أزمة المهاجرين في تونس.. جدل بين الانتقادات والإجراءات
أثارت تصريحات للرئيس التونسي قيس سعيد عن المهاجرين غير النظامين حالة من الجدل داخليا وخارجيا، اعتبرها مراقبون أرضا خصبة لمناوئيه للبحث عن مكاسب سياسية عبر استحضار اتهامات العنصرية.
عاصفة وصفتها الدوائر الرسمية بأنها "مفتعلة"، بدأت من الداخل قبل أن تسري عدواها إلى الخارج مستندة لتصريحات وصفها البعض بأنها ضد المهاجرين غير النظاميين من دول أفريقيا جنوب الصحراء.
ووفق الرواية الرسمية فإن الرئيس التونسي كان واضحا بالتحدث عن المهاجرين غير النظاميين أي ممن يقيمون على الأراضي التونسية بصورة غير قانونية، إلا أن معارضوه في الداخل والخارج انتهزوا فرصة ما يمكن أن تحمله العبارات من تفسيرات واسعة.
بداية الأزمة
كانت البداية حينما أدلى سعيد بخطاب أكد فيه وجوب اتّخاذ إجراءات عاجلة لوقف تدفق المهاجرين غير النظاميين من أفريقيا جنوب الصحراء.
دعوة سرعان ما التقطها معارضوه في الداخل وهو الذي أطلق حملة هوجاء ضد الإخوان منذ أكثر من عامين وأطاح بحكمهم وطاردهم أمام القضاء من أجل ما اقترفوه بحق التونسيين في عقد من السلطة والانتهاكات.
وعلى الجانب الآخر، كانت هناك دول تتابع الموضوع عن كثب، وتعمل جاهدة من أجل أن تنتهي رحلة المهاجرين غير النظاميين في تونس، وتكون هي بلد المضيف الذي يتحمل تبعات أدفاق بشرية تفاقم بلدا يواجه أزمة اقتصادية مستفحلة.
ولدعم الصفوف ضد الرئيس التونسي، كانت التهمة الرئيسية الموجهة إليه هي العنصرية، في انتقادات يراها مراقبون واهية، إذ كيف لرئيس دولة تجرم قوانينها العنصرية أن يخرج على الملأ للإدلاء بتصريحات من هذا النوع؟.
وتعتبر تونس أول دولة عربية تسن قانوناً يعاقب التمييز العنصري، عام 2018 للتصدي للتنمر، الذي يتعرض له التونسيون من أصحاب البشرة الداكنة والأفارقة من دول جنوب الصحراء من المقيمين على أراضيها.
وبحسب هذا القانون، يعاقب بالسجن من عام إلى ثلاثة أعوام وبغرامة مالية من ألف إلى ثلاثة آلاف دينار (ما يعادل نحو ألف يورو) كل من يحرض على العنف والكراهية والتفرقة والتمييز العنصري، وكل من ينشر أفكارا قائمة على التمييز العنصري أو "تكوين مجموعة أو تنظيم يؤيد بصفة واضحة ومتكررة التمييز العنصري أو الانتماء إليه أو المشاركة فيه".
وبالعودة لمسار الأزمة التي بدأت شرارتها في 21 فبراير/ شباط الماضي، تاريخ أول خطاب لسعيد حول الموضوع، إثر اجتماع للمجلس الأمن القومي، أكد فيه وجوب اتّخاذ إجراءات عاجلة لوقف تدفق المهاجرين غير النظاميين من أفريقيا جنوب الصحراء.
وحينها، شدد الرئيس التونسي على أن الظاهرة تؤدي إلى عنف وجرائم، واصفا إياها بأنها جزء من "ترتيب إجرامي لتغيير التركيبة الديموغرافية للبلاد بوصفها عربية وإسلامية".
وقال سعيّد إن الهجرة كانت "مؤامرة" لتغيير الوضع السكاني للبلاد، وألقى باللوم على "الخونة الذين يعملون في دول أجنبية"، مؤكدا أنه "مخطط إجرامي" لتوطين مهاجري أفريقيا جنوب الصحراء في بلاده بهدف تغيير التركيبة السكانية.
ويعيش في تونس أكثر من 21 ألف مهاجر من دول أفريقيا جنوب الصحراء بينهم طلبة، وفقا لإحصاءات رسمية صادرة العام 2021.
عاصفة انتقادات
رغم طابعها العادي، فجرت تصريحات سعيد موجة من التداعيات وردود الفعل، سواء على المستوى المحلي أو الإقليمي، حيث أدان الاتحاد الأفريقي في بيان له، ما جاء في حديث الرئيس التونسي شأن المهاجرين الأفارقة من جنوب الصحراء، كما دعا دوله الأعضاء إلى "الامتناع عن أي خطاب كراهية له طابع عنصري قد يلحق الأذى بأشخاص" .
أما الخارجية التونسية، فقد ردت من جانبها بقوة، معربة عن استغرابها من البيان الصادر عن مفوضية الاتحاد الأفريق، حول وضعية الجالية الأفريقية بتونس، ورفضت ما ورد به من عبارات واتهامات قالت إن لا أساس لها من الصحة.
واعتبرت الوزارة أن موقف المفوضية بني على فهم مغلوط لمواقف السلطات التونسية، معربة عن أسفها لما وصفته "بالخلط غير المبرّر وغير المفهوم"، بين المهاجرين الأفارقة، الذين يعيشون بسلام تحت حماية قوانين الدولة التونسية، وبين الجماعات غير القانونية، التي تتاجر بالبشر وتزج بهم في قوارب الموت وتستغلهم لأغراض إجرامية.
كما ألغى الاتحاد الأفريقي مؤتمر مكافحة التدفقات المالية غير المشروعة في أفريقيا، والمقرر عقده في منتصف مارس/آذار الجاري، وتم تأجيله دون إبداء أسباب.
من جهته، علق البنك الدولي، الاثنين و"حتى إشعار آخر"، محادثاته مع تونس بشأن التعاون المستقبلي على خلفية ما اعتبرها "اعتداءات" على مهاجرين من دول أفريقيا جنوب الصحراء في أعقاب خطاب ألقاه سعيّد ندد فيه بـ"جحافل المهاجرين غير النظاميين".
وتضمنت مذكرة لرئيس البنك ديفيد مالباس بعثها إلى الموظفين الإثنين، أن خطاب سعيّد تسبب في "مضايقات بدوافع عنصرية وحتى حوادث عنف"، وأن المؤسسة أرجأت اجتماعا كان مبرمجا مع تونس حتى تنتهي من تقييم الوضع.
وتابع مالباس في المذكرة: "نظرا للوضع، قررت الإدارة إيقاف إطار الشراكة مع الدولة موقتا وسحبه من مراجعة المجلس"، لكن وكالة الأنباء الفرنسية ذكرت أن المشاريع وبرامج التمويل الجارية ستستمر.
إجراءات
والأحد، أصدرت الرئاسة التونسية بيانا عبرت فيه عن استغراب تونس من الحملة التي قالت إن مصادرها معروفة والتي تتهمها بالعنصرية، وأعلنت عن جملة من الإجراءات لفائدة المهاجرين الأفارقة المقيمين في البلاد.
وأكد البيان أن تونس "لن تقبل أن يكون الأفارقة ضحايا هذه الظاهرة المشينة لا داخل تونس ولا خارجها"، وفق تعبيره.
وقالت الرئاسة إن تونس من مؤسسي منظمة الوحدة الأفريقية التي تحولت في ما بعد إلى الاتحاد الأفريقي والتي ساندت كل حركات التحرير الوطني في العالم وليس أقلها حركات التحرير الوطني في أفريقيا.
وأكدت أن "تونس دولة أفريقية بامتياز وهذا لنا شرف أثيل، والأفارقة إخوتنا وكانت تونس قد دعت في السنوات القليلة الماضية إلى أن تكون أفريقيا للأفارقة وتصدت بكل ما أتيح لها من وسائل إلى جريمة الاتجار بالبشر التي يعاني منها الإخوة الأفارقة إلى حد الآن".
وأضافت أن "الدولة التونسية لم ولن تقبل أن يكون الأفارقة ضحايا هذه الظاهرة المشينة لا في تونس ولا خارجها"، مشددة على أن "تونس ستبقى دولة تنتصر للمظلومين وتنتصر لضحايا أي نوع من أنواع التمييز العنصري ولا تقبل أن يوجد أي ضحية لأي شكل من أشكال التمييز لا في تونس ولا في أي مكان من العالم يستهدف الذوات البشرية.
وأعلنت الرئاسة عن جملة من الإجراءات لفائدة المهاجرين الأفارقة المقيمين في تونس أهمها تسليم بطاقات إقامة لمدة سنة لفائدة الطلبة من البلدان الأفريقية، وتسهيل عمليات المغادرة الطّوعية لمن يرغب في ذلك بالتنسيق مع سفارات الدول الأفريقية بتونس.
كما تتضمن الإجراءات الجديدة إعفاء الأفارقة من دفع رسوم التأخير المستوجبة على من تجاوز مدة الإقامة المسموح بها، في إطار العودة الطوعية، إضافة إلى تعزيز الإحاطة وتكثيف المساعدات الاجتماعية والصحية والنفسية اللّازمة لكافّة المهاجرين واللّاجئين من الدول الأفريقية الشقيقة وذلك عبر منظمة الهلال الأحمر التونسي ومختلف شركائها.
كذلك تقرر ردع كل أنواع الاتّجار بالبشر والحدّ من ظاهرة استغلال المهاجرين غير النظاميين من خلال تكثيف حملات الرقابة ووضع رقم أخضر على ذمة المقيمين من مختلف الدول الأفريقية الشقيقة للإبلاغ عن أي تجاوز في حقهم.
عدد غير دقيق
من جهة أخرى، قال مدير عام إدارة الحدود والأجانب بوزارة الداخلية التونسية عماد الزغلامي، في تصريح لـ"العين الاخبارية"، إنّ الأفارقة المتواجدين في تونس بصفة غير نظامية عددهم غير دقيق.
وأكد أن عدد المقيمين بوثائق قانونية من الأفارقة من جنوب الصحراء يعد 5376 مقيما في إطار الزواج المختلط وطلبة وغيرهم، إضافة إلى 6 آلاف تمّ إحصاؤهم على مستوى مفوضيّة اللاجئين.
ومستدركا: "لكن من تم إحصاؤهم من قبل مكتب للمنظمة الدولية للهجرة بتونس العاصمة وصفاقس عددهم تقريبا 7 آلاف، ولذلك يتمّ الحديث عن عدد جملي بنحو 21470 ألف مواطن من دول أفريقيا جنوب الصحراء".
وأكد أنّ السلطات التونسيّة ساعدت إلى حدّ اليوم 383 مواطنًا من دول أفريقيا جنوب الصحراء على العودة إلى بلدانهم، وهم 97 غينيا و151 إيفواريا و135 من مالي.
ويتوافد آلاف المهاجرين على تونس ويعمل غالبيتهم في أعمال بسيطة وشاقة لجمع المال من أجل دفع مقابل تنظيم رحلة بحرية نحو السواحل الإيطالية.
وشدّد الزغلامي على أنّ "ما تقوم به السلطات التونسية لا يُسمّى ترحيلاً"، لافتًا إلى أنّ "هذا التّعبير يزيد من تأجيج الأوضاع، وتونس لا تُرحّل الأجانب المتواجدين فيها ولا تقوم بعمليات إجلاء".
مساعي توطين؟
الأمين العام للحزب القومي في تونس حسام طوبان، يرى أن حزبه ليس لديه أي مشكلة مع المهاجرين، بل يحذر من سعي أوروبا إلى التخلص من الأفارقة بتوطينهم في تونس، والأزمة تكمن هنا في التغيير الديموغرافي للبلاد".
ويقول طوبان، في تصريح لـ"العين الإخبارية": "نحن لا نريد سوى تطبيق القانون، فالإشكال ليس في اللون أو الجنس، نطالب بترحيل المهاجرين غير الشرعيين (النظاميين) الذين يرتكبون جرائم، ونطالب بتطبيق القانون 7 الصادر عام 1968 وهو الحاسم في تلك المسألة".
aXA6IDE4LjExNy43MS4yMTMg جزيرة ام اند امز