ترامب ونوبل للسلام.. ترشيح الرئيس بميزان الشروط والإنجازات

عاد اسم الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، إلى بورصة جائزة نوبل للسلام، بعد "تزكية إسرائيلية"، ما يفتح ملف شروط الجائزة وإنجازات الرئيس.
وأعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، في البيت الأبيض، ترشيح الرئيس الأمريكي لنيل جائزة نوبل للسلام، مقدّما للملياردير الجمهوري خلال اجتماع في البيت الأبيض، نسخة عن رسالة الترشيح التي أرسلها إلى لجنة الجائزة.
وخلال السنوات الماضية، تلقّى ترامب من مؤيّدين ومشرّعين موالين له العديد من الترشيحات لنيل نوبل السلام، الجائزة المرموقة التي لم يُخفِ الرئيس الملياردير، رغبته في الفوز بها.
وفي السابق، اشتكى ترامب من تجاهل لجنة نوبل النرويجية للجهود التي بذلها في حلّ النزاعات بين الهند وباكستان، وصربيا وكوسوفو.
وتاريخيا، فاز 4 رؤساء أمريكيين بجائزة نوبل للسلام، هم: تيودور روزفلت وودرو ويلسون وجيمي كارتر وباراك أوباما.
شروط الجائزة
تُمنح جائزة للأفراد أو المنظمات التي تساهم في "تعزيز أواصر الإخاء بين الأمم" وتقليل النزاعات والتسلح، وفق وصية العالم السويدي الشهير ألفريد نوبل.
موقع الجائزة يقول إنه "يمكن عمليا لأي شخص حي أو أي مؤسسة نشطة الفوز بالجائزة" إذا استوفى الشروط السابقة.
وسجل المعهد النرويجي لجائزة نوبل ما مجموعه 338 مرشحًا لجائزة السلام لعام 2025، منهم 244 فردًا و94 منظمة.
لكن موقع الجائزة يقول إن آخر موعد لتلقي ترشيحات لجائزة نوبل للسلام هو نهاية يناير من كل عام تمنح فيه الجائزة، أي أن ترشيح نتنياهو قد لا يكون ضمن حسابات جائزة العام الحالي.
وفيما يتعلق بتحديد الفائز، تتولى لجنة نوبل النرويجية، المؤلفة من 5 أعضاء يُعيّنهم البرلمان النرويجي، مهمة فرز الترشيحات واختيار الفائز.
سنويا، تراجع اللجنة مئات الترشيحات بمساعدة خبراء، وتسعى عادة للوصول إلى قرار توافقي، لكن يمكنها التصويت بالأغلبية لتسمية الفائز.
ويحصل الفائز بجائزة نوبل للسلام على ميدالية ودبلوم ومبلغ مالي قدره 11 مليون كرونة سويدية (نحو 1.15 مليون دولار)، إلى جانب اهتمام عالمي كبير.
ترشيح ترامب في الميزان
وبعد ترشيح من نتنياهو، تثار تساؤلات جوهرية حول مدى استيفاء ترامب لمعايير الجائزة الأشهر عالميًا، خاصة في ظل إرث سياسي "مثير للانقسام"، وإنجازات دبلوماسية يراها البعض "تقدمًا حقيقيًا نحو السلام"، بينما يعتبرها آخرون "تجميلًا لمواقف انتقائية"، وفق خبراء تحدثوا لـ"العين الإخبارية".
وترى أستاذة القانون وخبيرة في الشؤون الدولية الأمريكية، إيرينا تسوكرمان، أن أبرز إنجازات ترامب في سياق السلام، تمثلت في الاتفاقيات الإبراهيمية، التي أسفرت عن إعادة العلاقات الدبلوماسية بين إسرائيل وعدد من الدول العربية.
ولفتت إلى أن هذا يعتبر هذا التحول بمثابة اختراق دبلوماسي مهم في الشرق الأوسط.
الخبيرة الأمريكية مضت قائلة: "من وجهة نظر المؤيدين، تمثل هذه الاتفاقات تقدمًا فعليًا نحو السلام الإقليمي والتعاون الاستراتيجي، مما يفي بأحد شروط الجائزة، لكن بالمقابل، يرى منتقدو ترامب أن هذه الاتفاقات لم تعالج جذور النزاع الإقليمي، وعلى رأسها القضية الفلسطينية".
قبل أن تضيف: "من زاوية تنفيذ الإنجاز، فإن اتفاقات إبراهيم ليست مجرد وعود، بل اتفاقيات رسمية تم توقيعها وتطبيقها بدرجات متفاوتة، تضمنت فتح سفارات وتعزيز التعاون الثنائي، وهذا يحقق أحد شروط نوبل التي تشترط أن يكون الإنجاز قد تحقق بالفعل، لا أن يكون مجرد نية".
أما عن التأثير الدولي، فأشارت تسوكرمان إلى أنه "كان واضحًا أن الاتفاقات أحدثت تحوّلًا جيوسياسيًا يتجاوز الأطراف الموقعة، وأثّرت في ميزان القوى في المنطقة والعلاقات الدولية بشأن إيران".
ومع ذلك، فإن سياسة ترامب الخارجية "شابها تناقضات كبيرة، بما في ذلك الانسحاب من الاتفاق النووي مع إيران، وصفقات الأسلحة المثيرة للجدل، والتوتر مع الحلفاء التقليديين، وهو ما يضعف رواية الإنجاز السلمي الصافي"، وفق الخبيرة الأمريكية.
تسوكرمان لفتت ايضا طُرح اسم ترامب أيضا للجائزة في سياق الأزمة الأخيرة بين الهند وباكستان، وذلك بعد ترشيح إسلام آباد للملياردير، إثر لعبه دورًا حاسمًا في منع تصعيد خطير بين دولتين نوويتين، عقب هجمات متبادلة على خط السيطرة في كشمير.
ووفق تسوكرمان، أقنع ترامب الطرفين بوقف التصعيد، وهو إنجاز ينسجم مع المعايير الأساسية لجائزة نوبل وخصوصًا أن وقف إطلاق النار – رغم هشاشته – قد تم فعليًا عقب هذا التدخل، وهو ما يفي بشرط "الإنجاز المكتمل".
لكنها أوضحت أن هذا السيناريو يصطدم بعقبة كبرى، وهي الرفض العلني من الحكومة الهندية لأي دور أمريكي في مفاوضات السلام المقبلة بين البلدين، بناء على البيان الذي أصدرته وزارة الخارجية الهندية، مما يثير تساؤلات لدى لجنه نوبل حول مدى اعتراف جميع الأطراف بدور الرئيس الأمريكي.
ما مدى جدية الترشيح؟
بدورة، أكد الدبلوماسي الأمريكي الأسبق، باتريك ثيروس، أن توصية رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بمنح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب جائزة نوبل للسلام "كانت لتكون مثيرة للسخرية في الظروف العادية"، مستدركا أن "هذه ليست أوقاتًا عادية".
وقال ثيروس لـ" العين الإخبارية"، إن "ترشيحًا من سياسي يواجه لائحة اتهام من المحكمة الجنائية الدولية بارتكاب جرائم إبادة جماعية، ينسف من حيث المبدأ كل ما تمثله جائزة نوبل من قيم أخلاقية وإنسانية".
وأضاف أن ما يحدث "لا يعدو كونه محاولة مكشوفة لمخاطبة نرجسية ترامب المعروفة، وشغفه المفرط بالمديح والإطراء، والجميع يدرك ذلك، ولا أحد يمكنه الادعاء بوجود أساس موضوعي لهذا الترشيح."
نية حقيقية لتحقيق السلام
ومع ذلك، يرى ثيروس أن ترامب، رغم أسلوبه "المرتبك والمشوش"، يبدو أنه يمتلك نية حقيقية لتحقيق السلام في الشرق الأوسط، مشيرا إلى أن "كل المؤشرات تدل على أنه، لو أتيحت له فرصة لإبرام اتفاق مع إيران، لفعل ذلك دون أن يكترث بمشكلات نتنياهو السياسية".
وختم الدبلوماسي الأمريكي الأسبق حديثه بالتأكيد على أن "جائزة نوبل للسلام يجب أن تظل بعيدة عن الاستغلال السياسي، لا سيما في ظل التحديات الأخلاقية التي تفرضها العدالة الدولية، واستمرار النزاعات، واختلال المعايير في ترشيحات كهذه".
ومن جانبها، قالت المحامية وعضوة الحزب الجمهوري الأمريكي جينجر تي تشابمان، إن تقديم رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لترامب نسخة من رسالته التي رشّحه فيها لجائزة نوبل للسلام، "أشعر الأمريكيين بالدهشة والصدمة لأنه ليس الوقت المناسب".
وأضافت تشابمان: "في ضوء المعايير الأساسية التي وضعتها لجنة نوبل النرويجية لاختيار الفائز من بين المرشحين وتشمل مجالات تركيز اللجنة بشكل عام: ضبط التسلح ونزع السلاح، ومفاوضات السلام، والديمقراطية وحقوق الإنسان، والجهود الرامية إلى بناء عالم أكثر سلمًا وتنظيمًا، سيُصاب الرئيس ترامب بخيبة أمل عندما تُعلن اللجنة عن اختيار الفائز بجائزة نوبل لعام 2025".
وأوضحت أن العديد من الشخصيات البارزة في وسائل الإعلام الأمريكية رجحت أن ولاية ترامب الأولى كانت ستكون الوقت المناسب لنيل هذه الجائزة، مضيفة أنه "أما الآن، فيُعرب الكثيرون عن شكوكهم المختلفة بشأن ولايته الثانية".
واستطردت "فيما يتعلق بضبط التسلح ونزع السلاح، شهدنا في عهد الرئيس ترامب استمرار تدفق الأسلحة إلى أوكرانيا دون انقطاع، بينما ازداد تدفق القنابل والرصاص والصواريخ إلى إسرائيل".
وقالت إنه "تستخدم الأولى في حربنا بالوكالة على روسيا، بينما استُخدمت الثانية في التطهير العرقي، وتهجير السكان، وتحقيق طموحات إبادة جماعية".
المحامية الأمريكية أضافت أنه "بدلاً من نزع السلاح، أعاد ترامب تسليح العالم وبدلاً من ضبط التسلح، قطع ترامب، بشكل متقلب، إمدادات الأسلحة واستأنفها بناءً على الغرائز والمجاملات بدلاً من المنطق والاستراتيجية".
وعن المعيار الثاني وهو مفاوضات السلام، أوضحت المحامية الأمريكية، أن نتنياهو موجود في واشنطن العاصمة للتحضير لمفاوضات السلام مع حماس، ولكننا رأينا في كل مفاوضات سلام سابقة خلال ولاية ترامب الثانية، أنها "تُستخدم كغطاء لهجمات مفاجئة على المدى القصير، ما يؤدي إلى تخريبها".
حقوق الإنسان وعالم أكثر تنظيما
تشابمان ذكرت أنه "في ظل الأزمة الإنسانية المتواصلة والإبادة الجماعية في غزة، وافتقار إسرائيل، لدستور أو وثيقة حاكمة تضمن حقوق الإنسان، وافتقار أمريكا لأي معاهدات أو اتفاقيات مكتوبة مُصدق عليها مع إسرائيل في هذا الصدد، لا يستطيع ترامب استيفاء معايير تعزيز الديمقراطية وحقوق الإنسان المنصوص عليها في المعيار الثالث".
وعن المعيار الرابع للجائزة، وهو السعي لبناء عالم أكثر سلمًا وتنظيمًا، أشارت إلى أن "نهج ترامب في السياسة الداخلية والخارجية أدى إلى حالة من عدم القدرة على التنبؤ وعدم اليقين في الداخل والخارج، رغم دفاعه في حملته الانتخابية عن السلام والأمن والازدهار".
واختتمت تشامبان حديثها قائلة "في حال تطبيق هذه الحقائق على أبسط معايير الاختيار، لا يمكن للجنة نوبل النرويجية الاعتراف بأن الرئيس ترامب قد بذل أقصى الجهود لتعزيز السلام، وحل النزاعات، وتعزيز التعاون الدولي، إلا إذا حدث أمرٌ غير متوقع".
ورغم هذا السرد الملتزم بشروط الجائزة، تُعتبر نوبل للسلام من أكثر الجوائز التي تحمل رسائل سياسية مثيرة للجدل، إذ سبق أن استقال أعضاء من اللجنة احتجاجا على بعض الأسماء، مثلما حدث مع وزير الخارجية الأمريكي الأسبق هنري كيسنجر عام 1973 والرئيس الفلسطيني ياسر عرفات عام 1994.
كما أثار فوز الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما بالجائزة بعد أشهر قليلة من توليه منصبه جدلا واسعا.