الصناعة البحرية في الإمارات.. رحلة 50 عاما من المحلية إلى العالمية
الصناعات البحرية في الإمارات هي إحدى الصناعات غير النفطية التي أولتها الدولة أهمية ورعاية، حتى باتت أحد مكونات التنمية الاقتصادية فيها.
تبنت دولة الإمارات على مدى خمسة عقود رؤية طموحة تعتمد على تحقيق تنمية شاملة ومستدامة للعديد من القطاعات، لا سيما القطاع الصناعي البحري الذي يعد أحد مكونات الاقتصاد بدولة الإمارات.
وقد شهد هذا القطاع تطورا ونموا يلبي متطلبات المسيرة التنموية المتسارعة التي تمضي بها دولة الإمارات.
ووصل نمو قطاع الصناعة في الإمارات إلى مستوى التنافسية على جميع المستويات العربية والإقليمية والعالمية ويعود ذلك إلى السياسات والاستراتيجيات التي اعتمدتها الإمارات والقائمة على التنوع الاقتصادي وتعزيز القطاعات غير النفطية باتباع أفضل الممارسات الصناعية وبناء قاعدة متينة ومتطورة في هذا الجانب، بهدف تحقيق تنمية صناعية شاملة ومستدامة.
وأصبحت الإمارات في طليعة الدول المتصدرة في هذا المجال والوصول إلى العالمية، مما يؤكد حرصها على تعزيز تنمية القطاعات غير النفطية والريادة فيها.
مقومات طبيعية
وأسهم في نمو الصناعات البحرية في الإمارات العديد من المقومات التي تتفوق في هذا القطاع على الدول المجاورة لها والوصول بالصناعة إلى العالمية، ومن أهم تلك المقومات طبيعة الحياة البحرية الإماراتية، الممثل في الموقع الاستراتيجي الذي مكنها بأن تكون حلقة وصل بين الشرق والغرب، وتطور البنية التحتية القائمة في دولة الإمارات، بالإضافة إلى السياسات الحكومية الداعمة والمشجعة للاستثمار، والعلاقات الدولية المتميزة التي تتمتع بها الإمارات مع دول العالم.
مفاهيم جديدة
وتوجه الصناعة الإماراتية إلى التكنولوجيا والابتكار والتصميم الإبداعي كان له دور في تعزيز منافستها العالمية، وقد أدخلت الصناعات الوطنية مفاهيم جديدة على الصناعة البحرية، ومن أهم تلك الصناعات صناعة اليخوت والقوارب التي جمعت بين الجمال والعراقة والأصالة والدقة، بالإضافة إلى الحداثة والتطوير مما أسهم في نموها خلال العقود الخمسة من مسيرة دولة الإمارات التنموية وتدرجها في الإنتاجية من المحلية حتى الوصول إلى مستويات عالمية تنافس في الإنتاج الشركات الأوروبية والأمريكية العريقة في هذا المجال.
جلف كرافت
وبرزت في دولة الإمارات العديد من الشركات التي اهتمت بصناعة اليخوت والقوارب، وفرضت نفسها بريادتها في هذا القطاع على المستوى العربي والعالمي، وكان أبرز تلك الشركات "شركة الخليج لصناعة القوارب-جلف كرافت" وهي إحدى الشركات الإماراتية الرائدة في صناعة اليخوت والقوارب.
وتأسست الشركة في عام 1982 وأبهرت منذ تأسيسها العالم بإنتاج أرقى اليخوت الفاخرة والقوارب الترفيهية، ولعبت خلال 40 عاما دورا جوهرياً في تنمية قطاع صناعة القوارب في دولة الإمارات وعلى مستوى المنطقة، وحرصت على تطوير الصناعة المحلية لتكون قادرة على منافسة الشركات العالمية بفضل جودة المنتجات والابتكار في التصاميم التي تقدمها الشركة.
واستطاعت الشركة، التي توجد بأم القيوين، أن ترسخ مكانتها بين أفضل 10 شركات متخصصة في صناعة القوارب واليخوت حول العالم، بدعم من شبكتها العالمية الواسعة والتي تغطي أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية والشرق الأوسط وأفريقيا وآسيا والمحيط الهادئ، وعرض إنتاجها الذي شمل صناعة مجموعة يخوت "ماجستي" الفاخرة ، ويخوت "نوماد" عابرة البحار، والقوارب الرياضية "أوريكس"، وقوارب الرحلات العائلية والصيد "سيلفر كرافت"، وسلسلة القوارب المتعددة الاستعمال المخصصة لجولات المسافرين وأغراض النقل العديدة، مركزة في إنتاجها على التقنيات المتقدمة، والهندسة البحرية، والأبحاث والتطوير، وقد صنعت "جلف كرافت" يخوتاً وقوارب تتراوح قياساتها بين 31 إلى 175 قدما في حوض التصنيع التي تمتلكه في الإمارات.
وتستخدم الشركة في صناعة القوارب واليخوت عدة مواد أهمها الألياف الزجاجية المتطورة، إضافة إلى الخشب والرخام والألومنيوم وغيرها الكثير، وتقوم باستيراد المواد الخام من أفضل المزودين العالميين لتصنيع القوارب واليخوت، مع الحرص على استخدام التكنولوجيا والآليات المتطورة للحد من الانبعاثات الضارة أثناء التصنيع والحفاظ على صحة وسلامة الموظفين.
وأكد محمد حسين الشعالي رئيس مجلس إدارة شركة جلف كرافت لوكالة أنباء الإمارات، أن الصناعة والتكنولوجيا هي مستقبل أي بلد وهي مكون أساسي من مكونات الاقتصاد الوطني، وقال إن من الأسباب التي أسهمت في نجاح الصناعات البحرية وصناعة القوارب واليخوت بصورة خاصة هو الدعم اللوجستي الذي تقدمة دولة الإمارات للقطاع الصناعي، لأن الصناعة هي جزء من منظومة تعتمد على مكونات تتمثل في السياسات التي تتخذها دولة الإمارات ودعم القطاعات الأساسية الموجودة فيها مثل قطاعات البنوك والخدمات والطيران والنقل وغيرها من المكونات التي كانت عاملا أساسيا في بناء الصناعة، خاصة في شركة الخليج لصناعة القوارب-جلف كرافت.
وأضاف أن تصدير نوعية المنتج وجودته تسهم في دعم الاقتصاد الوطني من حيث رفع اسم الإمارات عالميا، وقال "أي منتج صادر من الإمارات يفتح الأبواب لصناعات مستقبلية، سواء على مستوى التصدير والاستيراد أو ما يتعلق بالسياحة والاستثمار".
وأوضح الشعالي أن "الشركة استندت في استراتيجيتها للوصول إلى الأسواق العالمية إلى سياسة الانفتاح الاقتصادي والتجاري والاستثماري التي تنتهجها دولة الإمارات العربية المتحدة، فبفضل هذه السياسة تمكنت شركة الخليج للقوارب من بناء العلاقات الدولية وفتح قنوات التواصل مع الوكلاء في الأسواق الدولية، واستعراض منتجاتها من القوارب واليخوت على مستوى العالم.
ونظراً لتصنيعها القوارب واليخوت وفقاً لأعلى المواصفات العالمية وبأسعار تنافسية تمكنت الشركة من ترسيخ مكانتها بين أفضل 10 شركات متخصصة في صناعة القوارب واليخوت حول العالم، بدعم من شبكتها العالمية الواسعة والتي تغطي أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية والشرق الأوسط وأفريقيا وآسيا والمحيط الهادئ".
تحديات كبيرة
وحول التحديات التي تواجه الصناعة، أوضح رئيس مجلس شركة جلف كرافت أن التحديات في بدايات الصناعة كانت كبيرة إلا أنه تم تجاوزها والتغلب عليها، لكن من أهم التحديات التي تواجه الصناعة حالياً هو كيفية إيجاد بيئة إقليمية مستقرة للصناعة اليخوت في المنطقة وإنشاء بيئة صناعية توفر قطاعات صناعية مكملة، مؤكدا أن الصناعة بصورة عامة استثمار صعب وبعيد المدى لكنه استثمار مجد، سواء على الصعيد الشخصي أو الوطني أو على صعيد الاستثمار.
وأضاف أن الصناعة هي معيار تقدم أي دولة ولها ميزات غير مرئية، منها الاستثمار في أبناء الوطن من خلال إكسابهم مهارات متجددة، بالإضافة إلى مساهمة الصناعة استيراد التيكنولوجيا والعديد من المميزات التي ترفع اسم دولة الإمارات على مستوى العالم.
وعن دعم الشركة للسياسة التوطين، أكد اهتماما ودعما خاصا من الشركة للتوطين وتشجيع الشباب الإماراتي على العمل في قطاع صناعة القوارب واليخوت، مشيرا إلى أنه يتم التواصل باستمرار مع الجامعات والمؤسسات التعليمية لبحث سبل تشجيع الشباب الإماراتي على الانخراط في الهندسة البحرية.
وقال إنه قطاع متنامٍ وغني بالفرص المميزة، حيث يتوقع أن يرتفع إسهام صناعة القوارب الوطنية في مجمل حجم الصناعة عالمياً خلال السنوات المقبلة في ظل تطور البنية التحتية وزيادة عدد المشاريع البحرية التي تعد داعماً أساسياً لهذه الصناعة.
مستقبل صناعة اليخوت
وعن مستقبل صناعة اليخوت في الإمارات، قال محمد حسين الشعالي إن العالم متجدد باستمرار، وإن الصناعة البحرية صناعة قديمة والإنسان من بداية ركوبه البحر وهو يفكر في الإبحار الآمن والسريع والعديد من المتطلبات التي تزداد مع الوقت وهي متطلبات مستمرة ومتجدد.
- الانتعاش بات قريبا.. توقعات "أونكتاد" للتجارة البحرية
- "الجرافات البحرية" الإماراتية تفوز بمشروع ضخم في مصر
وأضاف أنه من الممكن في المستقبل استخدام مواد وطرق في الصناعة تتوافق مع مستجدات العصر، وتجعل دولة الإمارات رائدة في هذا القطاع من حيث استخدام التكنولوجيا في الصناعة ونوعية المواد المستخدمة، بالإضافة إلى الريادة في التصاميم وقيادة هذا القطاع.
وعن تأثر الصناعة بجائحة "كورونا"، قال "تأثرت كافة القطاعات حول العالم بالجائحة، ولكن بفضل سياسة دولة الإمارات العربية في التصدي للأزمة والتصرف السريع فيما يخص تطبيق الإجراءات الاحترازية الصارمة تمكنت الشركة من الاستمرار بالعمليات التشغيلية في المصنع، ولكن بالتأكيد مع خفض السعة التشغيلية لـ30%، وهو أمر كان لا بد القيام به للحفاظ على صحة وسلامة موظفينا".
وأضاف "قامت الشركة بالتعاون مع عدة شركات محلية لتزويدنا بالمواد الخام اللازمة لبناء القوارب، والتي يتم استيرادها دوليا في الظروف الطبيعية، نظرا للقيود المفروضة على الموردين العالمين في بلادهم، الأمر الذي مكننا من دعم المزودين المحليين في هذه الظروف الاستثنائية".
يذكر أن شركة الخليج لصناعة القوارب أعلنت عن تدشين يختها الميغا "ماجستي 175" ونجاحه في تجربة الإبحار الأولى له ويعد أكبر يخوت الميغا في العالم صنع بالكامل في دولة الإمارات العربية المتحدة من الألياف الزجاجية المركبة، حاملا شعار "صنع في الإمارات"، وسيتم إطلاقة رسمياً خلال العام الجاري مع الاحتفال بمرور 50 عاماً على تأسيس دولة الإمارات.
وتواصل "جلف كرافت" في تصنيع القوارب الصغيرة تلبيةً لاحتياجات السوق المحلي الذي يحمل مؤشرات إيجابية من ناحية الطلب، وتعمل الشركة ضمن خططها التوسعية على مستوى العالم على التواصل المستمر مع شركائها في الأسواق الرئيسية بهدف توسيع شبكة الموزعين والوكلاء في كل من أستراليا وآسيا وأوروبا وأمريكا.
aXA6IDE4LjExNy43MS4yMzkg جزيرة ام اند امز