القاسم المشترك بين الاتفاقيتين المذكورتين هو أنهما لا تحملان في أي منهما توقيع الطرف السوري. أي أطرافها غير سوريين
لا تكاد سوريا تخرج من اتفاقية حتى تدخل في اتفاق جديد. عشرات بل مئات القرارات الدولية وغير الدولية والثنائية والثلاثية وما شابه، صدرت منذ انفجار الوضع فيها في عام 2011.
خلال أقل من أسبوع عرفت الأزمة السورية اتفاقيتين ربما تكونان من أهم الاتفاقيات الأخيرة. الأولى «اتفاقية أنقرة» في ال 17 من أكتوبر بين أنقرة وواشنطن بعد زيارة نائب الرئيس الأمريكي مايك بنس ولقائه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وأكدت على الانسحاب الأمريكي من سوريا وإقامة «منطقة آمنة» في شرق الفرات وانسحاب قوات الحماية الكردية، مع أسلحتها، منها بعمق 32 كيلومتراً على امتداد الحدود مع تركيا.
بالتأكيد إيران حاضرة بقوة، لكنها تنتظم خلف دور روسيا وقيصرها الذي أصبح اللاعب الأول المطلق في سوريا، والناظم لحركة كل الأطراف، وهذا ما يقرّب، على الرغم من كل الملفات الشائكة والمعقدة والكبيرة، نهايات الحرب والأزمة التي مضى عليها ثماني سنوات.
واعتبرت الاتفاقية انتصاراً لأردوغان على أساس أنه حقق مطلباً قومياً بتنظيف المنطقة هناك من «الإرهاب الكردي». ولم يعترض أحد في الداخل التركي على الاتفاق إلا بمقدار ما كانوا يريدون أن تفتح أنقرة حواراً مع دمشق.
أما الاتفاقية الثانية، فقد وقّعت في مدينة سوتشي في القمة التي جمعت أردوغان مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يوم الثلاثاء الماضي في ال 22 من أكتوبر.
وقد وصف أردوغان الاتفاقية بالتاريخية، ولعلها تكون كذلك. ولكنها بتوصيف أدق يمكن اعتبارها اتفاقية إنهاء الحرب في سوريا. فبعد الانسحاب الأمريكي من سوريا وضعف الدورين الأوروبي والعربي، خلت الساحة هناك إلا من ثلاثة أطراف مؤثرة وتمسك بالوضع على الأرض، وهي روسيا وتركيا والدولة السورية بدعم من إيران.
القاسم المشترك بين الاتفاقيتين المذكورتين هو أنهما لا تحملان في أي منهما توقيع الطرف السوري. أي أطرافها غير سوريين: أمريكا وروسيا وتركيا. والقاسم المشترك بينهما أيضاً هو وجود التوقيع التركي على كليهما. وهذا مؤشر على تعاظم الدور والتأثير التركيين في الوضع الداخلي السوري.
حملت اتفاقية أنقرة مع الأمريكيين إضعافاً للوجود الكردي في شرق الفرات بإعلان انسحاب مقاتليهم من المنطقة الحدودية مع أسلحتهم ودخول القوات التركية. أما اتفاقية سوتشي، فقد أكملت على الجزء المتبقي من المقاتلين الأكراد، وأسلحتهم، في المناطق التي يتواجدون فيها وتقع خارج «المنطقة الآمنة». كما تقرر إقامة دوريات مشتركة تركية - روسية خارج المنطقة الآمنة بعمق 10 كيلومترات من عين العرب / كوباني إلى الحدود العراقية باستثناء مدينة قامشلي. على أن تنتشر القوات السورية مع القوات الروسية في المناطق الواقعة خارج المنطقة الآمنة.
بذلك تكون قوات الحماية الكردية، عصب قوات ما يسمى ب «قوات سوريا الديموقراطية» (قسد) قد استكملت انحلالها وتصفية وجودها. وهو ما يعني في السياسة إنهاء تجربة حكم «الإدارة الذاتية» في «روجافا» أي كردستان الغربية في سوريا.
انتهت التجربة الكردية القصيرة التي استمرت من عام 2012-2013 تقريباً على شكل كانتونات في عفرين وكوباني والجزيرة، ومن ثم على شكل الإدارة الذاتية، وانتهت إلى تصفية وجودها المادي والإداري والسياسي والعسكري، ولم يتبقَّ منها سوى أفراد وكتل سكانية في مناطقها، تكاد لا تفكر في البقاء هناك. انتهت الإدارة الذاتية بعدما تخلى عنها الأمريكي، وبعد ضربها على يد الجيش التركي، وبعد فشل التفاوض مع دمشق ومن خلفها روسيا، لتدخل الحالة الكردية في سوريا وعصبها حزب الاتحاد الديمقراطي المؤيد لحزب العمال الكردستاني، مرحلة مريرة بعد أخطاء في الحسابات وفي تقدير موازين القوى، وبعد وثوقها الساذج في «الحليف» الأمريكي الذي تخلى عنها في ليلة ليلاء، ولهذا حديث في وقت لاحق.
لكن المهم أيضاً في اتفاقية سوتشي أنها قد تفتح الطريق أمام التواصل المباشر بين أنقرة ودمشق، مع الإشارة في النص إلى «اتفاقية أضنة» التي نظمت العلاقات الأمنية والعسكرية بين تركيا وسوريا في عام 1998. بمعنى أن روسيا قدمت لتركيا مكاسب مهمة في اتفاقية سوتشي على أمل أن تعمل تركيا على تغيير موقفها من النظام السوري، والتوصل إلى اتفاق نهائي للحل في سوريا مع بدء الاجتماعات المحتملة للجنة الدستورية قريباً.
يتناقص عدد اللاعبين المؤثرين في الأزمة السورية. وهم اليوم روسيا وتركيا والدولة السورية. بالتأكيد إيران حاضرة بقوة، لكنها تنتظم خلف دور روسيا وقيصرها الذي أصبح اللاعب الأول المطلق في سوريا، والناظم لحركة كل الأطراف، وهذا ما يقرّب، على الرغم من كل الملفات الشائكة والمعقدة والكبيرة، نهايات الحرب والأزمة التي مضى عليها ثماني سنوات.
نقلاً عن "الخليج"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة