"سولي" توم هانكس .. 96 دقيقة من الإثارة
جمهور توم هانكس حظي بممثل شامل وعبقري يستطيع أن يقدم كل ألوان التمثيل في مشاهد متتالية.
لم يتوقف النجم العالمي توم هانكس عن إمتاع جمهوره لحظة واحدة وتقديم فيلم يناسب مستوى ذوقه الذي عود عليه عشاقه منذ سنوات طويلة.
الآن يحصد توم هانكس مكاسبه الكبيرة في فيلمه الجديد "سولي"، بعد أن تصدر "البوكس أوفيس" في الولايات المتحدة، فجمهوره العريض - والأمريكي بشكل خاص - يعرف أن ثمن تذكرة السينما التي يدفعها لن تذهب هباء في فيلم لا يقدم جديداً إنسانياً وفنياً.
شغف الجمهور لا يبدأ مع اللحظات الأولى لعرض الفيلم، ولكن سبق ذلك فضول كبير منذ الإعلان عن طرح الفيلم في دور السينما أو ربما وقت الإعلان عن تصويره.
جمهور توم هانكس حظي بممثل شامل وعبقري يستطيع أن يقدم كل ألوان التمثيل في مشاهد متتالية وربما في مشهد واحد وهذا تكرر في أكثر أفلامه.
في "سولي" يجسد توم هانكس قصة حقيقة لطيار أمريكي تحول لبطل قومي بعد حادثة شهيرة لم يصدقها سكان نيويورك في 15 من يناير/كانون الثاني العام 2009 بعد أن تهيأ ركاب الرحلة 1549 لخطوط الولايات المتحدة الجوية للطيران، للموت داخل الطائرة في أحضان نهر "هدسون".
يبدأ الفيلم من حيث انتهى الحادث وخضوع "سولي" لمحاكمة دامت 15 شهرا أمام مجلس سلامة النقل الوطني الأمريكي، بتهمة تعريض حياة الركاب للخطر، ومخالفة أوامر برج المراقبة الذي اقترح عليه طريقين لهبوط الطائرة التي تعرض محركيها للتوقف تماما بعد تصادمها مع سرب من الطيور المهاجرة في السماء.
يبدو هانكس طيار امخضرما بشعر أبيض وعينين لم يغب عنهما القلق والشرود طوال الوقت، ليس بفعل الحادث المروع الذي تعرض له ونجا منه بأعجوبة، ولكن من المصير البائس الذي ينتظره حال الحكم عليه بالتقصير في واجبه ومن ثم سحب شارة الطيران الخاصة به وإحالته للتقاعد.
كل الناس سعداء بالحادث الأسطوري إلا "سولي"، فمشواره المهني الطويل الذي تجاوز الـ 40 عاما قد يضيع هباء أمام 208 ثانية مروعة قضاها داخل الطائرة.
وسائل الإعلام لم تتوقف عن متابعة الحدث الجلل، فيما تحاول بعض القنوات إعطاء مزيد من الإثارة والجدل حول الواقعة، لتتحدث عن نوايا أخرى قد يحملها الطيار الخبير، باتخاذه نهر "هادسون" كمهبط لطائرة في واقعة هي الأولى في عالم الطيران.
لا يشعر المشاهد أبدا أنه أمام فيلم وثائقي يسرد قصة حقيقية عاشتها نيويورك قبل 7 سنوات، والفضل في ذلك لمسات المخرج الكبير "كلينت ايستوود" الذي انتقل ببراعة شديدة بين الحاضر والمستقبل وبدأ بنهاية الأحداث من حيث لا يشعر المشاهد أو يصاب بالملل.
"سولي" من الأفلام الهامة في مشوار توم هانكس وإن كانت قريبة شكلا في بعض أشهر أفلامه مثل "فورست جامب" و "كاست اواي" التي اعتمد فيها الفيلم على بطولته هو وحده طوال الوقت.
لكن ذلك لا يعني الأداء البارع، الذي قدمه الممثل الأمريكي "آرون إيكهارت"، في الفيلم كمساعد في قمرة القيادة لـ"سولي" والذي لازمه طوال الوقت في أزمته والرفع من روحه المعنوية والاعتراف بالفرصة في استكمال حياته بحسن إدارته للأزمة وتحمله لمسؤوليته.
96 دقيقة من الإثارة والمتعة يعيشها المشاهد على مقعده داخل دور العرض، ويتخيل نفسه أحد الركاب المصاحبين لـ"سولي" ومدى الحاجة الملحة لقائد مثله في وقت يعاني فيه العالم من حوادث سقوط الطيران المتكرر.
يسلط الفيلم الضوء على الجوانب الإنسانية لـ"سولي" والمفهوم العميق لمعنى كلمة "قائد" والفارق بينها وبين "الرئيس" وهذا يمكننا ملاحظته في مشهد خروج هانكس من الطائرة بعد أن راجها أكثر من مرة بحثا عن راكب مفقود، فضلا عن قلقه وتوتره طوال الوقت حتى إبلاغه بسلامة جميع الركاب الـ 155 وهنا تحتبس الدموع داخل عيني القائد.
الفيلم لم يتجاهل الحديث عن الحلم الأمريكي وسرعة التعامل مع الأزمة في الدول الكبرى، والعنصر الإنساني وأهمية حياة المواطن، وتسخير كل الإمكانيات للحفاظ على حياته.
ولعل البعض لاحظ أحد المشاهد، التي تتعرض فيها طائرة الركاب إلى الاصطدام بأحد الأبراج الشاهقة في نيويورك، بشكل يذكرنا بأحداث الـ 11 من سبتمبر 2001 ولا يعرف بدقة ما المقصود منه.
خاتمة الفيلم لا تقل براعة عن بدايته، وهو ما نراه في التحقيق العلني الذي لقن فيه "سولي" هيئة المحققين وكل مشاهديه درسا لن ينسوه أبدا، بطريقة تعكس دفاعه بحكمة ومهنية شديدة أخرست محققيه، وألهمتهم المعنى الحقيقي للعامل البشري في واحد من أقسى الظروف التي قد يتعرض لها إنسان، أرواح المئات بيده ومصيرهم عالق بقرار سريع عليه أن يتخذه مجبرا.