أمريكا تخلع عباءة «الشرطي العالمي».. فهل يتأقلم الحلفاء؟

مع عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض لولاية ثانية، اصطدمت التوقعات الأوروبية بواقعٍ مختلف جذريًا.
ففي الوقت الذي اعتقد فيه المسؤولون الأوروبيون أنهم أتقنوا فن التفاوض مع «رجل الصفقات» خلال ولايته الأولى، اكتشفوا أن نسخة ترامب 2025 «الأكثر تطرفًا»، تُعيد تشكيل السياسة الخارجية بعيدًا عن التحالفات التقليدية، مُستبدلة إياها بـ«أمريكا أولاً».
هذا التحول لم يقتصر على تغيير التكتيكات، بل شمل تفكيكًا منهجيًا للبنى التحتية الدبلوماسية التي تأسست منذ الحرب العالمية الثانية، مما أثار ارتباكًا عالميًا غير مسبوق، بحسب وكالة «بلومبرغ».
الصدمة الأولى
وتقول «بلومبرغ»، إن ترامب سحب مفاتيح السياسة الخارجية من أيدي الدبلوماسيين المحترفين، مُفضلاً الاعتماد على قرارات مركزية تصدر عن البيت الأبيض، ما أدى بدوره إلى تكبيل وزارة الخارجية، حيث وجد الموظفون أنفسهم بلا توجيهات أو صلاحيات.
وقال كاميل غراند، المسؤول السابق في الناتو: «أصبح الموظفون الحكوميون مرعوبين وغير قادرين على تفسير سياسات واشنطن، لأنهم بعيدون عن دائرة صنع القرار».
كما استقال عشرات السفراء والدبلوماسيين، تاركين مناصب حيوية شاغرة. ففي دول مثل سوريا وتركيا، أصبحت السفارات الأمريكية بيوت «أشباح» بلا وجود فاعل، مما فتح الباب لدول مثل هولندا لملء الفراغ في أدوار كانت أمريكا تقودها.
الشرق الأوسط.. التحول الأكثر وضوحًا
وجدت حكومات شرق أوسطية أن التواصل المباشر مع ترامب عبر قنوات غير رسمية (مثل الملياردير ستيف ويتكوف) أكثر فاعلية من القنوات الدبلوماسية التقليدية. وفي المقابل، فقدت دول أخرى مثل جنوب أفريقيا علاقاتها مع واشنطن بعد إعلان سفيرها «شخصًا غير مرغوب فيه»، إثر انتقاده لسياسة ترامب المناهضة للهجرة.
وأعلنت الإدارة تجميد 83% من عقود الوكالة الأمريكية للتنمية (USAID) في أفريقيا، مما قطع المساعدات عن مئات الشركاء المحليين الذين عملوا مع واشنطن لعقود.
أوروبا.. ارتباك واستعداد
أمام الفراغ الأمريكي، وجدت أوروبا نفسها في مفترق طرق. واكتشف الدبلوماسيون الأوروبيون أن مناقشة قضايا مثل غزة أو أوكرانيا مع نظرائهم الأمريكيين أصبحت ضربًا من العبث، بسبب غياب التوجيهات وانسحاب الخبراء.
حتى في اجتماعات مجموعة السبع، لم يعد يُعتد بسرية المناقشات، حيث تُنقل التفاصيل مباشرة إلى ترامب عبر قنوات غير رسمية، مما دفع دولًا مثل ألمانيا إلى تشكيل تحالفات جانبية مع اليابان وكندا، لضمان استقرار التنسيق الأمني.
يضاف إلى ذلك، خفض السفارات الأمريكية حضورها في الفعاليات الثقافية، التي كانت أداة رئيسية لتعزيز النفوذ. وفي الوقت نفسه، بدأت دول أوروبية في تقييم مدى استمرارية تبادل المعلومات الاستخباراتية مع واشنطن.
صراع بين البيروقراطية والأيديولوجيا
يأتي ذلك، فيما تدرس الإدارة الأمريكية دمج إدارات حكومية أو إلغاء مكاتب تركز على قضايا مثل التغير المناخي أو حقوق الإنسان، التي لا تتماشى مع أجندة «أمريكا أولاً». ودعت مؤسسة هيريتيدج المحافظة إلى «تطهير» وزارة الخارجية من الموظفين اليساريين.
كما واجه ماركو روبيو وزير الخارجية انتقادات لعدم قدرته على وقف التخلي عن الحلفاء، بينما أُجبر على إلغاء اجتماعات دولية في اللحظة الأخيرة، كما حدث مع كاجا كالاس (المسؤولة الأوروبية)، في خطوة تعكس الفوضى الداخلية.
وخلص تقرير «بلومبرغ» إلى أن الولايات المتحدة تحت حكم ترامب أشبه بـ«دولة منعزلة» ترفض لعب دور الشرطي العالمي، مما فتح الباب لقوى إقليمية ودولية لتعيد ترتيب التحالفات.
وبينما ترحب بعض الدول بالتحرر من الهيمنة الأمريكية، يرى آخرون أن الفراغ الناتج قد يُغري بنزاعات جديدة في غياب نظام عالمي مستقر. مما أثار تساؤلا: هل يستطيع الحلفاء التأقلم مع عالمٍ تُحدده صفقات ترامب اليومية، أم أن الفوضى ستكون السمة الغالبة؟