بين حالة الرعب التي أسهمت بها تصريحات بعض القادة الآخرين يمكن لنا أن نتبين السياسة الحكيمة والرصينة لقيادتنا في دولة الإمارات
سلالة مستجدة من فيروس كورونا غزت العالم، وبدأت تتحول من وباء طبيعي إلى عامل يسهم في تشكيل تقليد بشري مختلف وثقافة جديدة ونظم علاقات مستحدثة، فقد نجح هذا الفيروس في دفعنا إلى إعادة إنتاج وجودنا البشري وفق شروط جديدة.
وكما يقال في المحن تكتشف معادن الرجال، فقد اختلف تعاطي زعماء وقادة العالم في مواجهة الرعب الذي خلفه هذا الفيروس في بلدانهم، بعدما اضطرت منظمة الصحة العالمية أن تعترف بأنه وباء، في زمن خيل فيه للإنسانية أن الأوبئة باتت جزءاً من ذاكرة الماضي، وأنها باتت قيد سيطرة الإنسان.
وفي حين رأينا الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يتعاطى في البداية بغرور واستخفاف مع خطر انتشار فيروس كورونا في بلاده مصرحاً:
لم تشهد الإمارات أياً مما شهدته بعض البلدان بما فيها الولايات المتحدة نفسها من زحف مجنون لتخزين المواد الغذائية وشراء المنظفات والمعقمات التي فقدت في الأسواق، وكأن الناس على أبواب حرب عالمية ثالثة، فالجميع واثقون بما طمأنهم به صاحب السمو محمد بن زايد آل نهيان
إنه "بفضل كل ما فعلناه، فإن الخطر على الشعب الأمريكي يبقى متدنياً جداً"، منتقداً خصومه الذين "استهزؤوا" في البداية بالقرارات التي اتخذتها إدارته لمواجهة الفيروس.
وأفاد ترامب بأن الولايات المتحدة تشهد سنوياً وفاة عدد يتراوح بين 25 ألفا إلى 69 ألفا بسبب الإنفلونزا، مضيفا "وهذا يعني أن حالات الوفاة الناجمة عن الفيروس قليلة للغاية مقارنة بالإنفلونزا".
ولكن ترامب سرعان ما تراجع أمام سرعة انتشار الوباء وما آل إليه حال بعض الدول التي تهاونت بالموضوع كإيطاليا، ليصحح مساره بقوله في تصريح لاحق:
إن العالم بأسره يعيش في حالة حرب لمواجهة فيروس كورونا الذي تفشى أيضاً في كل الولايات المتحدة الخمسين، وأعلن فرض حالة طوارئ وطنية لمواجهة انتشار فيروس كورونا. وأصدر تعليماته لزيادة احتياطيات بلاده من النفط، بهدف مواجهة الآثار الاقتصادية لانتشار الفيروس.
وقال وهو يعلن عن إجراءات أكثر صرامة للسيطرة على انتشار فيروس كورونا "سيرتفع عدد الحالات بشكل حاد، والواقع أن العدد الحقيقي للحالات أعلى -ربما أعلى بكثير- من عدد الحالات التي أكدناها حتى الآن عن طريق الفحوصات".
في حين بدا رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون أكثر صراحة، وأشد تشاؤماً في خطابه المرعب للبريطانيين والعالم حول وضع فيروس كورونا في بلاده.
وأعلن جونسون عن إجراءات أكثر صرامة للسيطرة على انتشار فيروس كورونا "سيرتفع عدد الحالات بشكل حاد، والواقع أن العدد الحقيقي للحالات أعلى -ربما أعلى بكثير- من عدد الحالات التي أكدناها حتى الآن عن طريق الفحوصات".
وحذر جونسون من أن ذروة الإصابة بالفيروس المتوقعة في بريطانيا لا تزال "على بعد بضعة أسابيع"، وأن العديد من العائلات "ستفقد أحباءها قبل الأوان" بسبب الإصابة بالفيروس المميت.
ووصف جونسون كورونا بالوباء العالمي، وبأنه "أسوأ كارثة صحية للجيل"، ويستمر في الأشهر المقبلة.
أما التصريح الأكثر سوداوية فكان من رئيس وزراء إيطاليا الذي قال: خرجت الأمور من الأرض إلى رب السماء.
وما بين التعاطي اللامسؤول الذي أبداه بعض قادة وزعماء العالم، والذي سمح بانتشار واستفحال وباء كورونا في بلدانهم، وحالة الرعب التي أسهمت بها تصريحات بعض القادة الآخرين، يمكن لنا أن نتبين السياسة الحكيمة والرصينة لقيادتنا في دولة الإمارات، فلا هي تهاونت ولا هي عملت على نشر الرعب والذعر في نفوس الناس.
حيث أكد صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان أن سلامة الناس على أرض الدولة هي أولوية قصوى، بغض النظر عن أي اعتبارات أخرى، وهي أمانة نحن مساءلون عنها، مشدداً على أهمية أن تكون الإجراءات المتبعة في مستوى هذا التحدي.
واطلع سموه خلال لقائه مع مسؤولي الوزارات المعنية على مدى رفع جاهزية المنشآت الطبية في القطاعين الحكومي والخاص والمختبرات المؤهلة لعمل الفحوصات الفيروسية، منذ الإعلان عن الاشتباه بالحالات المصابة بالفيروس، إضافة إلى تطبيق الإجراءات الوقائية للعائدين من خارج الدولة، تشمل الفحوصات الطبية والكشف الحراري على المنافذ البحرية والبرية والجوية على مستوى الدولة.
كما اطلع سموه على مدى كفاية المخزون الاستراتيجي للمستلزمات الطبية الأساسية اللازمة للفحص المتقدم لاكتشاف فيروس كورونا، إضافة إلى غرف العزل المجهزة بطريقة تضمن عدم انتقال الفيروسات.
وجاءت الاستجابة الوطنية الممنهجة لدولة الإمارات وخطواتها الاستباقية تأكيداً للكلمات الواثقة والمطمئنة التي أطلقها قائد استثنائي، من حيث الالتزام الواضح بالمواطن والمقيم على هذه الأرض الطيبة، بالإضافة إلى تقديم العلاج والفحوصات للمواطنين والمقيمين مجاناً في المستشفيات والعيادات الخاصة بالدولة كافة.
وكذلك الدعوة لمراجعة بعض العادات الاجتماعية كطريقة تبادل السلام؛ حيث قام الحساب الرسمي للمكتب الإعلامي لحكومة دبي على "تويتر" بنشر صورة لتبادل السلام غير التقليدي بين صاحبي السمو محمد بن راشد ومحمد بن زايد، وأرفق الصورة بتعليق "قادتنا قدوتنا في الالتزام بالتوجيهات الصحية، تتصافح القلوب من دون تصافح الأيادي". وهذا التزم به جميع المواطنين في لقاءاتهم اقتداءً بقادتهم.
ووجّه صاحب السمو محمد بن زايد آل نهيان بضرورة اتخاذ كل الإجراءات والتدابير التي تمنع انتشار الوباء بين الناس من خلال حملة ممنهجة متدرجة تدعو الناس إلى الالتزام دون أن تثير هلعهم، فمنعت التجمعات والأنشطة والفعاليات التي يمكن أن تسهم في نشر الوباء، بما فيها إغلاق المطاعم والمقاهي ودور العبادة والأنشطة الرياضية والثقافية والمدارس والجامعات ريثما ينجلي الوباء.
واطمأن سموه على إجراءات وزارة التربية التي عقدت الورش التدريبية للمعلمين حول كيفية استخدام نظام التعلم عن بعد، لضمان عدم تأثر الطلبة من فترة الغياب، مع إجراء تجربة لمجموعة من المدارس للتأكد من فاعلية النظام، وقد بدأت أغلبية المدارس والجامعات العمل بالنظام وتطبيقه.
ولم تقتصر متابعات سموه على مكافحة الوباء على المستوى المحلي؛ حيث بحث سموه مع مدير عام منظمة الصحة العالمية الدكتور تيدروس أدهانوم، خلال اتصال هاتفي، استعداد دولة الإمارات للتعاون مع المنظمة ودعم جهودها في مكافحة «فيروس كورونا» وتطوير علاجاته واحتوائه، مشدداً سموه على أن نهج العمل الإنساني يُعد ركيزة أساسية مـن الركائز التي قامت عليها الإمارات منذ نشأتها، في ضرورة مد يد العون ومساعدة الشعوب في مختلف الظروف الصعبة التي تمر بها دون تمييز بين عرق أو دين، إنما انطلاق من مواقفها الإنسانية وغرس بذور الخير في مختلف مناطق العالم.
وجاءت التوجيهات الإنسانية لصاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان بإجلاء رعايا الدول الشقيقة والصديقة في مدينة ووهان الصينية، بعد عجز الجهود الفردية والأسرية عن نقلهم واستقبالهم في الدولة بكل حفاوة وتقدير، ووضع التجهيزات اللازمة لاستقبالهم ووضعهم في الحجر الصحي، لمسة ومبادرة إنسانية تبعث رسالة تؤكد اللحمة المجتمعية بين الإمارات والإنسانية جمعاء، وأن جذور الخير متأصلة في هذا الشعب وقادته.
وهذا ما أكده صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، عبر «تويتر» بقوله: «مع أخي محمد بن زايد.. نبعث رسالة لشعبنا بأن صحتهم هي الأهم، وبأن موارد الدولة كلها مسخرة لضمان سلامتهم، وبأن الجميع اليوم مسؤول عن الجميع، وبأن دولة الإمارات متحدة أمام التحديات، ومتحدة لتجاوز الأزمات، ومتحدة لحفظ المنجزات.. حفظ الله شعبنا وأدام على مجتمعنا الصحة والسلامة والعافية».
هذه السياسة الحكيمة والتعاطي المسؤول انعكست بصورة إيجابية على جميع أبناء الإمارات مواطنين ومقيمين؛ حيث أبدى الجميع التزامهم بتوجيهات قيادتهم، كما أطلق المواطنون العديد من المبادرات التطوعية والخيرية من تبرع بالمال أو تخصيص ممتلكات ومجمعات سكنية، ووضعها في تصرف وزارة الصحة لاستخدامها كمراكز صحية مجانية، مما يوضح مدى التلاحم بين القيادة والشعب.
ولذا لم تشهد الإمارات أياً مما شهدته بعض البلدان بما فيها الولايات المتحدة نفسها، من زحف مجنون لتخزين المواد الغذائية وشراء المنظفات والمعقمات التي فقدت في الأسواق وكأن الناس على أبواب حرب عالمية ثالثة، فالجميع واثقون بما طمأنهم به صاحب السمو محمد بن زايد آل نهيان خلال "البرزة" الأسبوعية مع أبنائه المواطنين، أن "الدواء والغذاء خط أحمر ولا تشلون هم أبداً".
والآن يبدو جميع أبناء الإمارات والمقيمون فيها حذرين ولكنهم مطمئنون، بأن هناك عيناً تحرسهم وتحرص على رعايتهم وحمايتهم، واثقون بما قاله قائدهم الاستثنائي محمد بن زايد "إنها شدة عابرة وستزول"، وأن كل ما عليهم هو الالتزام بشروط الصحة والسلامة التي تم الإعلان عنها، وهذا ما يجعل من دولة الإمارات أيقونة عالمية وواجهة عربية مشرفة لشعوب الوطن العربي.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة