المقابر أصدق من البيانات الرسمية.. لغز كورونا في سوريا
حصيلة فيروس كورونا المستجد (كوفيد-19) في سوريا محل جدل كبير، فالبيانات الرسمية تتحدث عن 209 وفيات.. ماذا يقول الواقع؟
تسعى مقبرة نجها مترامية الأطراف الواقعة على مشارف دمشق، حيث يرقد الآلاف ممن سقطوا خلال الحروب السورية، لمواكبة ارتفاع في عدد ضحايا أحدث صراع تخوضه الدولة وهو المعركة مع كوفيد-19 غير المعترف بها إلى حد بعيد.
تفيد البيانات الرسمية بأن حصيلة الوفيات على مستوى البلاد 209، لكن إشعارات الجنازات كانت توضع على جدران المدينة وتُنشر على مواقع التواصل الاجتماعي خلال الصيف بوتيرة شبه يومية حيث نعت منظمات مهنية المفقودين من الأطباء والأكاديميين والمحامين والسياسيين، بحسب وكالة "رويترز".
وتشهد مقبرة نجها، الموقع المخصص لضحايا كوفيد-19 في العاصمة السورية، عادة حوالي 40 من عمليات الدفن يوميا.
وقال عبد الرحيم بدير، الذي يصدر شهادات الوفاة في نجها، إن العدد ارتفع إلى أكثر من 3 أمثاله في معظم يوليو/ تموز كما شهد أغسطس/ آب قفزة. وأضاف أن الأعداد لا تزال أكبر بكثير من المتوسط.
ولا توجد أرقام مستقلة تمثل عدد حالات الإصابة الجديدة بفيروس كورونا والوفيات الناجمة عنه في البلاد، لكن رواية بدير تتفق مع تقارير بعض المنظمات غير الحكومية وموظفي الإغاثة الذين يقولون إن البيانات الرسمية تمثل قدرا ضئيلا من الحصيلة الحقيقية.
وأحجم مسؤولون كبار في قطاع الصحة بالحكومة اتصلت بهم رويترز عن التعليق على الاختلافات. ولم ترد وزارة الإعلام السورية على طلب أُرسل إليها بالبريد الإلكتروني للحصول على تعليق.
وقال بدير إنه لم يشهد مثل هذه الزيادة في عمليات الدفن على مدار 30 عاما في عمله. وأقيمت بعض الجنازات ليلا لتفادي تراكم الجثث.
وأضاف أنهم يحفرون بالفعل مقبرة جماعية يمكنها استيعاب الآلاف.
وسوريا معرضة بشكل كبير لتفشي الجائحة في ظل الدمار الذي أصاب المنظومة الصحية نتيجة للحرب المستمرة منذ 9 أعوام والافتقار إلى المعدات اللازمة للكشف عن الفيروس، فضلا عن الملايين الذين باتوا معرضين للإصابة بالعدوى بسبب الفقر والتشريد.
ورغم ذلك لم تعلن السلطات إلا عن عدد ضئيل من الحالات مقارنة بما سجلته الدول المجاورة، التي يعاني بعضها ارتفاعا كبيرا في الإصابات.
ولم تعترض منظمة الصحة العالمية في الشهور الأولى من الجائحة على الإحصاءات الحكومية، لكنها قالت في الآونة الأخيرة إن إمكانيات الفحص المحدودة في سوريا أخفت حجم الأزمة خاصة حول العاصمة.
وقالت أكجيمال ماجتيموفا، ممثلة منظمة الصحة العالمية في سوريا لرويترز، نقلا عن بيانات رصد وتحليل وبائي وتقارير وزارة الصحة، "لا تزال حالات كثيرة لا يتم الإبلاغ عنها، والعدد الحقيقي لحالات كوفيد-19 أعلى بكثير... دمشق وريف دمشق هما الأكثر تضررا".
وقال منسق كبير في منظمة غربية كبيرة غير حكومية، مشترطا عدم نشر هويته، إنه جرى رصد "ارتفاع كبير لم يسبق له مثيل في يوليو ومعظم أغسطس"، وصل إلى 120 حالة وفاة يوميا في المتوسط. وأضاف أن العدد تراجع إلى نحو 60 الشهر الماضي.
نشرت نقابة أطباء سوريا على صفحتها على فيسبوك في 16 أغسطس آب "قائمة بأسماء 61 من خيرة الأطباء الذين خسرتهم سوريا في الأيام الماضية". وقال مصدر في النقابة إن هناك ما لا يقل عن 87 وفاة مؤكدة أخرى في صفوف العاملين في القطاع الطبي منذ ذلك الحين.
وعانت مهن أخرى أيضا. فقد حذر نقيب المحامين في سوريا الفراس فارس زملاءه في رسالة في التاسع من أغسطس آب من "انتشار الوباء بشكل كبير في الدوائر والمحاكم التابعة لوزارة العدل ووفاة عدد كبير من زملائنا المحامين".
وفي ذروة الأزمة، أدى العجز لدى مستشفيات دمشق إلى تحويل بعض منازل الطبقة المتوسطة إلى مراكز علاج مع توفير شركات خاصة للأكسجين. وظهر مسؤولون في قطاع الصحة في وسائل الإعلام الرسمية لتشجيع هذا التوجه تحت وطأة الضغط الشديد.
وقال مصدران طبيان وموظف في منظمة غير حكومية إن الدعم المقدم من الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية منذ ذلك الحين يساعد السلطات في شراء الكثير من اللوازم مما خفف الضغط الذي دفع بعض المستشفيات لأن تطلب من المرضى إحضار أسرَّة واسطوانات أكسجين لأنفسهم.
لكن الأسواق والشوارع المزدحمة في المناطق الأكثر فقرا تمثل فرصة لانتشار الفيروس من جديد.
وقال مات همزلي، مستشار السياسات لدى أوكسفام والمقيم في دمشق: "كل الظروف متاحة هناك لينتشر بسرعة وهذا ما يحدث. دمشق وريف دمشق هما البؤرتان الساخنتان".
aXA6IDMuMTQwLjE4Ni4xODkg
جزيرة ام اند امز