القاتل الصامت.. ألغام الحوثي تحصد أرواح وأطراف اليمنيين
في سوق شعبي للصيد في مدينة الخوخة اليمنية، يحاول مروان يوسف (35 عاما) بيع الأسماك رغم تعرضه للإعاقة بسبب انفجار لغم لمليشيات الحوثي.
كان يوسف يجلس على كرسي متحرك ويحاول جاهدا بيع ما لديه محاولا توفير القوت اليومي لأطفاله وأسرته المؤلفة من 5 أفراد قائلا لـ"العين الإخبارية": إن "بيع الأسماك أصبح مصدر رزقه الوحيد وأنه منذ إعاقته لم يعد يستطيع العمل في أي مهنة أخرى".
تعود قصة إعاقة الشاب اليمني إلى أواخر 2020، عندما قرر مع أسرته النزوح من قرية "القطابا" جنوبي محافظة الحديدة (غرب) مع آخرين على متن حافلة ركاب صغيرة قبل أن ينفجر بهم لغم من مخلفات مليشيات الحوثي.
آنذاك، أدى الانفجار إلى مقتل شقيقه مروان وصديقه ومزقت أطراف 5 أطفال فيما نجا مروان بأعجوبة لكنه فقد قدميه وأصبح واحدا من آلاف المعاقين إثر "الموت الصامت" للمليشيات.
ولا تختلف قصة مروان يوسف عن الثلاثيني محمد الذي فقد أطرافه أمس الإثنين بعد انفجار لغم حوثي لدى عمله في جمع الحطب في بلدة "الزعفران" شمال مديرية الدريهمي جنوبي المحافظة الساحلية المطلة على البحر الأحمر.
واليومان الماضيان، انفجر لغم لمليشيات الحوثي بسيارة المواطن "عبـده صالح حويه" ما تسبب بمقتل اثنين من أطفاله وإصابة ثالث، كما أصيب هو وزوجته في الحادثة التي وقعت ببلدة "الغرفة" بمديرية المصلوب بمحافظة الجوف.
الحديدة والجوف الأكثر تضررا
في حصيلة مروعة، حصدت ألغام مليشيات الحوثي أرواح 121 شخصاً خلال الربع الأول من العام 2023، بحسب أحدث تقرير للأمم المتحدة.
التقرير الصادر عن مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية في اليمن قال إن مناطق الساحل الغربي لليمن شهدت أكثر من نصف ضحايا الألغام في جميع أنحاء البلاد.
وأشار إلى أن الألغام كانت "مسؤولة عن سقوط 121 ضحية من المدنيين في الربع الأول من عام 2023، انخفاضا من 140 ضحية من المدنيين في الربع الرابع من عام 2022.
وبحسب التقرير فإن انخفاض حدة المواجهات في الحديدة جنوبا سهل حرية أكبر في حركة المدنيين في المناطق التي هدأت فيها الأعمال القتالية، ولكن لم يتم تطهيرها بالكامل من بقايا الألغام ما تسبب بسقوط الكثير من الضحايا.
وأشار إلى أن الحديدة شهدت باستمرار العدد الأعلى من ضحايا المتفجرات من مخلفات الحرب في البلاد، وبعد الحديدة تأتي الجوف، حيث تم الإبلاغ فيها عن 19 ضحية من المدنيين نتيجة الألغام، ثم مأرب بـ8 ضحايا.
وأوضح أن محافظتي الجوف ومأرب شهدتا عدة تحذيرات من مياه السيول الناجمة عن هطول الأمطار الغزيرة التي تسببت في جرف عبوات متفجرة في الأشهر الأخيرة.
تأثيرات مدمرة
للألغام الأرضية التي تزرعها مليشيات الحوثي آثار اقتصادية واجتماعية كبيرة على اليمنيين في المناطق الحضرية والريفية، وتشكل قيودا كبيرة على التنمية.
وخلال الحرب، تلوثت مساحات واسعة في البلاد بملايين الألغام الأرضية مما جعل العديد من الأحياء السكنية غير صالحة للسكن أو خطرة، حيث فخخت مليشيات الحوثي نحو 9 محافظات يمنية بأكثر من مليوني لغم.
وبحسب الناشط اليمني مروان محمود فإن خطورة الألغام الحوثية تكمن في أنها سلاح منفلت وخارج عن السيطرة، فحتى لو سكتت النيران ووضعت الحرب أوزارها وألقى المقاتلون أسلحتهم فإن الألغام ستظل تنفجر لعشرات السنين".
وقال محمود في تصريح لـ"العين الإخبارية"، إنه "دون ضامن فعلي لإيقاف مليشيات الحوثي وإلزامها بالسلام، فكل سلام مع مليشيات الحوثي يصبح سلاما ناقصا ما لم يتم تسليم خرائط الألغام وإزالة وتطهير جميع حقول الموت العشوائية التي زرعتها المليشيات دون خرائط".
وأضاف: "لابد من الأخذ في الحسبان أن خطورة الألغام الحوثية تختلف عن سابقاتها من حروب الألغام البدائية المصممة لمواجهة الجيوش النظامية في الأساس فقد صممت المليشيات ألغامها للإيقاع بأكبر قدر من المدنيين وشل جميع نواحي الحياة من خلال التفنن في ابتكار أشكال مموهة لنشرها في مختلف البيئات اليمنية".
في السياق، دعا مركز حقوقي إلى تحرك دولي عاجل لتطهير الأراضي اليمنية من كارثة الألغام التي زرعتها مليشيات الحوثي على نطاق واسع في البلاد.
وقال المركز الأمريكي للعدالة (ACJ)، في بيان: "لا تزال الألغام التي تزرعها جماعة الحوثي تتسبب بالمآسي والآلام للأطفال والنساء والرجال وكبار السن بشكل شبه يومي، وتعطيل الحياة العامة وحصار المدنيين".
وشدد على ضرورة أن يعمل المجتمع الدولي "على إنهاء كارثة الألغام بشكل عاجل، وبدء إجراءات سريعة للمساعدة في الكشف عن خرائطها وتطهير البلاد منها".