تشريح السياسة الخارجية الأمريكية في عهد ترامب.. ملفات الأيام الأولى
تعتقد مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية أن فوز دونالد ترامب بولاية ثانية يمثل بداية رحلة مليئة بالتقلّبات في السياسة الخارجية.
وحقق الرئيس الأمريكي المنتخب فوزا ساحقا على منافسته الديمقراطية كامالا هاريس في الانتخابات التي جرت الثلاثاء الماضي.
وبعد الانتصار المريح رأت المجلة أن الرئيس المنتخب، الذي سيتولى منصبه خلال أسابيع، مستعد لإعادة السمات المميزة لولايته الأولى (2016-2020)، والمتمثلة في "حرب تجارية مع الصين، والنهج السياسي الموسوم بالشكوك العميقة تجاه التعدّدية، والولع بعقد الصفقات مع القادة الأقوياء، والأسلوب المتمرّد على التقاليد في دبلوماسية إبرام الصفقات.
لكن ولاية ترامب الثانية ستواجه تحدّيات جديدة، تضاف إلى الحربين الدائرتين في الشرق الأوسط وأوكرانيا، فرغم الوعود التي قدمها ترامب بإنهاء الحرب في أوكرانيا قبل أن يتولّى منصبه، فإنه لم يطرح بعد أي خطّة مُفصّلة، كما إن خطّته لإحلال السلام في الشرق الأوسط غامضة أيضاً، فكما أظهرت فترة ولاية ترامب الأولى أنّ نزواته الشخصية تتناقض في كثير من الأحيان مع أجندة مستشاريه، وهذه المرّة قد تكون قبضته على عجلة القيادة أكثر إحكاماً كرئيس للمرة الثانية، ومن المرجح أن يكون تحت إشراف دائرة أكثر ولاء من المستشارين في ولايته الأولى.
الصين
وبالنسبة للصين، فمن المرجح أن تستمر فترة ولاية ترامب الثانية في وصم الصين باعتبارها "التحدي الأمني القومي الأبرز للولايات المتحدة"، مع وضع التجارة كأولوية أولى، بما يعني إعادة إطلاق الحرب التجارية التي بدأها في عام 2018.
ودللت المجلة الأمريكية على ما ساقته بالإشارة إلى دعوة موقع حملة ترامب الرئاسية إلى خفض اعتماد الولايات المتحدة على الصين في جميع السلع الأساسية، وسط توقعات بأن تصل التعريفات الجمركية إلى 60% على الأقل، على جميع الواردات من الصين، مع الاقتراب من حالة الانفصال الكامل بين أكبر اقتصادين في العالم.
وعن سياسة ترامب فيما يتعلق بالدفاع عن تايوان فقد تمسك ترامب في المقابلات بسياسة الغموض الاستراتيجي القديمة، حيث عندما سُئل في مقابلة مع صحيفة "وول ستريت جورنال" عما إذا كان الجيش الأمريكي سيدافع عن تايوان في حال وقوع هجوم أو حصار صيني أجاب ترامب على ذلك قائلا "لن أضطر إلى ذلك"، بمعنى أن ترامب يعتمد على فكرة أن عدم القدرة على التنبؤ بتصرفاته الشخصية يوفر طبقة خاصة من الغموض، سواء كانت استراتيجية أم لا.
وقد تلعب العلاقة الشخصية التي تربط ترامب بالرئيس الصيني شي جين بينغ دوراً في تشكل السياسة بين البلدين أيضاً، ولقد أعرب الرئيس المنتخب بشكل متكرّر عن إعجابه بالرئيس شي "أنا أحترم الرئيس شي كثيراً، لقد تعرّفت عليه جيّداً، وأعجبت به، وهو رجل قوي وأحببته كثيراً". كلّ ذلك يرجّح استعداد ترامب لمقاومة سياسة إدارته لصالح وسم السياسات بعلامته الشخصية، وقد يحدث هذا مجدّداً في سعيه إلى التوصّل إلى اتّفاق تجاري ثان مع بكين.
الشرق الأوسط:
وستكون التوترات المتصاعدة في الشرق الأوسط أكثر قضايا السياسة الخارجية إلحاحا على مكتب ترامب، المطالب بأن يضع نهاية للحرب الإسرائيلية على حركة حماس في غزة وحزب الله في لبنان.
وكان الرئيس المنتخب قد تحدث مرارا عن ضرورة إنهاء الحرب في غزّة، مُدّعِياً أنّهُ قال لبنيامين نتنياهو (رئيس الوزراء الإسرائيلي) "احصل على نصرك لأنّ القتل يجب أن يتوقّف".
بيد أنه لم يتضح طبيعة الدور الذي ستلعبه إدارة ترامب إن وجد، في محاولة إنهاء هذه الحرب، فخلال فترة ولايته الأولى دعم ترامب شفهيا حل الدولتين لإنهاء الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، بينما منح إسرائيل سلسلة من الجوائز الدبلوماسية التي طالما سعت إليها، مثل نقل السفارة الأمريكية إلى القدس، وخفض التمويل لوكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)، واعترف بالمخالفة لعقود من السياسة الأمريكية بالسيادة الإسرائيلية على مرتفعات الجولان، والإعلان أن المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية لا تنتهك القانون الدولي.
وفي حين كانت علاقة نتنياهو وترامب دافئة خلال فترة ولايته الأولى، ساءت الأمور بعد أن هنأ رئيس الحكومة الإسرائيلي جو بايدن على فوزه في انتخابات 2020 بعد يوم من انتهاء الانتخابات، ما أثار غضب ترامب.
وحول إيران، فقد اتخذت إدارة ترامب الأولى موقفا صارما تجاه إيران، حيث انسحبت من الاتفاق النووي، وواصلت سياسة "الضغط الأقصى" على النظام الإيراني، واغتالت قائد قوة فيلق القدس التابعة للحرس الثوري قاسم سليماني، في غارة جوية في يناير/كانون الثاني 2020، وخلال حديثه إلى الصحفيين في سبتمبر/أيلول الماضي أعلن ترامب أنه سيكون منفتحا على إبرام صفقة جديدة مع إيران لمنعها من تطوير سلاح نووي، ولكن دون أن يقدم مزيدا من التفاصيل حول ما قد تنطوي عليه مثل هذه المفاوضات.
وأشارت المجلة إلى أنه في حين سعى ترامب إلى تقليص التدخل العسكري الأمريكي في العراق وأفغانستان، فإنه ليس رافضا تماما استخدام القوة العسكرية الأمريكية في السعي لتحقيق أهداف واضحة، وقد يشمل ذلك منع إيران من الانضمام إلى القائمة القصيرة للدول التي تمتلك أسلحة نووية.
روسيا وأوكرانيا والناتو
طالما انتقد ترامب التمويل الأمريكي لجهود الحرب في أوكرانيا، ودعا أوروبا إلى تحمّل المزيد من هذا العبء الكبير، ووصف الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي بأنّه "أعظم رجل مبيعات على وجه الأرض"، بسبب حجم الأموال التي تمكن من الحصول عليها لأوكرانيا من إدارة بايدن.
ولفتت المجلة الأمريكية إلى أن ترامب صرح بأن الأمر سيستغرق 24 ساعة فقط للتفاوض على إنهاء الحرب بين روسيا وأوكرانيا، وأنه سينجز ذلك قبل تنصيبه في يناير/كانون الثاني المقبل، عبر إجبار روسيا وأوكرانيا على التوصل إلى اتفاق من المرجّح أن يستلزم إنشاء منطقة منزوعة السلاح على طول خطوط المعركة الحالية"، ما يسمح لأوكرانيا بالاحتفاظ بسيادتها مع إجبارها التخلّي عن بعض أراضيها التي تقع حالياً في أيدي موسكو، إضافة إلى ضمان بقاء أوكرانيا على الحياد، ما يعني أنّها لن تنضم إلى حلف شمال الأطلسي أو أيّ "منظومات حليفة" أخرى.
مع ذلك رأى المحلّلون إلى أنّ هذا يشبه إلى حدّ كبير الشروط التي وضعها بوتين لوقف إطلاق النار، التي رفضتها أوكرانيا والعديد من داعميها، وفي مُقدّمتهم الولايات المتّحدة وإيطاليا وألمانيا.
دونالد ترامب ليس من داعمي حلف شمال الأطلسي الكبار، وأعضاء الحلف ليسوا من المعجبين به أيضاً، على خلفية انتقاده لهم بأنّهم لا يلبّون هدف الحدّ الأدنى من الإنفاق الدفاعي في الكتلة، حتّى إنّه شجّع روسيا على "فعل ما تُريد".
وقبل الانتخابات الأمريكية حاول أعضاء "الناتو" تحصين الحلف من دونالد ترامب، خوفاً من أن تؤدّي ولاية ثانية له إلى إبطاء أو وقف المساعدات لأوكرانيا، كما عمل الحلف على تعزيز إنتاج الأسلحة والمعدّات الرئيسية، فضلاً عن العمل على تعزيز سلطته على شؤون التدريب والإمدادات العسكرية في أوروبا.
أفريقيا
لم تحصل أفريقيا على الكثير من الاهتمام خلال الحملة الانتخابية الأمريكية هذا العام، ولم يُقدّم ترامب أو المرشّحة الديمقراطية كامالا هاريس الكثير من التفاصيل إن وجدت، حول ما ستكون عليه خططهما السياسية عند تولّيهما المنصب تجاه القضايا الأفريقية.
لكن ولاية ترامب الأولى تُشير إلى الشكل الذي قد يبدو عليه نهجه المستقبلي مع أفريقيا، فقد ركّز آنذاك من خلال مُبادرته الإقليمية المعروفة باسم "ازدهار أفريقيا"، على تعزيز التجارة وتعميق العلاقات التجارية بين الشركات الأمريكية مع القارة السمراء، ومع ذلك فقد تحدّث في كثير من الأحيان عن سياسة الولايات المتّحدة في أفريقيا بفوقية وعنصرية، أوضحها حين انتقد ما سمّاه "الدول القذرة" في أفريقيا، التي لم يقم بزيارتها ولو لمرّة واحدة، حسب قول المجلة الأمريكية.
الهجرة
كانت ولاية ترامب الأولى ملتزمة بأجندة مُتشدّدة في التعامل مع الهجرة، وأفضت إلى سياسة مُثِيرة للجدل في فصل العائلات وحظر دخول مواطني بعض الدول إلى الولايات المتّحدة، وقد وعد ترامب هذه المرة بإجراء إصلاحات جذرية أكبر لسياسة الهجرة في الولايات المتّحدة، وتعهّد بتنفيذ "أكبر عملية ترحيل في تاريخ أمريكا"، وقد وضع مستشارو الرئيس المنتخب خطّة من شأنها أن تجعل هيئة إنفاذ قوانين الهجرة والجمارك الأمريكية تُنفّذ مداهمات واعتقالات واسعة النطاق في أماكن العمل من أجل ترحيل ملايين المهاجرين غير المسجّلين كلّ عام.
وتعتزم الإدارة بناء "منشآت احتجاز ضخمة" على الأرجح في تكساس بالقرب من الحدود الجنوبية للولايات المتّحدة، من أجل احتجاز العدد الهائل من المهاجرين المتوقّع أن ينتظروا الترحيل، وفقاً لستيفن ميلر "قيصر الهجرة" السابق والمستشار الحالي لترامب.
الهند
يحتفي ترامب بعلاقة الولايات المتّحدة بالهند، باعتبارها علاقة ثنائية شبه حصينة بين الجانبين، ولم تكن فترة ولاية ترامب الأولى استثناء على الأقلّ من حيث المظهر، لكنّ النظرة العالمية القائمة على المعاملات التجارية التي يتبناها ترامب تسببت أيضاً في درجة من الخلافات، حيث اصطدم شعاره "أمريكا أوّلاً" بسياسة "صُنع في الهند" التي ينتهجها (رئيس وزراء الهند ناريندرا) مودي.
وبما يتّصل بالهجرة الموضوع الأقرب إلى قلوب الهنود باعتبارهم أكبر مجموعة من المتقدّمين للحصول على تأشيرات العمل في الولايات المتّحِدة، فرض ترامب قيوداً متعدّدة على برنامج تأشيرة "إتش وان بي" الذي يستخدمه آلاف الهنود لدخول الولايات المتّحدة كلّ عام.
ومن المرجّح أن تستمر هذه الديناميكية بين البلدين في عهد ترامب، حيث تعمل مُعارضتهما للصين على تعزيز العلاقات بينهما.
قضايا التكنولوجيا
نظرا لمركزية التكنولوجيا في الجغرافيا السياسية اليوم، سيكون لتعامل ترامب مع الصناعة على الصعيد المحلّي ومن وجهة نظر الأمن القومي تأثيرات عالمية كبيرة.
aXA6IDMuMTQxLjcuMTQwIA== جزيرة ام اند امز