معرض الصيد والفروسية.. أبوظبي تمزج بين الابتكار والإرث لحماية الموروث الطبيعي

في عمق الصحراء الإماراتية، حيث تتناغم الرمال الذهبية مع عبق التاريخ وسكون الطبيعة، تبرز الاستدامة والحفاظ على البيئة كدعائم جوهرية لصون الإرث الثقافي العريق لدولة الإمارات.
وتجلّى ذلك بوضوح في فعاليات معرض أبوظبي الدولي للصيد والفروسية 2025، الذي لم يكتفِ بالاحتفاء بالأنواع الرمزية للمنطقة، بل تبنّى أحدث الابتكارات لضمان استمراريتها، لتغدو هذه الفعالية نموذجًا حيًا يجمع بين الوفاء للماضي والرؤية المستقبلية نحو بيئة أكثر توازنًا واستدامة.
تتصدر الصقور هذه القصة بوصفها رمزاً للشجاعة والمهارة في تاريخ الإمارات، حيث شكّل الصيد بالصقور على مدى آلاف السنين رابطاً إنسانياً وطبيعياً متجذراً في حياة البدو، واليوم، تفتح جهود الحماية في أبوظبي آفاقاً جديدة للحفاظ على هذه الطيور المهيبة.
ويُعد برنامج الشيخ زايد لإطلاق الصقور في البرية من أبرز إنجازات الإمارات في مجال المحافظة على البيئة، إذ انطلق من أبوظبي عام 1995، وتمكن حتى مايو 2025 من إعادة إطلاق 2,355 صقراً من نوعي الحر والشاهين في البرية بمناطق مختلفة في كازاخستان والدول المجاورة.
وخلال العام الجاري وحده، أُطلق 81 صقراً (53 شاهيناً و28 حراً)، جُهزت جميعها بشرائح إلكترونية للتعريف وأجهزة تتبع عبر الأقمار الصناعية تعمل بالطاقة الشمسية لمراقبة مساراتها وضمان بقائها في بيئاتها الطبيعية.
يمثل مستشفى أبوظبي للصقور، أحد أكبر المستشفيات المتخصصة في العالم، محوراً رئيسياً في هذه الجهود، من خلال إجراء الفحوصات الصحية وإعادة التأهيل، إضافة إلى تنظيم ممارسة الصيد بالصقور بشكل قانوني وتقديم برامج توعوية وتعليمية. وتُنقل الصقور البرية سنوياً من أبوظبي إلى مواقع الإطلاق المختارة على طرق الهجرة التقليدية، بما يضمن استمرار هذه الأنواع وحماية التوازن البيئي.
وإلى جانب هذه الطيور، تبقى الإبل رمزاً خالداً للثقافة الإماراتية والصمود، ففي نسخة 2025 من المعرض، كشف مركز الإمارات لأبحاث التكنولوجيا الحيوية عن إنجاز علمي بارز تمثل في استنساخ الإبل الخاصة بسباقات الهجن وجمالها.. ويعمل هذا المركز بالتعاون بين خبراء إماراتيين وكوريين للحفاظ على السلالات الأصيلة من خلال استنساخ الإبل باستخدام عينات أنسجة محفوظة.
ومن أبرز الأمثلة الناقة الشهيرة "مبروكان"، التي رحلت في العام 2010، وأُعيدت حياتها الوراثية في العام 2021 عبر عدة نسخ مستنسخة، بعضها بلغت قيمته السوقية أكثر من 60 مليون درهم.
وأتيحت لزوار المعرض فرصة مشاهدة اثنين من هذه النوق، في مشهد يجسد تلاقي التقاليد مع أحدث ما توصل إليه العلم.
وتوضح الدكتورة غبشة الكتبي، الطبيبة البيطرية والباحثة الرائدة في المركز، أن الاستنساخ يهدف بالأساس إلى دعم التنوع البيولوجي وتعزيز القدرة الوراثية على التكيف.
كما أن التعاون مع الخبراء الكوريين مكّن من إدخال أحدث تقنيات الاستنساخ إلى الإمارات، بما يحفظ السلالات المتميزة في سباقات الهجن ومنافسات مزاينات الإبل، ويضمن استمراريتها للأجيال المقبلة رغم التغيرات البيئية.
ولا تتوقف رؤية أبوظبي عند الصقور والإبل، إذ تقود الإمارة أيضاً جهوداً رائدة في حماية وإكثار طائر الحبارى المرتبط تاريخياً برياضة الصيد بالصقور، إذ ومن خلال الصندوق العالمي للحفاظ على الحبارى، تم حتى العام 2024 تفريخ نحو 888 ألف طائر وإطلاق أكثر من 535 ألفاً في البرية عبر 18 دولة، ما أسهم في استقرار أعدادها البرية والحفاظ على دورها البيئي.
ويجسد معرض أبوظبي الدولي للصيد والفروسية هذا التوازن بين الأصالة والاستدامة، حيث لا يقتصر على عرض الإبل والصقور فحسب، بل يقدم أحدث الابتكارات مثل الطائرات المسيّرة المخصصة لتدريب الصقور، وأجهزة محاكاة الطرائد، بما يخفف الضغط عن الطيور البرية ويحافظ على هذه الرياضة العريقة وفق معايير الاستدامة العالمية.
وهكذا، تثبت أبوظبي أن التقدم والحفاظ على الموروث يمكن أن يسيرا جنباً إلى جنب، عبر مزيج فريد يجمع بين العلم والرعاية البيئية والفخر الثقافي، لتضع نموذجاً عالمياً رائداً في حماية الحياة الفطرية وصون التراث الطبيعي للأجيال القادمة.
aXA6IDIxNi43My4yMTYuMTMxIA== جزيرة ام اند امز