيمة ميزانيتها الإجمالية خمسة ملايين درهم بتمويل هذه الإصدارات بشكل كامل أو جزئي وذلك وفقا لنوعية كل إصدار وأهميته.
وقد جاءت المبادرة تحت شعار "ندعم الفكر لنثري المحتوى" وبتوجيهات من الشيخة بدور بنت سلطان القاسمي واضعةً جملة من الأهداف أبرزها دعم دور النشر الإماراتية بشكل خاص إلى جانب دور النشر العربية التي تتخذ من دولة الإمارات مقرا لها، وزيادة عدد الإصدارات الإماراتية ورفع جودتها وإثراء المخزون الثقافي المحلي ودعم المؤلفين الإماراتيين ودور النشر الإماراتية، وفتح آفاق جديدة للناشرين وتوفير المقومات المادية اللازمة لاستمرارية دور النشر المحلية الصغيرة، إضافة إلى تشجيع الموهوبين من الباحثين الإماراتيين على نشر مؤلفاتهم وأعمالهم وتعزيز فرص فوز الإصدارات الإماراتية بالجوائز التقديرية العربية والدولية.
وفي إطار ذلك وضمن أهداف عريضة تتكامل مع رؤية "ثقافة بلا حدود" أطلقت المبادرة مشروع "العربة المتنقلة" لتوفير الكتب للمرضى في المستشفيات الحكومية الذين عادة ما يقضون ساعات عديدة إما في انتظار زيارتهم للطبيب أو أثناء عملية العلاج، وبذلك تصل الكتب لمن لا يستطيع الوصول إليها .
كما أطلقت مشروع "المكتبة الجوية" بالتعاون مع "العربية للطيران" لزيادة الوعي بأهمية الثقافة وجعلها أسلوب حياة والتأكيد على أن الكتاب يجب أن يكون صديق الإنسان المقرب يحمله معه أينما ذهب مهما كان عمره أو مستواه التعليمي.
وكرست المبادرة أهدافها في "المكتبة المتنقلة" في الأحياء السكنية التي جاءت لتكمل طموح "ثقافة بلا حدود" في إيصال الكتاب لأيدي مختلف فئات المجتمع داخل البيت وفي المدارس والجامعات وقاعات المراجعين في الدوائر الحكومية وصولا إلى الحدائق العامة لتكون خطوة سباقة في نشر الثقافة والمعرفة.
وبالتوازي مع كل هذه الجهود التي تستهدف الفرد وتنطلق منه نحو الأسرة وصولا إلى المجتمع والدولة بصورة عامة انتهاء بالمجتمعات العربية أسست الشيخة بدور بنت سلطان القاسمي في العام 2009 المجلس الإماراتي لكتب اليافعين لتشجيع نشر وتوزيع كتب الأطفال العالية الجودة باللغة العربية في دولة الإمارات وتزويد المؤلفين والرسامين الواعدين والمحترفين وكذلك دور النشر القائمة في الدولة بفرص التواصل وتبادل الخبرات وبناء القدرات بجانب تقديم الدعم والتدريب للعاملين في مجال كتب الأطفال.
"الناشرين الإماراتيين"
ولم يغفل مشروع الشارقة الثقافي عن توفير البنية التحتية اللازمة لتنفيذ هذا الحجم الكبير من المشاريع والمبادرات إذ ظلت المكتبات العامة ركيزة أساسية في تكريس ثقافة القراءة وتوسعت مساحات المعارض وشيدت المسارح وتنامى عدد المؤسسات الثقافية والجمعيات الناظمة للحراك المعرفي والثقافي في الإمارة، فكان تأسيس جمعية الناشرين الإماراتيين في العام 2009 استجابة حية لتنامي سوق النشر وصناعة الكتاب في الإمارة والإمارات بصورة عامة، حيث جاءت بمبادرة من الشيخة بدور بنت سلطان القاسمي بهدف خدمة وتطوير قطاع النشر في دولة الإمارات والارتقاء به والنهوض بدور الناشر الإماراتي والعربي من خلال برامج التأهيل والتدريب التي ترفع كفاءته.
ووضعت الجمعية منذ تأسيسها سلسلة من الأهداف التي يتلخص أبرزها في العمل على رعاية العاملين في قطاع النشر بدولة الإمارات وتحسين شروط المهنة والقوانين الخاصة بها بالتنسيق والتعاون مع المجلس الوطني للإعلام والجهات المعنية بالنشر في الدولة، إضافة إلى العديد من الجهات الشريكة في دول مجلس التعاون الخليجي والوطن العربي والعالم.
وتؤكد الجمعية في مجمل جهودها على سلسلة من الحقائق والوقائع التي تكشف واقع النشر في الإمارات؛ إذ تشير الدراسات إلى أن القيمة السوقية الإجمالية لقطاع النشر الإماراتي تبلغ نحو 260 مليون دولار أمريكي في الوقت الراهن، وتتركز معدلات النمو المرتفعة بشكل خاص في قطاعات الكتب التعليمية باللغة العربية وكتب المعلومات العملية وكتب التراث وكتب الأطفال.
و وضح الدراسات أن الإمارات باتت تتمتع بمكانة رائدة في المنطقة فيما يتعلق بالقوانين والتشريعات المنظمة لقطاع النشر؛ حيث يتم تطبيق كافة الاتفاقيات ذات الصلة بحقوق النشر، كما أنها باتت جاهزة لأن تصبح مركزا للشركات الدولية القيادية العاملة في صناعة النشر والتوزيع لمنطقة الشرق الأوسط وبوابة عبور بين أوروبا والعالم العربي وجنوب آسيا.
aXA6IDMuMTM3LjIxOS42OCA= جزيرة ام اند امز