إعادة ضبط العلاقات.. تساؤلات في بروكسل حول جدية ستارمر
بعد شهرين أمضاهما كير ستارمر في 10 داونينغ ستريت، بدأ الاتحاد الأوروبي يتساءل عما إذا كان الزعيم البريطاني يسعى لـ"إعادة ضبط" علاقة بلاده مع أوروبا.
وبشكل متزايد، يتشكك مسؤولون ودبلوماسيون أوروبيون في أن ستارمر حريص على التراجع عن خروج بريطانيا من التكتل، حيث لا يقدم رئيس الوزراء العمالي إلا الخطاب الدافئ، وفقا لما ذكرته مجلة "بوليتيكو" الأمريكية.
رفض بريطاني
ووجه ستارمر ضربة لحالة التفاؤل المبكر التي سادت العواصم الأوروبية بشأن الحكومة البريطانية الجديدة، بسبب رفضه السريع لأولويات الاتحاد الأوروبي.
وقال أحد كبار مسؤولي الاتحاد الأوروبي إن الآمال كانت مرتفعة في القارة العجوز بأن يتبنى ستارمر نهجا مختلفا عن أسلافه المحافظين، مشيرا إلى أن النهج البريطاني الجديد كان "إيجابيا نسبيا"، إلا أن الكثيرين "بدأوا في الاعتقاد أن الأمر مجرد واجهة؛ لأن الإجابة دائما تكون لا" عند الحديث عن عدد من الملفات مثل برنامج "إيراسموس" لتبادل الطلاب.
وكان يُنظر إلى العودة إلى برنامج تبادل الطلاب "إيراسموس" على أنها فرصة ستستغلها الحكومة البريطانية الجديدة، لذا كان تجاهل لندن للأمر بمثابة "مفاجأة".
وقال دبلوماسي أوروبي: "الخطاب البناء لطيف للغاية، لكن طالما لم يتغير شيء في موقف المملكة المتحدة، فأنا لا أرى كيف يتغير الوضع الراهن".
كانت بروكسل تدرك دائمًا أن الخطوط الحمراء لستارمر هي عدم وجود سوق واحدة أو اتحاد جمركي أو حرية حركة، كما أنها تستبعد علاقة وثيقة حقًا على غرار النرويج أو أيسلندا مع بريطانيا.
لكن الأمل كان أنه سيتحرك ضمن الحدود لتحقيق الحد الأقصى من التعاون، إلا أنه ومنذ تولى ستارمر منصبه بدا أن سترته السياسية الضيقة أصبحت أكثر صرامة.
وتأمل العواصم الأوروبية أن تسفر إعادة النظر في خطة المفوضية لبرنامج التبادل الطلابي، عن شيء يقبله ستارمر الحذر من التوقيع على أي شيء، يمكن أن يعزز مكانة حزب الإصلاح المؤيد لخروج بريطانيا من الاتحاد والمناهض للهجرة والذي شهد ارتفاعًا في الدعم في معاقل حزب العمال التقليدية.
ضبط العلاقات
وفي تصريحات لـ"بوليتيكو"، قال متحدث باسم الحكومة البريطانية "لقد كان لدينا مشاركة إيجابية للغاية في محادثاتنا المبكرة بينما نعمل على إعادة ضبط العلاقة مع أصدقائنا الأوروبيين لتعزيز العلاقات، وتأمين اتفاقية أمنية واسعة النطاق ومعالجة الحواجز أمام التجارة".
والواقع يشير إلى أن ستارمر لديه أولويات أخرى والتزامات خاصة به من شأنها أن تقرب المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي؛ فهو يريد صفقة للحد من البيروقراطية عند الحدود في دوفر، والاعتراف المتبادل بالمؤهلات المهنية لمساعدة قطاع الخدمات البريطاني على ممارسة الأعمال التجارية في الخارج، فضلا عن قيود أقل على الفنانين البريطانيين الذين يتجولون في القارة.
وتثور المخاوف في بروكسل من أن ستارمر لم يلاحظ أن الاتحاد الأوروبي لديه هو الآخر أولوياته الخاصة؛ بينها برنامج تبادل الطلاب الذي يمكن التعامل معه في إطار صفقة مقايضة بين الجانبين.
وأثارت جولة ستارمر في القارة العجوز شكوكا في بروكسل بأن لندن ربما تحاول إيجاد طرق للالتفاف على المفوضية الأوروبية، من خلال الذهاب مباشرة إلى عواصم القارة، الأمر الذي يمثل مصدر قلق دائم للتكتل عند التعامل مع القادة البريطانيين.
وحذر أحد مسؤولي الاتحاد الأوروبي من فكرة تجاوز بروكسل ووصفها بأنها "غير دقيقة" و"غير قانونية" وتأثيرها يكاد يكون معدوما؛ نظرا لأن تفويض التفاوض جرى تحديده بالفعل.
ازدراء؟
وحتى الآن، لم يلتق ستارمر برئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، التي لا تزال منشغلة بالتعيينات داخل المؤسسة. ويصر مسؤولو الاتحاد أن عدم وجود اجتماع بينهما ليس ازدراء.
وقال أناند مينون، مدير المملكة المتحدة في مؤسسة أبحاث أوروبا المتغيرة، إن بروكسل يجب أن تنتظر حتى تبدأ المفاوضات بالفعل قبل إصدار الحكم على ما ستقبله لندن أو ترفضه، مشيرا إلى أنه لا يوجد أحد تتفاوض معه حتي يتم تعيين مفوضية جديدة.
وحذر مسؤول أوروبي من احتمال وجود مشكلات عند الانتقال من مرحلة الخطابة إلى العمل، قائلا إنه في هذه الحالة فإن عملية إعادة ضبط ستارمر ستبدو وكأنها تكرار للسنوات الثماني الماضية.