من بوابة الهجرة والمصلحة المتبادلة.. إسبانيا تعزز دورها في أفريقيا
من بوابة الهجرة والأمن، وعلى أساس "تبادل المنافع"، تعزز إسبانيا دورها في أفريقيا، وسط معاناة قوى غربية أخرى بالقارة السمراء.
فرئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز، أعلن عن سلسلة من الاتفاقات مع دولة موريتانيا الواقعة في غرب أفريقيا لوقف الزيادة الكبيرة في أعداد المهاجرين الذين يقومون برحلة خطيرة عبر المحيط الأطلسي إلى جزر الكناري.
وقال سانشيز، الذي كان يتحدث إلى جانب الرئيس الموريتاني محمد ولد الغزواني في نواكشوط، الثلاثاء، إن إسبانيا ستوسع برنامجها للهجرة الدائرية لتشمل الموريتانيين وستجدد التعاون بين قوات الأمن في البلدين لمكافحة شبكات تهريب الأشخاص.
وأضاف ”رغم الخطاب المتزايد (المعارض للهجرة) في أوروبا، فإن الهجرة ليست مشكلة“، معترفاً صراحة بالحاجة إلى العمال المهاجرين في المجتمع الإسباني الذي يعاني من الشيخوخة.
لكنه لفت إلى أنها "حاجة تنطوي على بعض المشاكل، ولهذا يجب أن ندفع بالصيغ التي تسمح لنا بإدارة ظاهرة الهجرة بطريقة إنسانية وآمنة ومنظمة، بما يعود بالنفع على مجتمعاتنا.“
جولة أفريقية
ويقوم سانشيز بجولة تستغرق ثلاثة أيام في غرب أفريقيا لتعزيز العلاقات الثنائية مع موريتانيا وغامبيا والسنغال، حيث تنطلق غالبية قوارب المهاجرين التي تصل إلى جزر الكناري.
وشهد الأرخبيل الإسباني الذي يقع بالقرب من الساحل الأفريقي ويستخدم كنقطة انطلاق للمهاجرين واللاجئين الذين يحاولون الوصول إلى أوروبا القارية، وصول أكثر من 22,000 شخص إلى شواطئه منذ يناير/كانون الثاني، أي أكثر من ضعف عدد الوافدين غير الشرعيين في الفترة نفسها من العام الماضي، وفقاً لوزارة الداخلية الإسبانية.
وعن هذا التطور، علّق سانشيز: ”حتى وقت ليس ببعيد كانت إسبانيا أيضًا بلدا للمهاجرين... كانوا يطمحون إلى حياة أفضل، مثلهم مثل أولئك الذين يخاطرون كثيرًا ويخوضون هذه المغامرة الخطيرة“.
ومن بين أولئك الذين يصلون إلى جزر الكناري، آلاف اللاجئين الماليين الفارين من العنف وعدم الاستقرار في الدولة الواقعة في منطقة الساحل الأفريقي، بالإضافة إلى شباب من السنغال وموريتانيا وبلدان غرب أفريقيا الذين يبحثون عن فرص عمل أفضل في الخارج.
محطة "الكناري"
ووفق شبكة "إيه بي سي نيوز" الأمريكية، هناك أيضا عدد متزايد من المراهقين والأطفال الذين يسافرون بمفردهم إلى جزر الكناري؛ الأمر الذي أثقل كاهل الحكومة المحلية المسؤولة عن توفير الرعاية لهؤلاء القصر.
وأمس، اعترضت السنغال زورقا يحمل نحو 80 مهاجرا من غرب أفريقيا، بينهم ست نساء وسبعة أطفال، على بعد 80 كيلومترا (50 ميلًا) قبالة ساحل العاصمة داكار.
وأوضحت مديرية العلاقات العامة للقوات المسلحة السنغالية، أن الركاب الذين كانوا على متن القارب الذي تم اعتراضه يضم 55 سنغاليا و11 غينيا وسبعة من غامبيا وماليين اثنين ومواطنا واحدا من غينيا بيساو.
فيما تقول السلطات الإسبانية إنها تستعد لاستقبال المزيد من الوافدين هذا الخريف عندما تكون ظروف الإبحار في المحيط الأطلسي المميت بين غرب أفريقيا والأرخبيل، أكثر ملاءمة لرحلات القوارب الصغيرة.
وهذه هي المرة الثانية التي يزور فيها رئيس الوزراء الإسباني، موريتانيا هذا العام. ففي فبراير/شباط، سافر سانشيز إلى البلد الأفريقي، إلى جانب رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، وأعلن عن تقديم 210 مليون يورو (حوالي 235 مليون دولار) لمساعدتها على الحد من الهجرة.
وتستضيف موريتانيا، التي يُنظر إليها كمنارة للاستقرار في منطقة الساحل المضطربة، حوالي 200,000 لاجئ مالي على حدودها.
"القوة الناعمة"
وقال زعيما إسبانيا وموريتانيا، خلال لقائهما الثلاثاء، إن حكومتيهما ستعقدان اجتماعًا رفيع المستوى في نواكشوط، أوائل عام 2025.
وبالإضافة إلى اتفاقيتي الهجرة والأمن، أطلقت إسبانيا يوم الثلاثاء مجلس أعمال إسباني موريتاني لتعزيز الاستثمارات، فضلا عن افتتاح فرع لمعهد "سرفانتس" لتعزيز اللغة والثقافة الإسبانية.
تقاربٌ فسره سانشيز بقوله ”ستظل أفريقيا أولوية للسياسة الخارجية الإسبانية“.
ووفق مراقبين، فإن إسبانيا تقود سياسة مختلفة بعض الشيء عن قوى أوروبية أخرى، في مجال الحد من الهجرة، إذ تقر بحاجتها للعمالة والمهاجرين، ولا تنتقد الدول المصدرة للاجئين، وإنما تبحث عن "استراتيجية لإدارة الهجرة وليس منعها".
كما أن اعتماد مدريد على الاستثمارات والقوة الناعمة في تحركاتها في القارة الأفريقية، يجعلها بمنأى عن المعضلات التي تواجهها قوى غربية أخرى، مثل فرنسا والولايات المتحدة، في القارة السمراء.