خطاب قائد «الدعم السريع» بالسودان.. رسائل للداخل والخارج

رسائل للداخل وأخرى للخارج وجهها قائد قوات «الدعم السريع» بالسودان في ثاني لقاء وسط قواته منذ اندلاع الحرب منذ أكثر من عامين.
وبعد غيابٍ عن الظهور الميداني لأكثر من عامين، فاجأ محمد حمدان دقلو "حميدتي"، الأوساط السودانية بظهوره علناً في دارفور ، الأحد، وسط حشد كبير يقدر بآلاف الجنود من قواته.
ورغم أن حميدتي دأب على الظهور عبر التسجيلات الصوتية ومقاطع الفيديو المسجلة، منذ اندلاع الحرب بين قواته والجيش في أبريل/نيسان 2023، فإن منصات إعلامية مناصرة للجيش ظلت تنسج شائعات حول مقتله.
ولم تكتف تلك المنصات بتكثيف الدعاية الإعلامية حول مزاعم حميدتي وغيابه عن الظهور الميداني، بل زعمت أن ظهوره عبر مقاطع الفيديو المسجلة مجرد "تلاعب" متعمد من قبل قوات الدعم السريع بتقنيات الذكاء الاصطناعي، لإخفاء حقيقة مقتله.
رسائل
وبحسب مراقبين، فإن خطاب حميدتي أمام الحشود من قواته في دارفور جاء ليضع عدداً من الرسائل في بريد كلٌ من الجيش، ودول الجوار السوداني، وقوات الحركات المسلحة المتحالفة مع الجيش، وذلك عبر لغة خطاب مبسطة ولكنها واضحة الأهداف.
ويقول إيهاب مادبو، المحلل السياسي السوداني، ورئيس تحرير صحيفة "إدراك" الإلكترونية، إن "ظهور قائد قوات الدعم السريع علناً ومن داخل السودان ووسط قواته، كان بمثابة حدث كتب به شهادة وفاة للدعاية الكاذبة التي أطلقتها منصات التنظيم الإخواني المتحالفة مع الجيش السوداني".
وأوضح مادبو، في حديث لـ«العين الإخبارية»، أن في ظهور حميدتي تفنيدا لتلك الدعاية التي "حاولت إغراق الرأي العام السوداني بروايات عن مقتل حميدتي وعن "خدعة الذكاء الاصطناعي في تفسيرات ظهوره من خلال مقاطع الفيديو المسجلة سابقاً".
واعتبر أن الخطاب «يحمل بين طياته رسائل سياسية مباشرة تُنبئ عن طبيعة مسار إيجابي جديد، تخطط قوات الدعم السريع لارتياده، في وقت تواجه فيه الأزمة السودانية حالة من انسداد الأفق بسبب تعنت الجيش وحلفائه ورفضهم لأي مسار تفاوضي لإنهاء الحرب».
وأشار مادبو إلى أن خطاب حميدتي «أرسل تطمينات لقواته من خلال ظهور قوي ومتماسك للقائد وهو بين جنوده من داخل أرض المعارك».
كما لفت إلى أن "حميدتي أظهر تعاطفاً وتفاعلاً كبيراً مع قضايا الجنود الذين فقدوا أرواحهم خلال المعارك، وكذلك الجرحى والمصابون، حيث وعد أسرهم بجزيل العطاء والرعاية تقديراً للتضحيات التي بذلوها في صفوف قوات الدعم السريع".
واعتبر أن "ظهور حميدتي بهذا الخطاب هو في حد ذاته رسالة مهمة أوضحت أنه لا يزال يتحكم في قيادة قواته الكبيرة، ولا يزال مهتماً بتصريف كل شؤونها الداخلية الكبيرة منها والصغيرة".
باب الحوار مع مصر
وفي أول ظهور لـ«حميدتي» أمام الآلاف من جنوده، أرسل حميدتي رسائل طمأنة للقاهرة، معلناً استعداده لحل خلافاته مع مصر، ومتهماً في ذات الوقت، قيادة الجيش السوداني بـ"افتعال تلك الخلافات بين قواته والحكومة المصرية والتسبب فيها».
مديرة تحرير صحيفة "الأهرام" المصرية، والمختصة بالشؤون العربية والأفريقية، أسماء الحسيني، ترى أن «الخطاب الأخير لقائد قوات الدعم السريع جاء حاملاً لطمأنة أطراف عديدة، سواء لمصر، أو للداخل السوداني».
وحول ما يتعلق بتصريحات حميدتي في خطابه الأخير عن مصر، قالت الحسيني لـ«العين الإخبارية»: «أعتقد أن تصريحات حميدتي الأخيرة عن مصر كانت إيجابية، لكنها تحتاج لكثير من الأفعال».
وأشارت إلى أن «العلاقة بين الدعم السريع والقاهرة تأثرت سلباً بالتصريحات والأفعال غير الإيجابية الصادرة عن معسكر قوات الدعم السريع على مدى الشهور الماضية».
وبحسب أسماء الحسيني، فإن «القاهرة ظلت طوال الوقت بعيدة عن التورط في الصراع السوداني».
وأضافت: «ينبغي على الأطراف السودانية جميعها تقديم وإعلاء قضية الوطن السوداني وسيادته وسلامة مواطنيه قبل أي قضايا أخرى».
وقالت إن «مصر لديها توجه أساسي يتمثل في وقف الحرب في السودان، والحفاظ على سيادته وسلامة أراضيه، وأن القاهرة ظلت تؤكد بأن أبوابها مفتوحة لكل من يعمل في هذا الاتجاه».
وسبق أن اتهمت قوات الدعم السريع مصر بمساندة الجيش السوداني عسكرياً وقصف قواتها بالطيران الحربي، بينما نفت القاهرة تلك الاتهامات وظلت مع ذلك تتمسك بضرورة الحفاظ على وحدة السودان وسلامة أراضيه وسيادته.
الهجرة
وعلى صعيد آخر، أوضح المحلل السياسي إيهاب مادبو أن قائد قوات الدعم السريع تعمد، عبر خطابه الأخير، توجيه رسائل للمجتمع الدولي، من خلال قضية الهجرة غير النظامية، والتي تعتبر واحدة من أهم القضايا التي ظلت تشغل أذهان المجتمع الدولي.
وقال مادبو في حديثه لـ«العين الإخبارية»: «لفت حميدتي أنظار المجتمع الدولي والإقليمي بشكل غير مباشر لأهمية وجود قواته في منطقة المثلث الحدودي بين السودان ومصر وليبيا، لما يمكن أن تساهم به قواته في السيطرة على ظاهرة الهجرة غير النظامية، وكذلك على أي أنشطة أخرى تتعلق بتجارة المخدرات والسلاح عبر تلك المنطقة الاستراتيجية».
وقال حميدتي في خطابه الأخير إن سيطرة قوات الدعم السريع على منطقة المثلث الحدودي "إن لم تمثل إضافة لها، فلن تكون خصماً عليها".
وأعلنت قوات الدعم السريع سيطرتها على منطقة المثلث الحدودي، التي تربط بين السودان ومصر وليبيا، وهي منطقة استراتيجية، في منتصف يونيو/حزيران الجاري.
وأوضح قائد قوات الدعم السريع أن هذه المناطق كانت مسرحًا للأنشطة غير المشروعة، مثل المخدرات والإرهاب والتهريب".
واتهم حميدتي قادة الجيش السوداني بالضلوع في هذه الجرائم، وأكد أن قواته "تمكنت من تأمين الحدود مع الجيران"، مع التأكيد على احترامه لجميع الدول المجاورة، بما فيها مصر.
الحركات المسلحة
وفي رسالة صريحة إلى بعض قيادات الحركات المسلحة في دارفور غربي السودان، التي أعلنت انحيازها إلى معسكر الجيش في الحرب ضد قوات الدعم السريع، قال حميدتي إنه "ليس لديه مشكلة مع أركو مني مناوي، حاكم دارفور وقائد حركة جيش تحرير السودان، وكذلك جبريل إبراهيم، وزير المالية ورئيس حركة العدل والمساواة، مؤكداً أنه "سيقبلهم إذا جاءوا الآن".
وفي السابق، ظل حميدتي يشن هجومًا لاذعًا على قائدي حركة تحرير السودان والعدل والمساواة، منذ انحيازهما إلى صفوف الجيش في الحرب الدائرة.
ويأتي خطاب قائد قوات الدعم السريع المتصالح مع قادة الحركات المسلحة في ظل تصاعد التراشقات الإعلامية بينها وبين جهات حكومية، بسبب خلافات تتعلق بالتشكيل الوزاري المزمع إعلانه.
aXA6IDIxNi43My4yMTYuMTY4IA== جزيرة ام اند امز